يراقب العالم بحذر ما يجري في هونغ كونغ حيث يدافع أهالي المستعمرة البريطانية السابقة عن حريتهم وإيمانهم بهذه الحرية. وما تقوم به الصين في هونغ كونغ تعتبره القوى الغربية انتهاكاً لالتزامات بكين الدولية.
يطرح القانون الذي تريد الصين فرضه على هونغ كونغ علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هونغ كونغ مع أن بكين تقول إن القانون سيعزز استقرارها واستقلالها.
وترى بكين أن فرض القانون أصبح ضرورياً وليس مجرد خيار يمكن التخلي عنه لذلك يعتقد كثيرون أن الأمر وصل مرحلة اللاعودة.
القانون الجديد الذي يعرف باسم قانون “أمن هونغ كونغ القومي” يعاقب وفق منطوقه من وجهة نظر بكين “على الأنشطة الانفصالية والإرهابية والتمرد على سلطة الدولة والتدخل الأجنبي”، لكن الناشطين الاستقلاليين في هونغ كونغ وكذلك الدول الغربية يعتبرون هذا القانون مجرد محاولة خفية لإسكات المعارضة وتقييد الحريات خصوصاً وأنه أدخل نظام الشرطة السرية وسمح بنقل المعتقلين إلى الصين للتحقيق معهم ومحاكمتهم وفق قوانين الصين نفسها.
ما الذي يجري في هونغ كونغ؟ ولماذا التشدد الصيني غير المسبوق في تطبيق قانون الأمن القومي الذي يرفضه سكان هونغ كونغ الذين يفترض أنهم يتمتعون بحكم ذاتي واسع بموجب الاتفاق بين الصين وبريطانيا الذي أدى إلى عودة السيادة الصينية على هونغ كونغ وانسحاب بريطانيا منها عام 1997؟
عندما تسلمت الصين هونغ كونغ التزمت باحترام الاتفاق الذي أبرمته مع بريطانيا عام 1984 حول مستقبل هونغ كونغ ووعدت أن يستمر الحكم الذاتي الواسع مدة خمسين سنة لكن بكين على ما يبدو أخذت تتحايل على الاتفاق وتفرض مسؤولين يعملون لحسابها متراجعة عن قبولها السماح للسكان باتخاذ القرارات الأساسية بأنفسهم ولم تعد تحتمل نشاط دعاة الحقوق، وتريد الآن أن تعامل هونغ كونغ مثل معاملتها لباقي أنحاء الصين من خلال دكتاتورية الحزب الحاكم، فتراجعت الحريات الأكاديمية والصحفية والدينية وأخذت السلطات تتدخل من خلال التضييق على أعضاء البرلمان المؤيدين للانفتاح الاقتصادي والديمقراطية واعتقلت العشرات من الذين تعتبرهم خطراً على النظام العام وعلى مصالح حكومة بكين. وقد استقال خمسة عشر من أعضاء برلمان هونغ كونغ احتجاجاً على هذه السياسة.
طبيعة النظام في الصين المعتمد على حكم الحزب الواحد لا يمكنه التسامح مع وجود حريات اقتصادية وسياسية ودينية على جزء من أراضيه قد تنتقل بالعدوى إلى مناطق أخرى من البلاد فيسعى إلى تطبيق نهجه الشيوعي وبشدة على كل الأراضي الصينية، وما يفعله مع مسلمي الإيغور أحد النماذج لذلك التطبيق.. فلا يمكن للأنظمة الشمولية المغلقة أن تتقبل فكرة تداول السلطة والفصل بين السلطات فالحزب الحاكم يجب أن يسود على كل شيء وكل شيء في الدولة يجب أن يسير وفق ما تمليه الحكومة المركزية.
يرى متابعون أن سياسة بلد واحد ونظامان التي تم الاتفاق عليها تتعرض الآن للتقويض بسبب سياسة الصين الهادفة إلى فرض الحكم الصيني على هونغ كونغ خصوصاً بعد التحذير الذي أطلقه الرئيس الصيني المتضمن أن بلاده ستمنع التدخل الأجنبي في شؤون هونغ كونغ وستكون شديدة اليقظة والحزم في هذا الشأن.
ولا يبدو أن الصين ترغب بالتوقف عن إجراءاتها التي تتخذها بشأن هونغ كونغ وستسير بها حتى النهاية الأمر الذي يهدد بمزيد من التصعيد مع الولايات المتحدة والدول الغربية التي ترى أن الصين خانت تعهداتها وتواصل تدخلاتها بشكل أو بآخر لأنها لا تريد الإبقاء على الوضع في هونغ كونغ كما يجب أن يكون بموجب الاتفاق البريطاني الصيني.
ولذا تواصل الصين محاولات إدخال المزيد من التغييرات على النظام القضائي في هونغ كونغ وتسمي هذه التغييرات إصلاحات للتحسين، لكن الهدف الحقيقي لكل هذه التغييرات هو وقف حركة الديمقراطية خشية أن تتمدد إلى مناطق أخرى من البلاد، وتدعي الصين أنها تسامحت كثيراً مع مظاهرات هونغ كونغ في الماضي والآن بعد أن تم إقرار القانون القومي الخاص سيكون الأمر مختلفاً، وما تخشاه الدول الغربية هو أن تقوم الصين بأعمال قمع دموية بعد أن صرحت مصادر صينية بأنها لو اضطرت للتدخل المباشر سيكون ذلك دون رأفة أو رحمة.
ومنذ شهور عديدة تشهد هونغ كونغ مسيرات ومظاهرات مطالبة بالديمقراطية وقد بدأت المظاهرات في الأساس لمعارضة قانون الأمن القومي، ورغم كل المظاهرات والضجة التي أثيرت بشأنها لم تقدم السلطات الصينية أي تنازلات مهما كانت بل كان رد الصين المزيد من القمع والمزيد من الاعتقالات.
يعتبر الناشطون أنهم يناضلون في سبيل ما يؤمنون به ويعتبرون القانون الذي فرضته الصين مضرّاً بهونغ كونغ وسكانها ومستقبلهم. وتحولت القضية من مجرد اضطرابات ومظاهرات إلى قضية سياسية وطنية وضعت مستقبل هونغ كونغ بالفعل على المحك لان تطبيق هذا القانون على الطريقة الصينية المعروفة بقسوتها سيعني بالتدريج فرض الحكم الصيني المباشر وبالتالي ذوبان هونغ كونغ في الصين وضياع هويتها الخاصة وميزتها التي تشكلت على مدى عشرات السنين.
تعكس قضيتا هونغ كونغ ومسلمي الإيغور أزمة عميقة للحكم الشيوعي الصيني ويبدو أن بكين ستذهب في التمسك بمواقفها تجاه القضيتين إلى أبعد مدى ممكن رغم ما قد يصل إليه الأمر من توتر ونزاع مع الدول الغربية التي أكدت رفضها لتصرفات الصين وإجراءاتها تجاه مسلمي الإيغور وناشطي هونغ كونغ.
وبرغم التنكيل والقمع والاعتقال يؤكد الناشطون أنهم سيواصلون نضالهم من أجل الحرية وكلما زادت وتيرة المظاهرات زادت وتيرة القمع والضغط وهو أمر لن يكون محموداً بالنسبة للناشطين الذين قد يخسرون قضيتهم ما لم يتلقوا دعماً قوياً وملموساً من القوى الديمقراطية في العالم.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن