أخبار الآن | أنطاكيا – سوريا (جمال الدين العبد الله)

يستيقظ صباحاً على نغمة المنبه "يا حيف" ليتناول إفطاره الخفيف ويأخذ معه "السفرطاس" الذي يحتوي غداء العمل، ليمشي قليلاً في أزقة أحد الأحياء الشعبية في مدينة أنطاكية التركية وينتظر "الباص" الصغير لينقله مع أقرانه إلى مصنع الملابس الذي يعمل به منذ حوالي السنة.

"نور الدين" ذو السبعة عشر عاماً نزح مع عائلته من محافظة اللاذقية إلى أنطاكية  التركية، ليلتقي مع والده وأخيه الذي فرقه النظام عنهم منذ ثلاث سنوات، لم يستطع إكمال تعليمه الدراسي لحاجة أسرته فدخل سوق العمل ليساهم في تأمين أجرة المنزل البالغة شهرياً خمسمائة ليرة تركية "200 دولار أمريكي".

بدوام يومي يبلغ 12 ساعة، عدا يوم الأحد العطلة الرسمية في تركيا، بدأ عمله بأربعمائة ليرة شهرياً بعمل مرهق في تفريغ البضائع ونقلها وتوضيب الملابس ضمن الصناديق، إلى أن تعلّم على إحدى آلات حياكة الملابس ليصبح راتبه بعد سنة؛ ستمائة ليرة تركية شهرياً.

ويعد الراتب منخفضاً بسبب التهافت الكبير لدى الشباب السوريين العاطلين عن العمل للعمل في أي مجال كان لسد الرمق وتأمين لقمة العيش، والأهم: تأمين إيجار المنزل، ولصعوبة استخراج إقامة العمل في تركيا، وعدم تواجد أي ضمان صحي أو معاشي، فالعمل يكون دون عقود وبالتالي دون أية كفالات.

يقول نور الدين: "اضطررت وعائلتي للنزوح من اللاذقية نحو تركيا، وكان اختيار إقليم هاتاي لكونه قريباً إلى حد ما من اللاذقية وريفها، ولكون معظم أهالي اللاذقية متواجدين في هذه المنطقة، وفضلاً عن كون معظم ساكنيها الأتراك يتحدثون باللغة العربية، فهي المنطلق لمن يريد العمل في تركيا وتأسيس حياته بعيداً عن نظام الأسد وظلمه".

ويضيف: كنت أطمح في طفولتي أن أصبح طبيباً، وكنت من المتفوقين في المرحلة الابتدائية والإعدادية، كان لا بد من السفر كي لا أنخرط في جيش النظام وأقاتل أخوتي، قد يكون ما فعلته وعائلتي هرباً، لكن لا أستطيع البقاء في بلدي وقد طغى عليها الغرباء الذين يتحكمون في حياتنا ومعيشتنا، ولم أستطع الانضمام للجيش الحر لأني أرعى عائلتي هنا".

عمل جديد .. ولقمة مغمسة بعرق الجبين

معظم الشباب العامل في تركيا وخاصة حديثي اللجوء؛ لم يعملوا في مهنهم الأساسية، لكون افتتاح المعمل أو الدكان الخاصة بهم مرتفعة الأجر والتكلفة، ناهيك عن ارتفاع أسعار أجرة المحلات والمياه والكهرباء التي لم تكن تشكل عائقاً كبيراً في سوريا كما هو الحال عليه في تركيا.

نور الدين؛ كان يتعلم مهنة صيانة الجوالات في سوريا، أثناء العطل الصيفية والنصفية في الدوام المدرسي، وفور خروجه من سوريا حاول العمل في العديد من المحلات ولكن ضمن شروط صعبة، منها العمل المتواصل والأجر القليل، إلى أن تعرف إلى أحد الأشخاص ضمن معامل الملابس التركية.

ومع تعلّم "نور الدين" على إحدى الآلات اشتد عمله ليكون 12 ساعة متواصلة عدا ساعة الغداء، وعند عدم تواجد أي عمل في مجال الخياطة ضمن هذا المصنع يتحول عملهم إلى تحميل وتفريغ البضائع من وإلى المعمل ضمن ظروف مرهقة، في الحر صيفاً وفي برد الشتاء.

يقول "خالد" أحد زملاء "نور الدين" في العمل: "قد يكون الشيء الوحيد الذي نستفيد منه في العمل ضمن المعامل التركية "رغم الأجر القليل" هو تعلم مهنة جديدة، ويهم القائمين على العمل هو كمية الإنتاج، حيث تعتاد أيادينا على السرعة والإتقان، وكلما تعلمنا على آلة جديدة يزداد الراتب، وقد يكون هذا الشيء فاتحة خير لنا، فنستطيع خلال الأيام المقبلة افتتاح ورش أو مشغل خياطة متواضع نعمل به بشكل مستقل".

يوم العطلة هو اليوم المقدس للعمال

معظم العاملين ضمن الشركات أو المعامل، يكون يوم عطلتهم الوحيد هو يوم الأحد، أو قد يطرأ أيام صيانة لمكان العمل مما يعطي فرصة للعمال للاستراحة "وطبعاً دون راتب"، يقضي معظم العمال يوم الأحد خارج المنزل، أو مع عائلاتهم، فهي المتنفس الوحيد لهم.

يذكر أن عدداً كبيراً من شريحة الشباب يعملون ضمن المؤسسات التركية الخاصة، وخصوصاً بعد موجات النزوح الأخيرة بسبب القصف والمعارك الجارية في المنطقة، من إدلب وحلب وريف اللاذقية والمناطق الأخرى، بينما من لم يحالفهم الحظ يبحثون عن العمل ضمن الأسواق والمحلات الخاصة، ويبقى ذو الحظ الأكبر هو من يتكلم اللغة التركية.