أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (BBC future)

هل يمضي الوقت بإيقاع زمني مختلف خلال الأحلام التي تراودنا أثناء النوم؟ كيف يمكن لأحداث محدودة أن تأخذ مثل هذا الوقت الطويل لكي تتجسد في ذهني؟ وهل ذلك يشكل انطباعا شائعا لدى الكثيرين؟.

الآن، ربما يكون العلماء قد توصلوا على نحو مفاجئ إلى  الإجابة على مثل هذه الأسئلة، وذلك من خلال دراسة حالات الأشخاص الذين يستطيعون السيطرة على وعيهم ومعرفة ما يدور في عقولهم خلال النوم، أو من يُطلق عليهم اسم "الحالمين الواعين".

ومن شأن دراسة تجربة هؤلاء الأشخاص أن تؤدي إلى الكشف عن حقائق عجيبة، وعلى مدى أكثر من 100 عام، وفرت تجربة المرور بـ"حلم واعٍ" رؤى ومعلومات عميقة بشأن النشاط العقلي الذي يحدث خلال النوم.

ومن بين أوائل من اهتموا بإجراء أبحاث حول عالم الأحلام؛ الارستقراطي الفرنسي الذي عاش في القرن التاسع عشر الماركيز دو هارفي دو سان-دوني، الذي أدرك وهو في الثالثة عشر من العمر، أن بمقدوره التحكم في المسار الذي تتخذه أحلامه، ليكرس العقود التالية لاختبار حدود وقدرات "عقله الغافي"، عبر "أحلامه الواعية".

رحلات غريبة

وقد تضمنت شطحات هذا الرجل أمورا، من بينها أنه سعى لكي يحلم بأنه يلقي بنفسه من فوق أسطح بنايات عالية، للتعرف على ما إذا كان بوسعه أن يحلم بموته أم لا. وفي كل مرة، كان الفشل من نصيبه، وكان الحلم يغير مشاهده لتفادي مثل هذه النهاية المأساوية.

وبفضل ملاحظته للطريقة التي تكتظ بها رؤاه غالبا بالأماكن والأشخاص الذين يراهم خلال أسفاره، خلص الماركيز الفرنسي إلى أن الأحلام تتشكل من مزيج من ذكرياتنا، مُقدما بذلك تفسيرا أكثر عقلانية للأحلام، من تلك النظريات ذات الطابع الروحاني التي كانت سائدة في ذاك الزمن البعيد.

المشي أثناء النوم

على الرغم من ذلك، ظلت دراسة الوتيرة التي يمضي بها الوقت خلال الأحلام أمرا أكثر صعوبة وتعقيدا، حتى أجرى دانييل إرلاتشر، الباحث في جامعة برن السويسرية، تجربة مبتكرة في هذا الصدد.

وبدأ الأمر عندما كان إرلاتشر يجري أبحاثا حول الطريقة التي يتخيل بها المخ الأفعال المختلفة. فعلى سبيل المثال، عندما يحلم المرء بأنه يعدو؛ فهل ينشط ذلك نفس المناطق من المخ، التي تكون ناشطة خلال المشاركة في سباق؟

نتائج التجارب الأولى التي أُجريت رجحت صحة هذه الفرضية، ولكن بدا أن ذلك النشاط العقلي يستمر لمدة أطول مما هو معتاد، على نحو مثير للدهشة. في هذا الإطار، طلب إرلاتشر من بعض "الحالمين الواعين" البارعين القدوم إلى مختبر "النوم" الخاص به، والمزود بكل التجهيزات اللازمة لإجراء تجاربه في هذا المضمار.

عندئذ، طلب من المشاركين في التجارب القيام بأنواع مختلفة من المهام خلال أحلامهم، فبمجرد أن يراودهم أحد هذه "الأحلام الواعية" كان يُطلب منهم أشياء من قبيل المشي عشر خطوات، أو العد حتى رقم 30، أو القيام بأحد التدريبات الرياضية المعقدة المعتادة.

ومن أجل حساب الوقت الذي يمضيه هؤلاء في القيام بمثل هذه الأنشطة، استخدم الباحث أحد الجوانب الفريدة لـ"العقل الحالم"، وهي أنه بالرغم من أن الجسم يكون مشلول الحركة خلال الحلم، فإنه يميل إلى ترجمة حركات عينيّ صاحبه.

وفي هذا الإطار، بوسع المشارك في التجربة الإشارة إلى بدء ما يقوم به من نشاط وإنهائه، عبر إدارة عينيه المغمضتين يمنة ويسرة عدة مرات.

وخلال التجارب، عكف إرلاتشر على رصد نشاط المخ ودراسة أي حركة للعضلات، للتأكد من أن المشاركين في التجربة لا يتظاهرون بأنهم يخلدون للنوم.

وكما توقع الباحث مسبقا، استغرق القيام بالمهام الروتينية من "الحالمين الواعين" – في بعض الأحيان – وقتا يزيد بنحو خمسين في المئة، عن نظيره الذي يؤدون خلاله نفس المهام في حياتهم الواقعية، وهو ما أوحي بأنهم كانوا يقومون بهذه المهام بالحركة البطيئة، على نحو أو آخر، حتى وإن لم يدركوا ذلك على الفور.

إذ يقول إرلاتشر إن المشاركين في التجربة "ذكروا أنهم شعروا بأن الأمر كان مماثلا تماما لما يكون عليه خلال اليقظة". وربما يفسر ذلك السبب في أن المرور بحلم قصير قد يستغرق ساعة كاملة من الوقت الفعلي.

ويصف إرلاتشر النتائج التي تمخضت عنها التجارب حتى الآن بأنها "تبدو شديدة الفعالية. إنها أسوأ قليلا من الممارسة الفعلية" للمهارات المختلفة، ولكنه يرى أنها أفضل من قيام المرء بمراجعة مثل هذه المهارات والتقنيات في ذهنه وهو مستيقظ.

دراسات النوم: هل نرى أحلامنا بالتصوير البطيء؟

ويعتبر الباحث أن الاختلاف الذي يطرأ على المدى الزمني الذي تأخذه التدريبات خلال الأحلام، لا ينبغي أن يمثل مشكلة، بالنظر إلى أن ذلك لا يؤثر بوجه عام على تسلسل الحركات التي تتألف منها هذه التدريبات، حتى وإن كانت تأخذ وقتا أطول في أدائها.

في النهاية، لا يمكن إنكار أن استخدام المرء لفترات نومه من أجل تحسين قدراته لن يكون جذابا أو مغريا سوى بالنسبة للأشخاص الأكثر طموحا، أو لأولئك الأكثر تشددا فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية والدينية.

لكن على أقل تقدير، فإن تعلم كيفية خوض غمار تجربة "الأحلام الواعية"، قد يوفر لي أنا شخصيا ذريعة جديدة، لتجنب مغادرة فراشي في الصباح.