تونس.. صراع بين الأحزاب والشباب التونسي يدفع الثمن
- التوترات بين الإسلاميين والنقابات العمالية في تونس تتصاعد
- الصدام في البرلمان يلخص مشهد الصراعات الحادة بين القوى الرجعية والقوى العمّالية
- التلهّي بالصراعات السياسية جعل الأوضاع الإقتصادية تتجه نحو التدهور
- الشباب التونسي يئن تحت وطأة الفساد السياسي وغزو الصين
أثارت حركة النهضة التونسية، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية، حالة من الجدل الواسع على مدار الأيام الماضية، بعد أن تقدمت بمقترح قانون للبرلمان يهدف إلى تقليص صلاحيات الرئيس، فيما وصفه مراقبون بأنه محاولة للانقلاب عليه، ويتعلق مقترح القانون الجديد بتعديل القانون الانتخابي الحالي، الذي ينص على منح صلاحيات للرئيس فيما يخص الدعوة إلى الانتخابات أو الاستفتاء.
ويدعو مقترح التعديل إلى تحويل صلاحية الدعوة للانتخابات أو للاستفتاء، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة.
وتمتد الأزمة بين الحركة الإخوانية والرئيس التونسي على منذ عام تقريباً، بسبب صراع على الصلاحيات، فيما تشتد حالة الاحتقان السياسي بالبلاد بين الأحزاب المدنية والحزب الإخواني، حيث دخل الحزب الدستوري الحر ومعه عدد من الأحزاب اعتصاما للشهر السابع ضد الحركة والمؤسسات التي تراعها داخل تونس، والتي وصفت مراراً بأنها “مفرخة للإرهاب”.
التوترات تتصاعد بين الإسلاميين والنقابات العمالية، وذلك كان واضحاً في كلام عبير موسي عندما كانت تتحدث عبر الهاتف، وعلى ما يبدو مع أحدهم في الإتحاد العام للشغل في تونس، قائلةً إنّ “الدواعش يبيعون تونس”. ومن أوجه التوترات بين، فقد قارن النائب الإسلامي الراديكالي سيف الدين مخلوف، مؤتمر الإتحاد العام التونسي للشغل الذي انعقد في 8 يوليو الماضي في سوسة، بالعمل الإرهابي الذي حصل في المدينة نفسها العام 2015. وقد قام بتركيب صورتين، إحداهما للمؤتمر والأخرى للإرهابي الذي نفذ الهجوم، وطلب من متابعيه تخمين الفروق السبعة. أتى ذلك من باب انتقاد الاتحاد العام للشغل الذي نظم المؤتمر في ظل انتشار وباء كورونا، لكن لم يكن هناك أي مواقف أو أيّ اعتراض عندما نظم حزب النهضة اجتماعاً في تونس في ظل انتشار الوباء.
ورأى المحلل التونسي فتحي الورفلي أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل هو المدافع عن الطبقة العاملة في تونس، وهو لن يكون شاهد زور على ما يحصل في البلاد لناحية رهن المؤسسات الوطنية للخارج، معتبراً أن حزب النهضة ارتكب ما يكفي من الإعتداءات بحق الشعب التونسي
من جهتها، رأت الباحثة التونسية في مركز الدراسات الإستراتيجية لتونس، ألفة الحامدي، أن الإسلام السياسي فشل بتحقيق مطالب الشعب، والحل يبدأ بالتخلي عن الصراع الإيديولوجي في البلاد، وأن ينأى الإتحاد العام التونسي للشغل بنفسه عن الصراعات السياسية والقيام بعمله الأساسي.
عدم الإستقرار السياسي في تونس، وتلهّي الاتحاد العام للشغل بالصراعات السياسية، جعل الأوضاع الإقتصادية تتجه نحو الدهور، لاسيّما أنّ ذلك التلهي فتح أبواب السوق التونسية أمام التهريب والمزاحمات غير القانونية وغير المتوازنة، لا سيما الصين.
الصين تغزو أسواق تونس وتهلك اقتصادها
الصين تغزو أسواقَ تونس وتهلك اقتصادها. فالكثير من قطاعات العمل في تونس تضرّر جرّاء مزاحماتٍ من قبل منتوجاتٍ يتمُ استيرادها من الخارج، لا سيما الصين، التي تعمل على تصدير مختلف أنواع السلع، يتمّ بيعها في السوق التونسية بأسعارٍ منخفضة، بسببِ عواملَ عديدة تدخل في صناعاتها، أبرزها أعمال السخرة التي تجبرُ الإيغور على القيام بها، لا سيما في مجال القطن.
