أخبار الآن | إدلب- سوريا (عماد كركص)
تقع قريتا الفوعة وكفريّا "الشيعيتين" في محافظة إدلب في شمال سوريا ذات الغالبية السنيّة. عاش أهل القريتين بجوار آمن لعقود طويلة مضت دون أن نسمع بأية حوادث على خلفية طائفية، وذلك على الرغم من قرب سكان القريتين من النظام والتحاقهم بمؤسساته الأمنية وولائهم له.
الثورة السورية وتبدّل المواقف
مع انطلاق الثورة السورية 2011 تغيرت المعادلة بشكل مفاجئ. وتغيرت طبيعة العلاقة بين أهالي القريتين والقرى المجاورة لهما، ومحيطهما بشكل عام. فوقفت القريتين إلى جانب النظام واتخذت من العداء موقفا تجاه المناطق الثائرة حولها. وحتى مع تحرير إدلب وريفها، لم يتبق من يوالي النظام سوى هاتين القريتين.
ورغم توجيه الدعوات من القرى الأخرى لأهالي القريتين بالالتحاق بالثورة أو الحياد أو عدم "التشبيح" على أقل تقدير، إلا أن النفوذ الإيراني كان كبيرا، فجرى تجنديهم ومدّهم بالسلاح وتتحول القريتين إلى أهم مراكز تدريب وتخريج الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران. وقد أسفر ذلك عن تشكيل ما أُطلق عليه "حزب الله السوري" في الفوعة منتصف عام 2012.
في أسباب العداء
ساد العداء بين أهالي القريتين وأهالي القرى المحيطة، ما كلفهما حصاراً خانقاً من قبل الثوار؛ استدعى مناشدة القرنيتين لإيران بعدما كانوا قد أذاقوا أهالي القرى المجاورة ويلات القتل والقصف والتشبيح طيلة السنوات الخمس من عمر الثورة.
لماذا اختارت القريتان هذا المصير؟ وكيف أثرت إيران على قرارهما؟ وهل هناك بصيص أمل بعودة التعايش بين أهلهما وأهالي القرى المحيطة مستقبلا؟.
توجهنا بهذه الأسئلة إلى ناشطين من الطائفة الشيعية من أهالي الفوعة بالإضافة لأهالي القرى المحيطة بها.
يصف الناشط "حسين حمدون" من الفوعة أسباب العداء من جهة أهالي القريتين لمحيطهما بأنه: "تعصب طائفي. عشت في دمشق أغلب مراحل حياتي وانتقلت إلى القرية في العام الأول للثورة، وشاهدت كيف كان معظم أهالي الفوعة وشبيحتها هم من ناصبوا العداء رغم كل محاولات القرى المجاورة تحسين العلاقة معهم. علماً أن في الفوعة وكفريا هناك معارضين للنظام وإيران لكن لا يتجاوز تعدادهم بحسب العوائل أصابع الكفين".
ويتابع حمدون: "في العام الأول من الثورة اختبأ العديد من شبان القريتين تحت تسميات "اللجان الشعبية" لتغطية حقدهم بقضية وطنية بحسب زعمهم، لكن سرعان ما انكشفت النوايا بعد رفع الشعارات والرايات الطائفية، وتشكيل ما سمي بـ "حزب الله السوري" والقتال تحت رايته".
الناشط "محمد الحاج علي" من الفوعة أيضاً، يروي معايشته داخل القريتين خلال الفترة الأولى من الثورة قائلاً: "مع بداية الحراك الثوري في سوريا عمل النظام على تخويف أهالي القريتين من الثورة، من خلال وصفها بالطائفية والإرهاب، وعلى العكس كان الخطاب الثوري في محيط البلديتين ينبذ الطائفية ويطالب بالحرية والكرامة لجميع السوريين، وكانت بعض الأصوات المعارضة داخل القريتين تنادي بالتعقل وعدم الانجرار خلف النظام ولكن تم التضييق عليها وقمعها وبث الإشاعات حولها ودفعها بالنهاية للخروج من القريتين".
