موجات الحر قاتلة.. سيناريو قاتم يرسمه الخبراء لمستقبل كوكب الأرض
- نتائج وخيمة قد تصيب مئات ملايين البشر في حال استمر الاحترار على حاله من دون رادع
- مئات الملايين من سكان المدن في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا قد يعانون من موجات الحر الفتاكة
- في البلدان النامية لا يتماشى مستوى التنمية الاقتصادية مع كلفة تبريد الأجواء
- على الدول أن تحترم التزاماتها في اتفاق باريس وحصر ارتفاع الحرارة بدرجة ونصف الدرجة
لا يمكن لأي أحدٍ أن يتجاهل آثار تغير المناخ على البشرية وكوكب الأرض، خصوصاً أن تبعات ذلك ستكون كارثية جداً.
وكانت الأمم المتحدة حذرت مؤخراً في مسودة تقرير جديد لها من نتائج وخيمة قد تصيب مئات ملايين البشر في حال استمر الاحترار على حاله من دون رادع.
ووسط ذلك، تطلق توقعات جديدة تحذيرات من موجات حر قاتلة في المدى القريب، وذلك تقرير يقع في 4 آلاف صفحة وضعته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وترسم مسودة التقرير صورة قاتمة وقاتلة أحياناً للاحترار المناخي على الأرض. ففي حال ارتفعت الحرارة 1,5 درجة مئوية أي اكثر بـ0.4 درجة مما هي عليه الآن، سيتعرض 14 % من سكان العالم لموجات حر قصوى مرة واحدة على الأقل كل 5 سنوات. وفي حال ارتفعت الحرارة نصف درجة إضافية، يضاف إلى هؤلاء الأشخاص 1.7 مليار شخص.
وستكون المدن الناشئة الكبيرة في الدول النامية من كراتشي إلى كينشاسا مرورا بمانيلا ومومباي ولاغوس وماناوس أكثر المناطق عرضة للاضرار.
ومع هذا، فإنّ الحرارة المرتفعة ليست المعيار الوحيد، إذ أن الحَر يصبح أكثر فتكاً عندما يترافق مع رطوبة عالية. وبكلام آخر، فإن الصمود يعتبرُ سهلاً في ظل حرارة مرتفعة إذ كانت الأجواء جافة، لكنه يصبح صعباً إذا كان الجو رطباً جداً حتى لو كانت الحَرارة أدنى.
وبحسب “فرانس برس”، فإنّ هذا المزيح الأشبه بحمام بخار له مقياسه الخاص لتحديد درجة الحرارة الذي يعرف بمقياس الحرارة الرطب البصلة.
ويتوافق العلماء على أن الانسان البالغ السليم غير قادر على التكيف في حال تجاوزت حرارة البصلة الرطبة 35 درجة مئوية (تي دبليو)، حتى إن كان جالسا في الظل ومع امدادات مياه شرب غير محدودة.
ويقول كولن رايمند الباحث الرئيسي في دراسة حديثة حول موجات الحَر في الخليج: “عندما تكون درجات حرارة البصلة الرطبة مرتفعة للغاية، هذا يعني أن ثمة الكثير من الرطوبة في الهواء بحيث يصبح التعرق غير فعال للتخلص من حرارة الجسم الزائدة”.
وأضاف: “في مرحلة ما ربما بعد 6 ساعات أو أكثر، سيؤدي هذا إلى فشل أعضاء الجسم والموت في حال عدم وجود تبريد اصطناعي”.
أزمات قلبية وغيرها
وسبق أن ظهر التأثير الفتاك لموجات حر رطبة مع درجات حرارة أقل لا سيما في صفوف المسنين والذين يعانون من أمراض.
ففي حزيران/يونيو 2015، أسفرت موجتا حر سجلتا 30 درجة مئوية بصلة رطبة في الهند وباكستان عن وفاة أكثر من 4 آلاف شخص.
وفي العام 2003 كانت درجة حرارة البصلة الرطبة في موجة الحر التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في أوروبا الغربية، أقل من 30.
وكانت موجات قيظ في نصف الكرة الأرضية الشمالي في 2019 ، ثاني أكثر الاعوام حراً في العالم، تسببت بعدد كبير من الوفيات. إلا أن البيانات حول درجات البصلة الرطبة لا تزال غير كافية.
وأفادت أبحاث صادرة عن “إنستيتوت فور هيلث متريكس أند إيفالويشن” أن أكثر من 300 ألف شخص بقليل توفوا جراء الحَر في العالم لأسباب متنوعة في 2019.
ويمكن أن يعزى 37 % من الوفيات المرتبطة بموجات الحر أي أكثر من 100 ألف بقليل، إلى الاحترار المناخي بحسب أنطونيو غاسباريني من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.
وثمة تفاوت كبير في هذه الحصيلة، ففي أكثر من 10 دول بينها البرازيل والبيرو وكولومبيا والفيليبين والكويت وغواتيمالا، نسبة الوفيات الناجمة عن الحَرارة المرتفعة تسبب بها التغير المناخي كانت 60% أو أكثر.
ونتج معظم هذه الوفيات عن نوبات قلبية والتجفاف بسبب التعرق الشديد وغالبيتها كان بالإمكان تفاديها.
