أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا – (رواد حيدر)
أتذكر عندما انتفضت، لا زلت أتذكر تلك اللحظة عندما صدحت الحناجر بصوت واحد وبالشعار المُعترف عليه حينها "يا درعا حنا معاكي للموت".
في إحدى مدن القلمون الوادعة في ريف دمشق، يلتحق الشبان بركب الثورة السورية، مدينة أنجبت "جمعة سوسق" الرجل الذي واجه الفرنسيين ولا يزال قدوة لأبنائه وأحفاده الذين ساروا على دربه، ومن لايعرف أبو عمر صاحب المقولة المشهورة "ألف حبل مشنقة ولا يقولوا أبو عمر خاين ياخديجة"، إنها مدينة رنكوس.
الثورة ذاكرة الوطن
شهدت المدينة على مر خمسة أعوام من عمر الثورة مراحل عدة، تمثلت بالمظاهرات السلمية ثم الانتقال للعمل المسلح على نطاق ضيق فتَوسُعه، كما تدرجت السيطرة على المدينة وتبدلت من قوات النظام الى الجيش الحر حتى سيطرت عليها قوات النظام بشكل كامل في 13-4-2014.
"حمزة الرنكوسي" أحد أبرز الناشطين الإعلاميين في المدينة واكب ثورة رنكوس منذ يومها الأول وحتى انسحاب آخر مقاتلي الجيش الحر منها.
أسماء عديدة برزت في منطقة القلمون في ظل الثورة وخاصة العام الأول منها، إذ تزامن مع انشقاق عدد من الضباط ممن حاولوا توحيد العمل العسكري ونجحوا في توحيده ضمن كيان واحد استمر في العمل لفترة من الزمن قبل بدء ظهور الكتائب والألوية، ليدخل القلمون بعدها دوامة الفرقة والتناحر.
يعود "حمزة " بذاكرته إلى الشهر العاشر من العام 2011، حين بدأت الدعوات لقوات النظام للانشقاق، ومن ثم مقتل أحد عناصر الإشارة التابع للنظام بمحرسه على رأس قمة في منطقة تدعى الكواع قرب مشفى رنكوس.
يقول حمزة: "هنا كانت شرارة السلاح، فبعد مقتل هذا العنصر قامت مجموعة من الشبان من مختلف بلدات القلمون بالهجوم على إحدى الكتائب العسكرية للنظام على أطراف مدينة يبرود، فقتلوا عدداً من العناصر وسيطروا على كميات من الأسلحة والذخائر، ووقتها لم يكن هناك أيُّ تحرك مسلح في ريف دمشق".
بعد نجاح الهجوم أصبح لدى هؤلاء المقاتلين "حوالي 30 شاباً" بات الاستمرار بالعمل المسلح أمرا مقبولا، ومع هذا كانوا يحيّدون المدينة عن أي عمل عسكري.
"لم نكن نرى داخل رنكوس أو في المدن المجاورة أي مظهر مسلح، وبقي الأمر هكذا حتى 27-11-2011، يوم المواجهة الكبرى، حين دخلت مجموعة من المخابرت الجوية إلى المدينة بغية إلقاء القبض على العناصر الذي هاجموا الكتيبة، ودارت اشتباكات استمرت لساعات، ما أجبرهم على الانسحاب".
يروي حمزة أن ما تبع ذلك كان دخول المئات من عناصر النظام مدعّمين بآليات ومجنزرات إلى الحي الغربي (حارة الغرب) بغية إلقاء القبض على الشبان. لكن عشرات الشبان المسلحين من مختلف بلدان القلمون كانوا قد وصلوا إلى المدينة للمؤازرة حتى بلغ عددهم في نهاية المطاف قرابة المئة.
بدأت الموجهات، حيث عمد الشبان إلى إبقاء المعركة داخل الحي الغربي بغية الاستفادة من صغر المساحة لقلة عددهم. لكن قوات النظام أوعزت للكتائب القريبة من المدينة بقصف المنطقة وهو ما حدث، قُصف الحي بعشرات القذائف المدفعية وبقي الحال هكذا لخمس أيام حتى انسحاب قوات النظام.
خلّف النظام قبل انسحابه انتهاكات كبيرة بحق المدنيين، فقد تم اعتقال عشرات المدنيين وأعدم ميدانيا "25" شابا داخل منازلهم بتهمة التعامل مع الثوار مثل(منير الخطيب وابنه مراد) حيث عمد أحد عناصر النظام إلى قتلهما بوضع مسدس داخل فمهما وإطلاق النار أمام الأم، التي ماتت بعد فترة قصير قهرا.
في المقابل كانت خسائر النظام كبيرة، فحسب تسريبات من مشافي التل ودمشق، تجاوز عدد القتلى 700 قتيل.
