أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – بواسطة "محمد كمال" بالتعاون مع أراجيك
زِحام، قمامة، أصـوات نفير السيارات المُنهكة، وجوه عابسة، وأخرى ضاحكة، شـوارع مٌنهكة تحمل بداخلها طيات الزمن العريق، موظفون، عمّال، باعة جائلون بوجوه بسيطة مليئة بالأمل، جُدران أصيلة محفور بها تاريخ شعب، وكذلك آراؤه..
إنها الأشياء المُصاحبة للخطوة الأولى في شوارع القاهرة؛ بنت المعز لدين الله الفاطمي، التي يقسو عليها الزمن كثيراً ومازالت صامدة، قوية، تزأر بوجه أعدائها.
شهدت العاصمة في السنوات القليلة الماضية اضطرابات هائلة أدت إلى تغيير جذري بمعالمها الثقافية والفكرية، وصف البعض هذا التغيير بأنه الأفضل، ووصفه البعض الآخر بأنه الأسوأ، فهي مسقط رأس ثورتين متتاليتين، وسقوط نظامين.
أدت هذه الإضطرابات إلى تدهور مُخيف في أحوال البلاد وإنعكس بدوره على أحوال سُكانها.. معيشة مُزرية، بطالة، غلاء غير مُحتمل، تعليم مُتدني، إعلام مُضلل. ومازال أهلها صامدين، يسعون وراء رزقهم، يدعون الله بإخراجهم من هذه الأزمة سالمين.
للوهلة الأولى قد تشعر بمدى التعاسة والحالة المُزرية التي يعيش بها أهل القاهرة، ولكن يبقى سر الصمـود دائما هو الرضا بالحال..
زائر، غريب، أو حتى مقيم، بمجرد أن تطأ قدميك شوارع القاهرة تذكر جيداً هذه الأشياء الخمسة.. ولا تفعلها!
القاعدة تختلف هنا.. إسأل تضلّ
تسير القاعدة دائما على النحو التالي.. إسأل توصل، ولكن في القاهرة تختلف القاعدة كثيراً .. إن كنت لا تعرف وجهتك فلا تسأل، في الغالب سيذهب بك شخص ما إلى مكان آخر، وقد يذهب بك آخر إلى مكان غريب بعيداً عن مقصدك ومنه إلى مكان أغرب، إلى أن تقع بالنهاية في دوامة من الضلال داخل شـوارع القاهرة، وينتهي بك الحال جالساً على أحد الأرصفة المُهشمة تسأل الله أن يخرجك من هذه المدينة سالماً.
"الفَتيّ".. كلمة مصرية دارجة تعني التحدث بما لا يفقه الشخص، وهي مأخوذة من الفتـوة، يتخذ الكثيرون هذه الكلمة كأسلوب للحياة، لا يستطيعون التعايش بدون الفَتيّ وكأن قول "لا أعلم" من المحرمات التي لن يُغفر ذنبها أبدا.
الهرم منين
ماذا أفعل إذن؟.. لحسن الحظ شوارع القاهرة بالكامل مدعومة بخرائط جوجل، ولا تقلق هذه المرة فهي دقيقة تماماً.. إن كنت تملك هاتفاً ذكياً قم بكتابة وجهتك على التطبيق وسترشدك الخرائط بالاتجاهات إلى المكان المقصود، حينها يُمكنك السؤال عن كيفية الذهاب إلى هناك – إن لم تمتلك سيارة – وفي الغالب ستجد "الميكروباص" المنشود.
لكن تذكر ..
لا تركب "تاكسي".. بتاتاً!
دائماً مايكون التاكسي هو الوسيلة الأسهل والأضمن للوصول إلى أي مكان تريد؛ لكن في القاهرة، التاكسي هو الوسيلة الأغلى والأبعد للوصول إلى وجهتك، حيث يتعمد العديد من سائقي التاكسي – إلا من رحم ربي – التجول حول شوارع المدينة وإتخاذ طرقا بعيدة عن وجهتك لكسب المزيد من المال على حساب وقتك، لذا إن كنت ذاهباً إلى مكان بعيد فلا تفكر في ركوب التاكسي.
في البلاد الأخرى غالبا أنت من تختار التاكسي، في القاهرة انقلبت القاعدة رأساً على عقب، التاكسي هو من يختارك، ربما لن يتوقف لك السائق إن لم يُعجبه مظهرك، وربما يتوقف لك إن رآك متأنقاً في دلالة على إمتلاكك للنقود المطلوبة..
