أخبار الآن | درعا – سوريا ( أسامة زين الدين)
لم يكن "محمد" المقاتل في صفوف الجيش الحرّ في درعا يدري أن مهمّة البحث عن زوجة صعبة إلى هذا الحد، فبعد أن طرق أبواب العديد من البيوت كان الرّفض المطلق، أو القبول المشروط بترك الجيش الحرّ هو السّبيل الوحيد أمامه ليصل إلى قلب من يحب! يقول "محمد" لأخبار الآن أن الأولويّات عند الأهالي تغيّرت، فأصبح الاستقرار والسّكن في منطقة بعيدة عن التّوتر هو الهمّ الأوّل لديهم في تقييم الشّباب وقبولهم. أمّا إذا كان المتقدّم من الجيش الحرّ فإن رفضه حتميّ إلّا ما ندر، كون الأهالي وبعض البنات يفضّلن العنوسة على ترمّل مبكّر يخلّف أسرة مشرّدة وأطفالا يتامى.
زواج بلا إثباتات!
رغم أنه تتوافر في بعض المناطق المحرّرة هيئات ثوريّة تقوم مقام النفوس عند النّظام، وتقوم بتوثيق حالات الزّواج وتصديقها من المرجعّيات الشّرعيّة أو القضائيّة كدار العدل، إلا أن هذه الإثباتات لا تزال غير معترف بها في الخارج، ويواجه حاملوها مشاكل جمّة في حال تمكّنوا من السّفر خارجا من قبيل النّفقة وتسجيل الأولاد وصحّة المساكنة والسّفر المشترك وغيرها من مستلزمات الزواج.
يقول المحامي والقاضي في دار العدل "أبو سامر" أن عقد الزواج صحيح شرعا، ولكنّ قيمته القانونية تتطلب اعترافا بالجهة المصدرة له من قبل الغير، وهو ما لا يتوافر في المناطق المحرّرة، ويصعب أمنيّا على الثّائرين التّصديق لدى مؤسّسات النّظام الذي يقوم بدوره بتعسير هذا الأمر وزيادة معاناتهم
هموم النّازحين والمهاجرين
يعاني المهجّرون داخليّا في سوريا من صعوبة التّأقلم أو إيجاد فتاة تقترب من البيئة التي أتوا منها. "أبو عبد الرحمن" عسكري منشق من ريف دمشق من بداية الثورة، لجأ إلى المناطق المحرّرة في درعا. يقول أنه شعر بالغربة عن هذا الجو الذي أتى إليه لوجود فارق جيّد في الثّقافة وفي البيئة، ويصعب على أهل الفتيات اللواتي تقدم لهن أن يسألوا عنه أو يعرفوا خلفيّته الاجتماعيّة، لذا رُفض خمس مرات ونجح في إقناع الأهل في المرّة السّادسة.
أما المهاجرون خارج سوريا فمشكلتهم أكبر كما يقول محمّد الذي خرج من درعا إلى تركيّا، ومنها إلى ألمانيا، يقول أن مشكلة الزّواج هنا أعقد بكثير من مشكلتها في سوريا، فرغم الاستقرار والأمن هنا إلا أنه يواجهون مشاكل من نوع أخر، تتعلّق بصعوبة إيجاد عمل مستقل، والسّكن المشترك للاجئين، والإجراءات الطّويلة لأخذ اللّجوء وإتقان اللّغة، والبدء بعمل لتأسيس حياة لائقة، إضافة إلى الضّغوط النّفسيّة التي يتعرّض لها نتيجة الصّدمة الحضاريّة والفروق الهائلة في بيئة المجتمع الألماني وطريقة تفكير بناته وشبابه ونظرتهم للزّواج. ويتمنّى لو أنّه تزّوج قبل أن يهاجر.
بؤس وفقر وعنوسة
أثّر الجرح السوري المستمرّ منذ خمس سنوات على الوضع الاجتماعيّ بشكل كبير، فجاءت سوريا في المرتبة الثّانية عربيّا بعد لبنان في ارتفاع نسبة العنوسة، فبعد أن كانت 50 بالمئة للإناث و 30 بالمئة للرّجال مطلع الألفيّة، وصلت في العام الرّابع للثّورة إلى 70 بالمائة للإناث، وسط غياب إحصائيّات واضحة تحدّد نسبتها بين الشّباب.
هجرة الشّباب الخارجيّة والنّزوح الدّاخلي، الضّغط الأمني، التحاق الشّباب بالكتائب والفصائل العسكريّة، جنون الأسعار المترافق لتضخّم العملة، وفقدان آلاف الشّباب لعملهم. كل هذا أدّى إلى تفاقم هذه الظّاهرة.
يقول الشّيخ "أبو محمد" في درعا البلد أنّ عقود الزّواج التي كان يقيمها تراجع عددها بشكل كبير جدّا بعد الثّورة، وأصبح الأمر يتم على عجل وبدون تكلّف، وفي حدود العائلة والأقارب من الدّرجة الأولى، توفيرا للتكاليف، ومراعاة لظروف الشباب، وحرصا على عدم التّجمع وخاصة في محافظة تشهد حصّة شبه يوميّة من القصف والبراميل
أثر الثورة على تقاليد الزواج
شهد المجتمع السوري في الثّورة عادات وثقافة جديدة فرضتها ظروف الثّورة، فسقوط الشّهداء اليومي نتيجة القصف أو المعارك عزز من ثقافة تيسير المهور، والتقلّيل من تكاليف حفلة الزّواج أو إلغائها. وازدادت حالات تعدّد الزّوجات وبخاصة لأرامل الشّهداء، وانتشر زواج الأقارب حيث يتزوّج الأخ زوجة أخيه الشّهيد ويتبنّى أطفاله.
كما شهدت تقاليد الزّواج عادات جديدة لم تعرف قبل الثّورة، فتكاليف حفلة الزّواج استبدلت بحفلات ترفيهيّة للأطفال في المدن المحاصرة، كما فعل ذلك النّاشط أحمد أبو الخير، حيث أقام عدّة نشاطات للأطفال في حمص وفي داريا. ومن جانب آخر تحوّلت حفلة زفاف أخت الشهيد "غياث مطر" من الناشط محمود الطويل إلى فعاليّة إغاثية تم فيها توزيع سلل للمحتاجين في تركيا، في تطور لافت يعطي عمقا تضامنيّا وتغييرا اجتماعيّا أحدثته الثّورة في نفوس ناشطيها.