أخبار الآن | ريف اللاذقية – سوريا (جمال الدين العبد الله)

 

ينتظر الملايين في العالم يوم الـ 21 من شهر آذار من كل عام، للاحتفال بعيد الأم، حيث تقدم الهدايا والتهاني، إلا أن هذا اليوم في سوريا، وتحديداً في ريف اللاذقية كحال معظم المحافظات، يختلف اختلافاً جذرياً عن باقي الدول، فالعديد من الثوار قد فقدوا أمهاتهم، والعديد من الأمهات فقدوا أبنائهم، والبعض الآخر ينتظر اللقاء الذي يمحو لوعة الفراق.

لا تزال "أم حسان" تقطن في خيمتها على الحدود السورية–التركية في جبل التركمان، والتي تقطعت بها السبل في العبور إلى تركيا، تقول: "بعد أن هجّرت من قريتي في جبل الأكراد ووفاة زوجي، انتقلت أنا وابني "20" عاماً نحو مخيمات الشريط الحدودي. هاجر ابني البكر نحو ألمانيا في العام الماضي على أمل لمّ الشمل، بينما أنتظر هنا إما الموت بإحدى الصواريخ، أو يعود ابني الذي انقطعت اخباره نهائياً بعد سفره بالبلم نحو اليونان، أعظم ما أتمنى في عيد الأم هو أن يكون حسان حياً وسالماً".

المسافات والحواجز تحول دون اللقاء

بعد فرض التضييق الأمني الكبير وحملات الاعتقال العشوائية والتي تهدف إلى تجنيد الشباب في القطع العسكرية مكرهين؛ لجأ العديد من الشباب إلى الهجرة نحو تركيا، أو نحو ريف اللاذقية بغية الابتعاد عن القبضة الأمنية التي لا تستثني أحدا، مثل "خالد" 21 عاما الذي هاجر من اللاذقية نحو الريف منذ ثلاثة سنوات.

يقول "خالد" المقاتل في إحدى تشكيلات الجيش الحر: "باعت أمي مصاغها الذهبي المتبقي لديها لتتحمل كلفة التهريب من اللاذقية نحو الريف، ولا زلت أحتفظ بشالها الذي أخذته معي لأشم رائحتها فيه، هذا رابع عيد أم لا أقبّل فيها يد أمي وأنا في أشد الحاجة للقائها .. وقهوتها".

يتنهّد "خالد" وهو يمسك جواله القديم ويستمع إلى إحدى التسجيلات: "عيدي هو عندما يصلني تسجيل صوتي لأمي عن طريق "الواتس أب"، بواسطة أحد الأقارب الذي يزورها كل بضعة أشهر لينقل لي صوتها عبر الشبكة، فمن المستحيل أن أعود إلى اللاذقية في الظروف الحالية، لأن الاعتقال سيكون مصيري عند أول حاجز".

أمهات وأبناء .. ضحايا القصف الروسي والأسدي

وينظر "خليل" إلى الصورة القديمة بالأبيض والأسود لوالدته ووالده، والتي استشهدت والدته نتيجة إحدى غارات الطيران الحربي على قرى الريف، وانتشلوها في آخر أنفاسها من تحت الأنقاض ريثما كان خالد يرابط على إحدى الجبهات في جبل الأكراد.

يقول خليل: "بينما أقوم بالحراسة عصر أحد الأيام، سمعت عبر اللاسلكي إحدى الطائرات قصفت قريتي، فكرت فوراً بأبوي العجوزين، ولم أكد أصل إلى القرية حتى سقط قلبي، فبيتنا كان المستهدف، أبي كان على قيد الحياة، أما والدتي فقد أخرجوها وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة، رمقتني وقالت: الله يرضى عليك يا خالد انتبه على أخواتك ثم سلمت روحها، لا أريد ان أتذكر أن اليوم هو عيد الأم".

فقد العديد من أهالي ريف اللاذقية أمهاتهم وأبنائهم بسبب القصف العشوائي والذي لا يميز بين كبير ولا صغير ولا عسكري أو مدني، لقد تحولت الأعياد في سوريا إلى ذكريات مؤلمة تستحضر معها صور المفقودين في هذه الدنيا.