وأضاف الحاج علي: "مع مرور الوقت بدأ الدور الإيراني بالظهور بقوة عن طريق تجنيد أهالي القريتين ودفع الأموال لهم وتسليحهم وتدريبهم في معسكرات تدريب يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله اللبناني بحجة دفاعهم عن القريتين. وبدأت المليشيات المتشكّلة في القريتين بالتدخل إلى جانب قوات النظام في اقتحامه لقرى ومدن الريف الإدلبي ومشاركتهم في أعمال القتل والسرقة والنهب، وتم تحويل القريتين لمركز تنطلق منه قذائف تنهال على القرى المجاورة، وكل هذه الأفعال أدت لخلق حالة عداء وكره من قبل القرى المحيطة وهذا أمر طبيعي".
أفق التعايش في المستقبل
أما حول أمل عودة التعايش بين سكان القريتين وأهالي القرى المحيطة فيقول حمدون: "من المستحيل أن يعود التعايش، حتى ولو أُجبر الطرفان على العيش في بلد واحد وجغرافيا واحدة، فما فعله سكان القريتين بحق جيرانهم في السنوات الخمس الماضية، يحتاج لقرون كي ينساه السوريون وليس أهالي القرى المجاورة فقط".
وكذلك رأى محمد الحاج علي، استحالة الأمل بعودة التعايش بين أهالي الفوعة وكفريا ومحيطهما لكنه وجه رسالةً نصح أقاربه هناك حيث قال: "عليكم بالتخلي عن إيران فهي من دفعتكم لما آلت به أموركم، وهي تستخدمكم خدمة لمشاريعها التوسعية في المنطقة، وعليكم المحاولة جدياً الرجوع عن أخطائكم ومصالحة محيطكم فربما يجعل ذلك أهل المناطق المجاورة تتقبل وجودكم، بعد محاسبة القتلة طبعاً".
استقبال الأهالي لهاربين من القريتين
"عمر حاج قدور" ناشط من مدينة بنش المجاورة لقريتي الفوعة وكفريا، وكانت أكثر المناطق تضررا من أذى شبيحة القريتين بحكم ملاصقتها للفوعة. عانى أهلها من القتل والخطف والقصف ما جعلها تخسر العديد من أهلها.
يقول: "في بداية الثورة لجأ إلى مدينتنا (بنش) ثلاث عائلات من الفوعة وكفريا من الذين رفضوا مناصبة العداء لجيرانهم، وهم يعيشون اليوم بيننا وشاركونا المظاهرات والقمع التي تعرضنا له. وقد استشهد أحد شبانهم الذي كان يقاتل في صفوف جيش الفتح في معركة تحرير قرية الصواغية. وهذا دليل على أننا لم نعادي أهل الفوعة وكفريا على أساس طائفي، بل للأفعال التي ارتكبها من بقي في الفوعة وكفريا بحقنا من قتل واضطهاد دون وجه حق، وليس لهم أسباب تدفعهم إلى ذلك سوى ارتباطهم بإيران طائفياً ومشروعاً".
وعن علاقة أهالي بنش وباقي أهالي المنطقة بالقريتين قبل الثورة قال الحاج قدور: "كانت علاقة طبيعية في الظاهر. وكانت هناك سابقاً محاولات للتشييع ولاسيما لأطفال أحياء بنش القريبة من الفوعة والذين كانوا يضطرون للذهاب إلى مدارسها، لكن سرعان ما تنبهنا لهذا الأمر وأوقفناه في حينه".
وأكد الحاج قدور بأن الأمل بعودة التعايش معدوم بنسبة كبيرة جدا، إلا إذا كفّر أهالي الفوعة وكفريا عن أخطائهم. نحن لسنا طائفيين وليست لدينا أية مشكلة مع طوائف أخرى في التعايش، سوى المجرمين من الطائفة.