لم يبالي بالطائرات التي ما زالت في سماء المدينة، حمل ابنه بين يديه وذهب به إلى قسم التجهيز والتكفين، كان بقاء الطفل حياً بعد انتشاله من تحت الأنقاض أمراً أشبه بالمعجزة.
عندما بدأ عناصر الدفاع المدني بتكفين جثة الطفل ارتعش جسده، رعشةً أنذرتهم بأنه ما زال حياً، سارعوا به إلى أحد النقاط الطبية حيث تم إنعاشه ليعود إلى الحياة مجدداً.
لعلها واحدة من مئات القصص التي تتكرر في المناطق الثائرة، منها ما يثير الغبطة والسعادة ومنها ما يعبر عن حجم المأسة التي تعيشها المناطق الثائرة، يرويها لنا أحد عناصر الدفاع المدني في مدينة دوما أكرم أبو علي، مشيراً أنه منذ 15 يوم والنظام يصب جام حقده على المدينة، وإلى الآن ما زال انتشال الجثث من تحت الأنقاض مستمراً مع تناقص الأمل في بقاء أيٍ منهم على قيد الحياة.
180 شهيد تم توثيقهم، كحصيلةٍ أولية للحملة الشرسة التي يشنها النظام على مدينة دوما مستخدماً الطائرات والقصف براجمات الصواريخ والهاون الثقيل، في حين تم إسعاف أكثر من 450 إصابة من أماكن مختلفة في جميع أنحاء مدينة دوما.
وبقاء الجثث كل تلك الأيام تحت الأنقاض، مرده إلى ضعف الإمكانيات والمعدات التي يمتلكها الدفاع المدني ما يجعله عاجزاً عن مجاراة الزمن الذي يعني الحياة أو الموت بالنسبة لكثيرين.
قبل بضعة أيامٍ فقط، قام فريق الدفاع المدني بانتشال عائلة كاملة من تحت الأنقاض، ثلاث نساء وشاب و رجل مسن و طفلة صغيرة، حيث دمرت طائرات النظام مبنىً سكنياً كاملاً مؤلفاً من ثلاث طوابق على رؤوس ساكنيه، و بقيت عائلة "غبورة" محتجزة تحت الأنقاض حتى ساعة متأخرة من الليل، و عندما عثر عليهم كانوا قد توفوا جميعاً، عملية الانتشال تمت عبر أدواتٍ بدائية بسيطة وعلى أضواء الموبايلات، حسب ما يخبرنا أبو علي.
وتتضاعف الأعباء على عناصر الدفاع المدني الذين لا يتجاوز عدد عناصره عن 76 عنصر مقسمين على خمسة كوادر تعمل على مدار اليوم، ويؤكد أبو علي أنهم يعملون تحت كل الظروف، يخرجون لإسعاف الجرحى وانتشال الجثث، لكن في حال حدوث كارثة مثل الكارثة المسبقة هي سقوط مبنى كامل على ساكنيه نقوم بالعمل ضمن الإمكانيات الموجودة، ونعمل بالتنسيق مع أحد الأشخاص الذي يملك المعدات الكبيرة، مثل التركس و الونش لرفع الأسقف المنهارة لعدم توفرها لدى الدفاع المدني، الذي خشر من عناصره تسعة شهداء خلال قيامهم بأعمال الإسعاف والإطفاء والإخلاء.
تتعاظم الحاجة إلى الدفاع المدني الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الأهالي الذين ما يلبثوا وأن يصبحوا متطوعين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن حتى اللحظة دعمه يبقى فردياً حيث لم يتم دعم الكادر من أي جهة معنية ولا أي جهة خارجية حسب ما يقول أبو علي.