أخبار الآن | حلب – سوريا – (خاص)

يبلغ من العمر 18 عاماً، يقاتل على جبهة حندارات في حلب، لصد محاولات قوات النظام والميليشيات الإيرانية إطباق الحصار على المدينة، يروي عنه أصدقاءه عدداً من المواقف البطولية خلال المعارك المندلعة على جبهات حلب.

"محمود" مقاتل من حركة حزم التابعة للجيش الحر، رافق مراسل "أخبار الآن" على جبهة حندارات بغية تصوير مواقع النظام ومتاريسه على الجبهة.

ويروي مراسل "أخبار الآن" في حلب أحمد العبدو ما حدث معه، ويقول: "التقيت بـ(محمود) في مخيم حندارات في المعارك التي يهدف النظام من ورائها لإطباق الحصار على حلب،  ففي صباح يوم الاثنين 22/12/2014 توجهت إلى ما يسمى خط النار الأول مع قوات النظام في مخيم حندارات، كانت الاشتباكات قوية، التقيت بمجموعة من المقاتلين بصفوف الجيش الحر، ومن أحد الشباب الذين رأيت فيهم الشجاعة والثقة (محمود)، وقفت إلى جانبه وسألته: هل ترى نسبةً من الأمل لديكم للتقدم أكثر باتجاه قوات النظام.. أم سيكون العكس؟ قال لي، وهو يبتسم، وتفاصيل وجهه تعبر عن ثقته: يا أستاذ المعركة معركتنا وكل هالعساكر خايفين، أغلبهم مجبرين على حمل السلاح وما بينخاف من قوتهم، بس هالأجانب اللي عم يقاتلوا مع الجيش عم يكونوا أصعب بالنسبة للمعارك والصمود، بس عم نتغلب عليهم بفضل الله وإصرار الثوار".

ويضيف مراسلنا: "اتجهنا إلى غرفة الثوار الصغيرة التي يقضون ساعات راحتهم القليلة فيها، فقدموا لي كأساً من الشاي على الحطب، واقترب مني محمود، وقال لي: ألست إعلاميًا ومراسلاً مع القناة وبتعرف تشتغل على النت، صورني وطلعلي صورتي على النت قبل ما نمشي باتجاه الاشتباكات مع النظام، فلبيت طلبه، وبعد خروجنا من الغرفة قمت بتصويره لوحده، ومع بعض الثوار الذين معه، وبعد دقيقتين أكملنا طريقنا باتجاه مناطق الاشتباكات، كان الطريق لا يصلح إلا للسير على الأقدام، ومرصود من قبل النظام بالرشاشات الثقيلة والقناصات، وصلنا خلال أقل من دقيقة للمنطقة الخطرة الأولى التي يستهدف النظام فيها أي شخص مار منها برشاش 23 مضاد للطيران، وعبر كلانا بسلام، وبعدها بأمتار قليلة، تأتي المنطقة الخطرة الثانية التي  يستهدفها النظام برشاش 12.7 مضاد للطيران، وعبرنا منها أيضاً بسلام، لكن المنطقة الأخطر هي التي يستهدفها النظام برشاش  pkc بالإضافة لقناص pkc، فوقف محمود، وقال لي قبل وصولنا بأمتار قليلة: "أستاذ هي المنطقة قريبة من الجيش كتير، والرصد فيها قوي يعني كتير خطرة، وهون العساكر قبل ما يشوفوك رح يسمعوا صوت دعسة قدمك عالأرض ويضربوا على الطريق، لهيك لازم تمر بسرعة كبيرة وأنا بعدها بمر وراك، وبأي وقت يضربوا عليك أنبطح بالأرض ولا تفكر تكمل لأنو رح تتصاوب".

يقول مراسل "أخبار الآن: "فعلت ما قاله لي، ركضت مسرعاً وبدأ كل شيء قاله لي محمود طلقة رشاش متفجرة أمامي تماماً، فأصبت بخدش تحت عيني جراء شظية منها، وعدة طلقات خلفي، ومررت بخير، قلت في نفسي وأنا أركض: لو يضرب الف طلقة عادي لأني مررت بسلام، لكن عند وقوفي عن الركض شعرت بشيء دافئ على يدي اليسرى، فنظرت وإذ بدمٍ على يدي، بدون أية إصابة، نظرت إلى الخلف، فإذا بمحمود خلفي مباشرةً من جهتي اليسار مصاب، ويفقد وعيه، وينازع الموت".

يقول مراسلنا: "راودني شعور غريب، لم أعد أعلم ماذا أفعل، مع استمرار القناص بملاحقتنا كهدف متحرك، وضرب النار اتجاهي لأبتعد عن محمود، كي لا أتمكن من سحبه وإسعافه، تدخل أحد المقاتلين من رفاق محمود، وأطلق النار على القناص، فلم أعد اسمع أي طلقة من القناص، جرينا نحو محمود وهو ينطق بالشهادتين، ويقول (الله أكبر)، اجتمعنا جميعاً، لم أمتلك القدرة على فعل شيء مما رأيته في هذا الموقف الذي سبب لي الصدمة والارتباك، ولم أقوم بفعل شيء سوى التصوير بدون إتقان".

ويروي الزميل العبدو هذه اللحظات، بالقول: "ركضنا تحت رشقات الرشاشات والقناصات مسرعين لإسعاف محمود، بنيانه الجسدي ثقيل، ما سبب لنا عثرة كبيرة في حمله والتنقل به، بالتزامن مع طلقات القناصة التي قد تودي بحياة أحدً منا أيضاَ، تابعنا ووصلنا به الى سيارة الاسعاف قبيل الساعة 2 عصراً، وتم نقله وإجراء الإسعافات الأولية له بعد إصابته بطلقتين كانت قد تدك جسدي وأفارق فيهم الحياة لكنهم كانوا من نصيب جسده. راودني شعور أن الموت كان حليفاً لأحد منا، وبعد مضي أكثر من تسع ساعات أتى خبر استشهاد محمود في غرفة العمليات متأثراً بجراحه الخطيرة".

ويردف العبدو: "صدمت بهذا الخبر، أحسست بتأنيب الضمير، وانهارت الدموع من عيني، نظرت لأحد رفاقه  وشعرت أنه يحملني مسؤولية ما جرى، لأنهم لم يعلموا أن محمود هو من اختار الذهاب كي نكشف مقرات النظام ومتارسه المخفية عن طريق عدسة الكاميرا التي بحوزتي".

ويختم بالقول: "عذراً محمود لم أستطع فعل ما أردت، أنت تريد أن تظهر على وسائل الانترنت وأنت حي، والآن أنت بعيد عن هذه الدنيا، روحك وشجاعتك كانا ضحية وحشية نظام مجرم، ولا يريد أن يتبقى جزء من سورية بلا معارك  ودماء".