مدن معرضة
وأفادت دراسة رايمند أن موجات الحر التي تخطت 27 درجة بصلة رطبة تضاعفت منذ العام 1979.
وتوقعت دراسته أن تتجاوز “حرارة البصلة الرطبة 35 درجة بانتظام” في بعض المناطق في العقود المقبلة في حال ارتفعت حرارة الأرض 2,5 درجة مئوية مقارنة بمستواها قبل الثورة الصناعية.
ووفقاً لـ”فرانس برس”، فقد تسبب النشاط البشري في ارتفاع حرارة الأرض 1,1 درجة حتى الآن. وينص اتفاق باريس للمناخ المبرم العام 2015 على حصر ارتفاع الحرارة بأقل من درجتين، وإن أمكن 1,5 درجة.
وحتى لو تم تحقيق أهداف اتفاق باريس، من المحتمل أن يعاني مئات الملايين من سكان المدن في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا من 30 يوماً من موجات حر فتاكة على الاقل كل عام بحلول العام 2080، وفقا لتقرير خبراء الأمم المتحدة.
وقال ستيفن لوري المؤلف الرئيسي لدراسة لا تزال قيد المراجعة العلمية، واستعان التقرير بأرقامها: “في هذه المناطق ، يتزايد عدد سكان المدن بشكل كبير، وخطر الحر الفتاك”.
وأوضح لوري أن حساباته لا تأخذ بالاعتبار ما يسمى بتأثير “الجزر الحرارية الحضرية”، الذي يضيف درجة ونصف درجة مئوية في المعدل خلال موجات الحر مقارنة بالمناطق المحيطة.
موجات الحر تؤسس لنقاط ساخنة
وتعد إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الأكثر عرضة لموجات حر، لأنها الأقل استعداداً للتكيف معها.
وقال لوك هارينغتون الباحث في جامعة معهد اكسفورد للتغير المناخي: “المراقبة الحقيقية للعالم والنماذج المناخية تظهر أن إفريقيا جنوب الصحراء نقطة ساخنة لنشاط موجات الحر”.
أما في وسط الصين وآسيا الوسطى، “فيتوقع أن تقترب درجات حرارة البصلة الرطبة القصوى من العتبات القصوى وربما تتخطى العتبات الفيزيولوجية للتكيف البشري”.
ومع هذا، لن تكون منطقة المتوسط بمنأى عن توغلات قاتلة لموجات الحر. ووسط كذلك، فقد أشار التقرير الى أنه “في أوروبا، سيكون 200 مليون شخص معرضين لخطر كبير جراء الارهاق الناتج عن الحرارة في منتصف هذا القرن في حال زادت حرارة الأرض بما يصل الى درجتين مئويتين حتى العام 2100”.
وأوضح جيف ستاناواي الباحث في “إنستيتوت فور هيلث متريكس أند إيفالويشن” أن الأمر الحاسم بالنسبة لمعدلات الوفيات هو قدرة السكان على التكيف.
وأضاف في تصريح لوكالة “فرانس برس”: “هناك حساسية أعلى للحرارة في أوروبا الغربية مقارنة بأمريكا الشمالية”.
واعتبر أن هذا يعود الى أنه “في أمريكا الشمالية الجميع يمتلك مكيفات هواء وأبنية حديثة معزولة بشكل جيد. انه مجرد اختلاف في البنية التحتية”.
“فجوة تبريد”
وعلى غرار الكثير من تأثيرات التغير المناخي ثمة تفاوت في تحمل عواقب موجات الحر.
ففي البلدان النامية لا يتماشى مستوى التنمية الاقتصادية مع كلفة تبريد الأجواء، ما يؤدي إلى سباق بين الاحترار والقدرة على التكيف معه. وهنا، فقد وصف أحد الباحثين الأمر بأنه “فجوة تبريد عالمية”.
وتوصلت دراسة لتقنيات التكيف في هانوي الى أن الكثير من الأشخاص لا يستخدمون أجهزة التكييف في غرف النوم بسبب كلفتها المرتفعة، والبعض يلفون أنفسهم بأغطية مبللة قبل الخلود إلى النوم خلال موجات الحر.
ودرجات الحرارة المرتفعة سوف تنشر الأمراض وتخفض المحاصيل والقيم الغذائية وانتاجية العمال وتجعل من العمل في الخارج نشاطا يهدد حياة العامل.
لكن في حال أراد العالم تجنب أسوأ العواقب، على الدول أن تحترم التزاماتها في اتفاق باريس وحصر ارتفاع الحرارة بدرجة ونصف الدرجة، بحسب خبراء.
وحتى لو تحقق ذلك، فإنه ثمة عواقب وخيمة لا يمكن تجنبها خصوصا وأن الحرارة ترتفع أكثر بمرتين من المعدل العالمي في الكثير من المناطق.
ونبه تقرير الأمم المتحدة بالقول: “أطفال اليوم سيشهدون على موجات الحر القصوى والتي تمتد لأيام أكثر يستحيل خلالها العمل في الخارج”.
شاهد أيضاً: مستشار بيئي لأخبار الآن: “وصلنا لحالة من التدهور الأخير بسبب ازدياد الاحترار”