حتى أواخر العام 2020، كانت الدراسات تشير إلى أنّ شركات الموانىء البحرية في الصين تملك جزئياً أو تدير، 95 ميناء في كلّ أنحاء العالم. بين تلك الموانئ، يوجد 22 ميناء في أوروبا، 20 ميناء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 18 ميناء في الأمريكتين، 18 ميناء في جنوب آسيا وجنوب شرقها، و9 موانئ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكن ماذا عن موانىء البحر المتوسط تحديداً؟
حافة البحر المتوسط تشكّل مركز اهتمام القوى العالمية الكبرى، إذ أنّ الأكيد أنّ أحد أهم التغييرات في الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط تحصل هنا، إنطلاقاً من الواجهة الشرقية للمتوسط، لتمتد على حافة تلك المياه، بدءاً من أشدود مروراً بمدينة بيروت وصولاً إلى ميناء بنزرت في تونس.
من أشدود إلى بيروت وصولاً إلى بنزرت.. سم الديبلوسية الصينية
انفجار الرابع من أغسطس العام 2020 دمّر الجزء الأكبر من ميناء بيروت، ذات الموقع الإستراتيجي والحيوي، ما أدّى إلى تراجع نشاطه بانتظار إعادة الإعمار، التي لا يمكن للبنان الغارق بأزماته المالية الحادة، أن يتحمّل أعباءها وكلفتها، ما يستدعي انخراط جهات دولية عديدة في إعادة بناء ذلك الميناء.
وفي هذا السياق، يقول أحمد تامر، مدير عام النقل البري والبحرين في وزارة الأشغال بالإنابة ومدير عام مرفأ طرابلس في لبنان مدير عام لـ”أخبار الآن“، إنّ “مرفأ بيروت هو من أهم المرافىء في منطقة الشرق الأوسط، وقد تعرّض لحادث كبير، فيما إعادة إعماره مكلفة جداً، وثمّة جهات إستثمارية مهتمّة بذلك الأمر، وبالتالي إنّ ذلك ليس دعماً من دون مقابل، هناك عروضات عديدة، والجهات تريد أن تستفيد من الأمور المتعلقة بالإستثمار في االميناء”.
إذاً يجري لبنان مناقشات مع دول عديدة حول إعادة إعمار ميناء بيروت، منها الصين وفرنسا وألمانيا وتركيا، بالإضافة إلى منافسين آخرين. وفي الرابع من أغسطس العام الجاري، عقدت فرنسا مؤتمراً بالإشتراك مع الأمم المتحدة لدعم لبنان، وثمّة تعهّدات آنذاك بتقديم مساعدات لإعادة بناء مرفأ بيروت من قبل كل من فرنسا وألمانيا، وسط وجود رغبة أمريكية بضمان عدم قيام الصين بذلك.
ويقول الباحث السياسي الدكتور محمد موسى لـ”أخبار الآن“، إنّ “لبنان تلقى عروضاً كثيرة لإعادة إعمار ميناء بيروت بعد الإنفجار الذي حصل في الرابع من أغسطس 2020″، مشيراً إلى أنّ “العرض التركي لم يُكتب له النجاح بفعل الحساسية من الدور التركي في لبنان، لعبت فرنسا دوراً بنّاءً ربما بطرح آخر وكذلك الألمان، أيضاً هناك العرض الصيني الذي يمكن وصفه على أنّه العنكبوت الذي يريد أن يمتد في كلّ مناطق شرق المتوسط”.
يقع ميناء بيرايوس في خليج سارونيك، وهو أكبر ميناء في اليونان، يتميّز بموقع استراتيجي بين القارتين الآسيوية والأوروبية. فوق مدخل ذلك الميناء، ثمّة لافتة كتب عليها كلمات باللغة الصينية، وهي واحدة من العلامات القليلة التي تدل على أنّ بكين تسيطر الآن على رابع أكبر ميناء للحاويات في أوروبا.
يمكن الإستفادة من المزايا الجغرافية للموانئ اليونانية بغية تسهيل وزيادة تدفقات النقل من الصين والشرق الأقصى، إلى الإتحاد الأوروبي ومنطقة البلقان والبحر الأسود، والعكس صحيح.
مونتينيغرو واحدة من الدول التي اختبرت جيّداً فخ ذلك النوع من الديون في بناء الطريق السريع، الذي وصف بالطريق السريع إلى الجحيم، وهي اليوم تقف على مفترق طرق، إمّا أن تسدد الدين للصين، وإمّا أن تخسر السيادة على أجزاء من ممتلكاتها وفق ما ينص العقد. لمونتيغيرو واجهة على المتوسط، وتجربة الطريق السريع جعلت تلك الدولة ربّما تتنبه لمسألة الإستثمارات الأجنبية في مينائها الوحيد، إذا ما ابتعد شبح الفساد.
وفي صورة تشبه نوعاً ما ما جرى في بيرايوس، تحتل الصين مكانة بارزة في تشغيل موانىء مصر على المتوسط وتوسيع سعتها. ويتمّ التعامل مع غالبية التجارة الخارجية لمصر عن طريق ميناء الإسكندرية وميناء الدخيلة الإضافي. يتمّ تشغيل الميناء من قبل شركة Hutchison port holdings ومقرها هونغ كونغ، كمشروع مشترك بين تلك الشركة وهيئة ميناء الإسكندرية وشركة أخرى. كما أنّ الشركة الصينية تعمل على تطوير ميناء آخر في مصر بسعة 2 مليون حاوية، والذي يبدأ عملياته في العام 2022.