عنف النظام وتشكيل الجيش الحر
بعد ذلك بدأت سياسة الانتقام من المدنيين، حيث بدأ التشديد على الحواجز التي انتشرت في محيط المدينة وعلى الأوتستراد الدولي الواصل إلى العاصمة دمشق. في هذه الأثناء برز اسم (فراس البيطار) أحد أوائل الضباط المنشقين الذي شكّل هو ومجموعة من الشبان المنشقين ومن انضم إليهم من شباب المنطقة أول كتيبة بالتنسيق مع حركة الضباط الأحرار وكان مقرهم مزارع المدينة.
"في ذلك الوقت قام الشبان بتجميع بعضهم وانضم إليهم الشهيد أبو بكر قائد تجمع الشهيد أحمد العبدو وماهر النعيمي وبدأوا بالتجهيز للعمليات، وفي بداية العام 2012 قاموا بعملية على كتيبة رأس العين في مزارع رنكوس حيث اغتنموا عربة بي إم بي، كانت أول عربة تُغتنم من قوات النظام إضافة لأعداد جيدة من الأسلحة والقنابل".
بعد هذه العملية أصبح العمل العسكري هو سيد الموقف في المنطقة، فانضم العديد إلى فراس ليصبح القائد الأول في المنطقة وليقوم كل فترة بعملية على إحدى الكتائب وسط محاولات النظام الهجوم على مزارع البلدة مكان تواجد فراس ومن معه إلا أن محاولاته دائما كانت تبوء بالفشل.
بداية النهاية
25-1-2012 كان يوم لا ينسى، برد ثلج يتساقط. تصل إلى المدينة جثتي شهيدان أُعدما على يد قوات النظام في ظروف غامضة، ولكن هذه المرة وصل معهم الجيش الحر والنقيب فراس مدعمين بآليات وسيارات مثبت عليها رشاشات، وتجمع العشرات في الساحة الرئيسية لدفن الشهداء ما أثار جنون النظام وقواته في المنطقة، فبدأ الحشد لإقتحام المدينة، آليات من جهة عسال الورد شمال شرق المدينة، ومجنزرات من جهة تلفيتا شمال غرب المدينة، وعناصر من جهة كتيبة الكيمياء في الجنوب، وإستنفار كبير في الفوجين 67 و65 من الشرق، كل هذا الحشد كان لإقتحام المدينة في 27/1/2012.
يقول حمزة: "أعداد مهولة تجمعت لإقتحام المدينة، تحاصرنا من جميع الجهات، الطرقات فخخت وزرعت العبوات الناسفة وانتظرنا ساعة الصفر، حيث كنت أتوقع مجزرة للدبابات، لكن تعبنا ذهب سدى فأحد العملاء أخبر النظام عن مكان العبوات ليأخذوا حذرهم، مما اضطر الثوار للانسحاب ودخول قوات النظام لترتكب أبشع الانتهاكات بحق الأهالي".
استمر هذا الحال ثلاثة أيام حتى انسحبت قوات النظام من رنكوس ووضعت بعض الحواجز على أطراف المدينة ويبقى اضطهاد الأهالي. وتزامن ذلك مع انسحابها من جرود القلمون بشكل عام لظروف مجهولة، ولتعود المدينة محررة من جديد ليقتصر العمل بعدها على عمليات كر وفر وضرب بعض النقاط العسكرية في السهل القريب من المدينة.
في 7/4/2014 بدأت معركة جديدة، هذه المرة في المزارع. فالمدينة خلت قبل مدة من العسكريين في إطار هدنة مع قوات النظام، رغم نقض الأخير لها. وكان أن دخل المدينة وبدأت معركة المزراع في محاولة منه للسيطرة عليها وبعد ستة أيام سيطر على أحد أهم التلال في المنطقة والتي كانت السبب الرئيسي لفرض سيطرته بعدها على كامل المزارع ليبقى الثوار في جرود البلدة، ورغم ظروفهم الصعبة حاولوا مراراً وتكراراً التسلل إلى المدينة ونجحوا في إحدى المرات ووصلوا إلى أطرافها لكن لم يستطيعوا الصمود فالأعداد قليلة والمدنيون محاصرون في المدينة ومن الممكن أن تُرتكب بحقهم المجازر.
لا يزال الوضع على ما هو عليه حتى يومنا هذا، المدينة ومزارعها تحت قبضة النظام والثوار منتشرون في الجرود وعلى الجبهات، وسط المحاولات المتكررة من قبل النظام للتقدم والسيطرة على المنطقة بكاملها لكن دون جدوى، فتلك الأرض تبصق كل معتد محتل والثوار هم أهلها ويعرفون كيف يتعاملون معها فأهل مكة أدرى بشعابها.