الحل.. البديل الأفضل والأسرع للتنقل داخل القاهرة هو المترو، حاول بقدر الإمكان أن تكون قريباً من محطات المترو، أكثر من 70% من وجهاتك داخل القاهرة ستتمكن من الذهاب إليها عن طريق المترو، وإن كنت تتجه نحو الـ 30% الأخرى فالبديل الآخر هو أتوبيسات النقل العام أو “الميكروباصات”.
وعند الصعود إلى متن المترو أو الاتوبيس..
لا تتذمر..
تحمل وسائل المواصلات العامة جميع طوائف الشعب المصري.. موظف الشهر العقاري، طالب الجامعة، فتيات المدرسة، الأم المصرية الأصيلة، الأطفال، البُسطاء، وحتى الأغنياء، سترى بهذه الوجوه كم العناء الذي يشعرون به..
آخر مايُريدونه منك هو التذمر تجاه الوضع، فقط قف كما يقفون، اجلس كما يجلسون، اعتذر منهم، ابتسم لهم، أشعرهم بالخير والأمان، ساعدهم في النزول والصعود، في حمل حقائبهم الثقيلة، اترك مقعدك لعجوز مُنهك، لفتاة تتخبط بها الأكتاف، لأم كاد عناء الحمل أن يُسقطها أرضاً.
فقط كن ضيفاً خفيفاً، شاركهم بؤسهم وضحكتهم، كن سبباً لضحكة أحدهم، ولكن إياك و..
التحدث في السياسة
قبل الخامس والعشرين من يناير 2011 كان الحديث في السياسة في الشارع المصري من المُحرمات، قتل النظام البائد الوعي السياسى لدى المصريين لأكثر من ثلاثين عام، تصدّر المشهد مجموعة من الكاذبين، المصطنعين، والمسيطرين على عقول وأحلام الجميع.
بعد الثورة انقلب الحال مئة وثمانين درجة، لم يعد هناك رجل، إمرأة، شاب، فتاة، وحتى طفل لا يتحدث بالسياسة، أصبح الجميع فُقهاء بين ليلة وضحاها يمارسون الحرية السياسية بدون عوائق، او محظورات.
على مدار ثلاث سنوات أصبحت حياة المصريين سياسية بالكامل، يمارسون الحياة السياسية بدون أي وعي أو خبرة مُسبقة مما أدى إلى اختلاف شديد بالآراء نتج عنه إنقسام حاد بين الشعب في الآراء السياسية أدى بدوره إلى التعصب الشديد وعدم تقبل الرأي الآخر..
بعد ثورتين متتاليتين وسقوط نظامين وصعود آخر وسط انقسام في الآراء بين مؤيد ومعارض، وبعد أن عانى الجميع من نتائج هذا الإنقسام، أنهك الحديث بالسياسة جميع طوائف الشعب، أصبح المشهد السياسي هو آخر مايريد أي شخص التحدث عنه أو مناقشته.
كن على يقين أن الحديث بالسياسة مع أي شخص كان سيؤدي بالنهاية إلى إما الرثاء على حال البلد وشعبها، وإما الفخر بما وصل إليه حالها، وفي الحالتين لن تُحدث فرقاً بل سيسوء الوضع إن كنت معارضاً لرأي آخر وهنا ستدخل في دوامة لن تخرج منها سالماً.
لذا إن جاءتك الفرصة للحديث مع أي شخص في شوارع القاهرة أو داخل المواصلات العامة إبتعد تماماً عن الحديث بالسياسة.
لا تَمِّن على أحدهم
قبل أن تخطو خطوة واحدة في القاهرة، كُن على يقين تام أن كل خطوة ستصحبها أحد المُتسولين، الباعة الجائلين، المُحتاجين الذين يتخذون الأرصفة مأوى لهم.. هؤلاء لا ينتظرون منك عطفاً أو نظرة مليئة بالأسى والشفقة تجاه حالهم، فقط إبتسم لهم، أشعرهم بإنسانيتهم، مُد لهم يد العون، وإن لم تستطع إمضي بدون حتى النظر إليهم.
في النهاية.. القاهرة ليست بهذا السوء، أُناسها طيبون، يسيرون بالفطرة والعادات التي تُشكّل هويتهم، وجوههم بسيطة تتحدث بما يشعرون، بما يخفون، وبما يعانون، ليسوا مصطنعين، ولا كاذبين لكنهم.. محبوبين.