بدأت تلوّح بوادر كارثة صحية في أفق المناطق المحاصرة مع استمرار الحصار المفروض على عدد من المناطق السورية واشتداد العمليات العسكرية وما ينتج عنها من دمار في البنية التحتية وحرائق وتسرب لمياة الصرف الصحي وبعض المواد الكيماوية المحفوظة في المعامل بالاضافة الى الوضع الغذائي المتردي جداً والمتمثل في شح الطعام والشراب وانخفاض السوية المناعية نتيجة ضعف الحصول على حاجة الجسم من البروتين والفيتامين والنشويات وهو مايؤدي لاعتلال في الصحة واحتمالية عالية للمرض وسهولة انتقال الأمراض المعدية.
مثل هذه الامراض آخذت بالظهور منذ مطلع ال2013 حيث سجلت عدة حالات من الحمى التيفية ومرض اليرقان ومن ثم ظهرت عدة أمراض نتيجة تدهور الوضع الصحي والغذائي وسجلت ولادات مشوهة في عدد من المحافظات .. لكن الأمر الآن استفحل كثيراً وازداد سوءاً عن العام السابق حيث تشير الأرقام الحكومية وأرقام الأمم المتحدة وأرقام بعض الجهات الطبية في مناطق المعارضة إلى تردي الحالة الصحية وبشكل كبير جداً، فيما حذر عدد من مسؤولي المكاتب الطبية من حدوث كارثة صحية كبيرة مالم يتم تدارك الأمر.
مايزيد الأمر سوءاً أنَّ معظم شبكات المياه في سوريا قديمة ومصنوعة من مادة الأسبستوس، وهي غير مقبولة عالمياً، ومخالفة للمواصفات القياسية وتعتبر ضارّة بمياه الشرب وقد تؤدي في بعض الأحيان للإصابة بالسرطان كما حذر نظام الإنذار المبكّر في منظمة الصحة العالمية الذي يغطي 14 محافظةً سورية من تفشِّي الأمراض. وكشف عن زيادة كبيرة في حالات الإسهال المائي الحاد التي ارتفعت بنسبة 172% من 243 حالة في الأسبوع الأول من كانون الثاني 2013 إلى 660 حالة في الأسبوع الثاني من أيار 2013، والتهاب الكبد الفيروسي الذي ارتفع بنسبة 219% من 48 حالة إلى 153 حالة لذات الفترة الزمنية.
وأوضح أطباء مختصون بطب الأسرة أنَّ الإسهالات، الكوليرا، الدسنتاريا، التيفؤيد والتهاب الكبد الوبائي مرشحة بقوة للانتشار نتيجة شرب المياه الملوثة .. فيما يبدو أنَّ الأمور مرشحة للتدهور، فمن المتوقّع وفق الإحصاءات الرسمية أن يصل عدد المصابين بحالات إسهال حاد بنهاية العام 2014 إلى 133 ألف حالة بمعدل 32 ألف حالة كل ثلاثة أشهر، و2600 حالة التهاب كبد فيروسي بمعدل وسطي 670 حالةً كل 3 أشهر، بحسب المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية هذا في المناطق التي تغطيها المنظمة فكيف الحال بالنسبة للمناطق الواقعة تحت الحصار وتتعرض لغزو عدة أمراض كالسل .. إذ سُجِّلَ في الغوطة الشرقية وحدَها أكثر من مئة إصابة بداء السل الخطير والمعدي..
ولدى الحديث الى أحد اطباء المكتب الموحد أشار إلى أن الوضع بلغ حد الخطورة بالفعل، فالمئة حالة هذه هي التي استطعنا اكتشافها إلى الآن لكن من الممكن أن يكون هناك ألف حالة غير مكتشفة وهو أمر طارئ ويجب التعامل معه فوراً ..لكن للاسف ليست لدينا أية إمكانيات سوى متابعة حالة المريض واعطاءه بعض المضادات الحيوبة والمسكنات ومن المعروف أنَّ نسبة الوفاة بالسل مرتفعة جداً وتتجاوز 50% وعلاجة نوعي ولا يتوفر بالصيدليات إنما يوزع عن طريق المستوصفات الحكومية والمشكلة الكبرى في انعدام وسائل تشخيص هذا المرض كالأطباء المختصين وأجهزة التصوير الشعاعي والمواد الاولية التي تحتاجها هذة العملية من كاسيتات صور شعاعية ومواد التحميض وهو ما نفتفده من سنة تقريبا بسبب الحصار.
وتحدث عدد من أهالي حي برزة عن أن غياب الطبيب الوحيد المتواجد في المنطقة ولو لساعة واحدة يؤدي إلى مشاكل كبيرة جداً ولكن في بعض الأحيان لابدَّ من غيابة لأسباب قاهرة فمنذ عدة أيام اصيب رجل سبعيني بذبحة قلبية كادت أن تودي بحياتة بسبب غياب الأطباء والعناية الطبية، لكن تطوع عدد من الشباب لإسعافة ووصلُ أجهزة التنفس الصناعي وضبطُ نبضاتِ القلب أنقذت حياتَه، وفي نفس الوقت تعرض رجل آخر من القابون لنفس الحالة تقريبا علماً أن القابون معتمدة كليا على هذا الطبيب في مثل هذه الحالات وهو الأمر الذي ادى الى ارتباك كبير في اامركز الطبي ومعالجة الحالة بالموجود وعلى ايدي متطوعين.
أثارت هاتان الحادثتان جدلاً واسعاً بين أهالي الحيين حول العناية الطبية ومسؤولية المكاتب الطبية عن تأمين الأطباء والدواء ..إلّا أن مسؤولي المكاتب الطبية أوضحو أنَّ مثل هذه الحالات قد تأتي يومياً وعلاجها نوعي وقد عرضت على لجان المصالحة التي قدمت لها الوعود من قبل النظام بافتتاح قسم في أحد المشافي لمتابعة أمور الجرحى والمرضى لكن دون جدوى، وقد تتكرر الحالة ولو تواجد الطبيب لكن لن يستطيع القيام بأكثر مما قام به الشباب المتطوعين وللعلم فإن الطبيب المتواجد حاليا غطى كل إصاباب وحالات المنطقة المرضية دون كلل أو ملل وما يتقاضاه من عمله هذا شهرياً يستطيع الحصول علية خلال ساعة او اثنتين في القطاع الخاص أو لو سافر وترك البلاد كما يفعل كل الاطباء!