أخبار الآن | القلمون – سوريا (أبو محمد اليبرودي)
سعى النظام السوري منذ بدء الثورة السورية إلى محاربة السوريين في أرزاقهم والانتقام من كل المعارضين بالتسريح من عمله أو وظيفته في المؤسسات الحكومية.
وعلى مستوى المدن الخارجة عن سيطرته، فإنه لم يتردد في التضييق الاقتصادي عليها واستهدافه للمرافق الحيوية والمصانع لخلق أزمة اقتصادية تدفع أبناء المدينة للعودة لسلطته من جديد.
ما جرى في مدينة يبرود، المدينة الهامة صناعيا على مستوى سوريا، لهو مثال واضح على ذلك. إذ تعتبر مدينة يبرود إحدى أبرز وأهم المدن الصناعية في سوريا، وذلك بعد أن وصلت إلى المرتبة الثانية في سوريا بعدد التراخيص الصناعية والمعامل القائمة فيها، إضافة لأنها انفردت بالعديد من المنتجات على مستوى المنطقة والوطن العربي، حيث غزت بعض منتجاتها الوطن العربي وصولا للسوق الأوروبية.
باتت مدينة يبرود المركز الصناعي لمدن القلمون المحيطة بها ومركزا لاستقطاب اليد العاملة من قرى القلمون المحيطة، ومهيئة لاستيعاب هذا الكم من المعامل. فمعظم معامل القلمون كانت تنشأ في يبرود وبالأخص في منطقة "ريما" الملاصقة ليبرود التي كانت تملك مساحات شاسعة لإنشاء المصانع عليها.
صناعة مزدهرة
يقول "أبو محمود" عضو مكتب التجار والصناعيين الأحرار في يبرود وتاجر بارز في المدينة، أن يبرود منطقه صناعية هامة جدا في سوريا، إذ يوجد ما لا يقل عن 1200 معمل وورشات صغيرة، إضافة أن المدينة الصناعية كانت تؤمن فرص عمل لما يتراوح بين 20 ألف إلى 25 ألف شخص بين عامل وإداري وتقني، حيث كانت تعتبر مركز استقطاب لليد العاملة من كافة بلدات القلمون المجاورة".
وأوضح أبو محمود أن صناعة يبرود اكتسبت هذه الأهمية من خلال تفردها بالعديد من المنتجات التي اكتسحت الأسواق العربية وحتى الأوروبية وذلك لجودتها ورخص أسعارها بسبب توفر اليد العاملة ورخصها إضافة لأسعار الكهرباء الرخيصة نسبيا بالنسبة لباقي الدول.
تميزت المدينة الصناعية في يبرود بالصناعات البلاستيكية والكرتون والحديد بشكل بارز، وبشكل خاص المسّاحات اليبرودية قد تغلبت على المساحات الصينية في اكتساح الأسواق الأوروبية بفارق شاسع بالأسعار، و يعود ذلك لإمكانية إعادة استخدام الأنقاض البلاستيكية في القلمون لتوفر آلات خاصة لها وبأسعار متدنية ما أدى لانخفاض سعر المنتج بشكل كبير.
تضييق وانتقام
مع انطلاق الثورة وتحرر مدينة يبرود، بدأ النظام بالضغوط والتضييق على الصناعيين في مدينة يبرود كعقاب للمدينة لوقوفها في وجهه.
يقول "أبو محمود" أنه بعد الثورة بدأت المضايقات بالحصار لكل ما يدخل ويخرج للمدينة، حيث بدأ منع دخول المواد الأولية إليها إلا فيما ندر، بالإضافة لمنع خروج المنتجات معظم الأحيان إلا عند دفع أتاوات للحواجز المحيطة في المدينة عن طريق بعض السماسرة مما يؤدي لارتفاع التكلفة. وكل ذلك في سبيل الضغط على أهالي المدينة ليتراجعوا عن انخراطهم في الثورة وعقوبة لهم على ذلك.
قصف المعامل ونهبها
من جهة أخرى يقول "أبو الحسن" الناطق باسم تجمع الصناعيين الأحرار وصاحب أحد أبرز مصانع البلاستيك في القلمون، أن النظام لم يكتف بالتضييقات على حركة عبور البضائع، إنما تعدى ذلك إلى الاستهداف المباشر وغير المباشر للمصانع المنتشرة على مساحات شاسعة في محيط المدينة، بالأخص منطقة "ريما" الشهيرة التي تحولت مؤخرا لساحة حرب عسكرية و لم يتوانى النظام عن قصفها ضاربا عرض الحائط الميزانية الكبيرة المتمثلة بالمصانع المتواجدة فيها.
وعن التضرر الناجم جراء القصف المباشر للمنشآت الصناعية، يقول أبو الحسن بأن الضرر في الصناعة ككل في المدينة تجاوز 70% وتمثل ذلك إما باضطرار أصحاب المصانع لبيع آلاتهم ونقل معاملهم لمناطق أكثر أمنا أو حتى إلى دول مجاورة، أو ايقاف عملهم بشكل نهائي بسبب عدم القدرة على تصريف البضائع ومنافسة الأسواق بالأسعار بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج.
ونّوه أبو حسن أنه في يوم الجمعة المصادف 17-5-2013 قدرت الأضرار المادية في المنطقة الصناعية بما يقارب 500 مليون ل.س من دمار وتضرر آلات واحتراق مواد أولية باهظة الثمن. وزاد الأمر سوءا أنه بعد اقتحام مدينة يبرود في 16-3-2014 بدأت حملة سرقة ونهب ممنهجة لما تبقى من آلات موجودة في المنطقة الصناعية تم إرسالها إلى الساحل السوري أو إلى القرى الشيعية في الجانب اللبناني عن طريق ضباط في ميليشيا حزب الله.
وبعد سنوات الحرب والسيطرة على يبرود، يبدو أن إعادة إحياء المنطقة الصناعية في الفترة الحالية أمرا في غاية الصعوبة، وذلك بسبب الكلفة الباهظة لترميم ما تم تدميره وإعادة شراء آلات جديدة بدلا من تلك التي دمرت أو سرقت من المصانع. وكل ذلك يحتاج إلى وقت طويل مما سيؤدي لفقدان صفة المنافسة بالسعر والتفرد بالبضائع التي كانت تنتج في هذه المنطقة في الأسواق العربية والأوروبية.