أخبار الآن | ريف اللاذقية – سوريا (جمال الدين العبد الله)
إبان الحملة العسكرية الشرسة التي تقوم بها قوات النظام المدعمة بالميليشيات الطائفية الموالية لها، وتحت غطاء جوي ومدفعي كثيف، تقوده روسيا؛ نزح معظم أهالي ريف اللاذقية بجبليه "الأكراد والتركمان" نحو الشريط الحدودي التركي، والذي يُعد آمناً إلى حد ما، حيث قام الأهالي بتقديم البدائل الأساسية للحياة.
القصف العشوائي والنزوح نحو المخيمات
لم يشهد ريف اللاذقية هذه الموجة من النزوح منذ تحريره في عام 2012؛ إلا بعد أن استخدم النظام بدايةً الحوامات المزودة بالرشاشات والصواريخ، ومن ثم الدبابات والمدفعية، إلى أن وصل به الأمر إلى استخدام الطائرات الحربية والبراميل؛ وكل ذلك لم يدعو "أبو خالد" إلى ترك منزله إلا عندما تدخّل "الدب الروسي" بطائراته الحديثة المخصصة للحروب الدولية.
يقول "أبو خالد" الرجل الأربعيني المُعيل لأسرة مكونة من خمسة أفراد: "رغم استخدام النظام لشتّى أنواع الأسلحة والصواريخ في محاولة تهجيرنا، لكنني لم أهاجر، ولكن في المعارك الأخيرة عمد إلى قطع الطرقات واستخدام القذائف الفراغية العالية التدمير، مما دفع أهل قريتي إلى نقل ما استطاعوا نقله من جرارات ومولدات كهرباء وغطّاسات المياه وإغلاق المحلات، والذهاب بهم نحو الشريط الحدودي، ولا أستطيع العيش دون خبز أو ماء أو كهرباء، هذا ما اضطرني للخروج من بيتي".
مهن محدودة ودخل محدود على الشريط الحدودي
لا يستطيع إلا عدد قليل العمل في هذه الظروف، فكل ما يشغل بال أرباب العائلات هو تأمين المياه، والحطب للتدفئة، وانتظار توزيع المعونات، وقلة قليلة من تستطيع العمل مقابل المال، مثل "محمد" 20 عاماً والذي يعمل في صيانة الدراجات النارية، الذي قام بنقل معداته البسيطة نحو الشريط الحدودي مفتتحاً مكاناً بسيطاً للعمل به، وتأمين لقمة العيش.
حيث يقول: "وسيلة النقل الأكثر رواجاً على الشريط الحدودي هي الدراجات النارية، بعد قصف قريتي في جبل التركمان، نقلت أدواتي إلى هنا وأعمل على قارعة الطريق ضمن محل من الصفيح، معظم أهالي المخيمات فقراء، أغلبهم دمّرت بيوتهم ومهنهم، أحاول خلال عملي خدمة أهالي المخيمات من جهة، وتأمين لقمة عيشي من جهة أخرى".
الخدمات متوفرة إلى حد ما، والخيم معدّلة
بعد النزوح الكبير الذي يمر على ريف اللاذقية، قامت العديد من المنظمات الإغاثية بتوزيع مجموعة من الخيم، الذي قام اللاجئون الجدد بنصبها بعد التعديل عليها؛ فاستبدلوا القضبان الحديدية الخفيفة بأغصان الأشجار بالإضافة إلى تكبير مساحتها وسقفها بالصفيح، لتستوعب أكبر قدر ممكن من أفراد العائلة الواحدة، هذا إضافة إلى توافر المشافي الميدانية القريبة من المنطقة، وتوزيع المعونات الغذائية والألبسة من حين إلى آخر.
أما بالنسبة للخدمات الحياتية كالكهرباء، فيقوم بعض أهالي المنطقة بشراء "مولّدات كهرباء كبيرة" وتمديد الخطوط نحو الخيم مقابل أجر مادي بسيط على حسب ساعات الخدمة، وتأمين شبكة إنترنت تتوزع على معظم مساحة الشريط الحدودي بأسعار معتدلة حيث يبلغ سعر 1 غيغا بايت 500 ليرة سورية، بالإضافة إلى توافر خبز الأفران بشكل يومي لتغطية متطلبات اللاجئين.
برد وأوحال .. وأمراض الشتاء تثير المخاوف
يصف اللاجئون البرد والثلج المطبق على المنطقة في هذا الوقت من السنة، أنه لا يقل خطراً عن القذائف والصواريخ التي تطلقها وبشكل متواصل راجمات وطائرات النظام وحلفائه على قراهم، حيث أن الصاروخ يقتل أو يسبب عاهة دائمة، أما البرد فيشمل الجميع صغاراً وكباراً، وذلك مع ارتفاع أسعار المحروقات للتدفئة، وعدم المقاومة الكبيرة للخيم المعدلة للبرد وتسرب مياه المطر.
حيث يقوم "أبو أحمد" بشكل يومي مع أطفاله الثلاثة بالخروج عندما تتاح لهم الفرصة بالبحث على أطراف الطرقات عن الحطب للتدفئة، والطهو حيث لا غنى عنهم: "لا نستطيع شراء المازوت للتدفئة ولا حتى الغاز، ولا أمتلك منشاراً قوياً لقطع الأشجار، ولا أملك ثمن الحطب، لا حل لي سوى البحث عن الأعواد المتناثرة هنا وهناك، فالبرد قاتل، والثلج يلقي بثقله علينا، ولا نريد أن تدخل الأمراض الشتوية بيننا، يكفينا أن نعيش فقط ننتظر .. وننتظر".
يعيش معظم أهالي ريف اللاذقية على الشريط الحدودي مع تركيا، أملاً منهم في العودة إلى قراهم التي طالتها قذائف وصواريخ الأسد وميليشياته ودبّه الروسي، الذي لا يميز بأسلحته "الذكية" بين المقاتلين وبين المدنيين الذين لا يكادون يمتلكون قوت يومهم.