دبي، الامارات العربية المتحدة، 20 مارس 2014، ميدل ايست اونلاين –
تشكّل "الحنة" واحدة من أهم أشكال التراث الإماراتي في منطقة الخليج العربي، لطالما تزيّنت بها النساء واحتمى بها الرجال حرارة الطقس. وحافظت على استمرارية شعبيتها حتى الوقت الراهن، حتى أصبحت شكلاً فنياً، يشير بكل أدواته إلى رغبة شديدة بالمحافظة على مظاهر الحضارة القديمة، وجعلها من المحاور الرئيسية للحياة المعاصرة.
من المعروف أن "الحنة" تستخلص من شجرة "الحناء" المنتشرة زراعتها في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، وأن لها قدسيتها لدى المسلمين، الذين وإلى جانب أغراض الزينة وأعمال الصباغة، يحاولون التطيب والتداوي بها، حيث ورد ذكرها في الأحاديث النبوية الشريفة كمادة تفيد بالعلاج من أمراض في الرأس والمعدة.
وفي الإمارات، تحظى "الحنة" بدعمٍ كبير من مؤسسات الحكومة الإماراتية التي تعنى بالتراث والسياحة والثقافة، لذا يمكن أن تجد ركناً خاصاً بها، تجلس فيه سيدات إماراتيات يحترفن استخدامها، في كل مهرجانات الدولة ذات الصبغة التراثية مثل، مهرجان قصر الحصن بأبوظبي، مهرجان الظفرة لمزاينة الإبل وغيرها الكثير. إلى جانب محاولة ترسيخها كحرفة يدوية تستقطب الفتيات من خلال ورشات عمل قصيرة ممن لديهن قدرة أو معرفة كافية بالرسم، الشيء الذي يؤكّد عليه الاتحاد النسائي العام في الإمارات، ضمن محاولته لإشراك المرأة في عملية المحافظة على الموروث التراثي الخاص بالدولة.
في ذات الخصوص، فإن كل صالونات التجميل في الإمارات، تضم بين طاقمها، خبيرات برسم "الحنة" للسيدات، سواء من المواطنات الإماراتيات أم من العربيات والأجنبيات.
من خلال عملية إلقاء الضوء على "الحنة" في المجتمع الإماراتي، ضمن فعاليات ونشاطات رسمية على المستوى المحلي والعربي والدولي، جذبت هذه الزينة بنقوشها الإبداعية، الراغبات من جنسيات مختلفة بالتزيّن بها، وأحياناً تعلّم بعض فنونها، ما جعل مشهد السيدات الأجنبيات الجالسات بانتظار أن ترسم الإماراتيات لهن على الأيدي والأرجل، مشهداً مكرراً تراه دائماً، حتى في وسائل الإعلام.
وقد أشارت صافية القبيسي، الخبيرة في التراث الإماراتي، إلى أن "الحنة" تكتسب أهميتها التراثية في الإمارات، من كونها حالة اجتماعية عامة عمرها أكثر من 40 عاماً، أي قبل تأسيس الدولة الحديثة. ولطالما استخدمت في القديم، لتكون زينة للمرأة في المناسبات والأعياد، توضع على الشعر وعلى اليدين والقدمين. كذلك كانت الزينة بالحناء وسيلة لاستقبال المرأة لزوجها المسافر بغرض الصيد، تتزيّن بها حين موعد مجيئه.
وركّزت القبيسي على استخدام الرجال لـ "الحنة"، لحمايتهم من حر الصحراء، حيث تشكّل المواد الطبيعية المكونة منها والمعجونة مع الماء، واقياً طبيعياً وفعالاً من أشعة الشمس الحارقة، لذا كانوا يضعونها في باطن القدم وفي باطن اليد. باختصار كانت هذه المادة وسيلة دفاع للتكيّف مع ظروف الطقس في فصل الصيف.
وأوضحت القبيسي أن الإماراتيين قديماً، كانوا يعلمون ما للحنة من فوائد كثيرة على الجسم والشعر، من علاج للصداع وأحياناً للفم وآلام البطن.
لم تكن "الحنة" تتبع لترتيب الطبقات الاجتماعية المكوّنة للمجتمع الإماراتي، فقد كانت موجودة في كل منزل، يستخدمها الرجال والنساء، الكبار والصغار، وباعتبارها نبتة رخيصة السعر كان الحصول عليها أمر ضروري وأساسي، الشيء الذي جعلها خيار الزينة الاول للأغنياء والفقراء.
وروَت القبيسي كيف كان مسحوق "الحنة" يجبل مع بعض الماء ويوضع في قمع بعد أن يخلط بشكلٍ جيد، وأما الرسمات فلها أشكال وتسميات واستخدامات مختلفة، منها: القصَّة، المقص، الكاجوة، الطرق، والغمسة التي تعني غمس القدم أو اليد بالحنة، ووظيفتها كانت كسر حرارة الطقس بالقليل من البرودة، مع الإشارة إلى أن الفتيات المتخصصات بالرسم بالحنة، كنّ معروفات بأنهن فنانات يستطعن ابتكار لوحات متقنة وفريدة في كل مرة حسب رغبة الشخص.
يبدو التجديد الذي دخل على "الحنة" بالنسبة لكثيرين، تطوراً ملحوظاً أدى إلى جعل عملية الرسم سهلة وبسيطة. إلا أن الخبراء في هذا المجال، يشدّدون على جودة "الحنة" القديمة التي لم تدخلها المواد الصناعية أكثر من هذه الموجودة اليوم في الأسواق وبأسعار رخيصة جداً.