مع الوقت تتزايد نسبةُ الصادرات الصينية إلى السوق التونسية، وتمتدُ على جملةٍ واسعة من السلع، منها المواد الكيماوية، والمواد الأولية، والمواد الفلاحية، والأقمشة، المعدات الكهربائية والإلكترونية، إضافةً إلى تقليد المنتوجات المحلية.
كلفة الإنتاج المتدنية إذاً جعلت من الصعب أن تتمكن السلع التونسية من المنافسة في السوق المحلي، وكذلك في السوق الأوروبية التي تعتبر سوقاً تقليدية بالنسبة لتونس. غزو الصين ومزاحمة بضائعها للسوق التونسية، لم تقتصرا على السلع الكهرومنزلية وغيرها، إنّما وصل إلى سوق السلع التقليدية، التي يمتاز بها الحرفيون التونسيون، وقد تجد علامة تجارية تونسية على البعض منها حتّى.
الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، يقول لـ”أخبار الآن“، إنّ انعكاسات ارتفاع نسب البطالة خصوصاً في الفئات الهشة الداخلية، تعود لأمرين أساسين، وهما:
-أوّلاً: في منسوب الاحتجاجات الإجتماعية الذي ما انفك يتوسّع من سنة الى اخرى، ويأخذ أحجام كبيرة نتيجة دخول فئات إجتماعية إلى مرحلة الهشاشة وانضمامهم إلى جيوش المعطلين، خصوصاً نتيجة الجائحة.
-ثانياً: يتمثل بالهجرة غير النظامية، فاليوم نلاحظ الالاف من التونسيين الذين اختاروا الهجرة عبر قوارب الموت سنة 2020 وصل إلى السواحل الإيطالية أكثر من 12 ألف و800 مهاجر تونسي. وخلال الأشهر الستة الأولى هذا العام وصل إلى أكثر من 3 آلاف آخرين، في حين فشل نحو 7 آلاف آخرين في ذلك. وكل ذلك تعبير عن البطالة وانعدام الأفق امام تلك الفئات التي اختارت طرق الاحتجاج او الهجرة غير النظامية.
الواردات الصينية إلى تونس تتجاوز بنحو 45 مرة حجم صادرات تونس إلى الصين
وتابع: هذه الازمة عرفتها البلاد التونسية منذ مطلع الالفية الثالثة مع الاتفاقيات التجارية العالمية وتحرير التجارة العالمية وشاهدنا المؤسسات التونسية الصغرى بدأت تندثر نتيجة عجزها عن المنافسة وفقدت العديد من مواطن الشغل وبدأت المنتجات الصينية تغزو الاسواق التونسية، لكن بعد الثورة أخذ ذلك الأمر يأخذ منحنى خطيراً، خصوصاً بعد عزوف رأس المال الوطني عن الإستثمار المباشر في القطاعات الصناعية والفلاحية، وأيضاً قطاع الخدمات، واتجه أكثر نحو التوريد وأصبح التوريد العشوائي نوع من التجارة المربحة نتيجة انتشار الفساد في هذا المجال، وأصبحنا نرى المنتجات التي كانت تعتبر تونسية باتت تصنع خارج تونس وتسوق داخلياً، مثل قطاع الملابس والبلاستيك والجلود والأحذية، الأمر الذي ساهم في اندثار المؤسسات التونسية التي كانت متواجدة في مدن عدة، ما ساهم في ارتفاع نسب البطالة والاعتماد على التوريد رغم الخطاب الذي يتحدث عن وجوب ترشيد الإستهلاك والتوريد.
وأضاف: “يوجد علاقة بالمنتجات الصينية، فتونس تصدر السنة الماضية 136 مليون دينار نحو السوق الصينية ما يمثل 0.3 % من جملة الصادرات التونسية، في حين ان الواردات التونسية من الصين تجاوزت اكثر من خمسة الاف و 500 مليون دينار أي بنسبة 10.7 % من جملة الواردات التونسية، بمعنى أنّ واردات تونس من الصين تتجاوز قيمة الصادرات تجاه الصين بنحو 45 مرة، وذلك رقم كبير ومهول وساهم في الأزمات العديدة الموجودة التي تمس المؤسسات الصغرى في البلاد.
وختم أنّ القطاعات العديدة، كطاع الملابس والتي كانت محل منافسة عالمية نتيجة الأزمة التي عرفها قطاع النسيج خصوصا عام 2008 وما بعد 2010 وهذا القطاع مر بازمة كبير رغم ان تونس تعتبر من الدول الرائدة في هذا القطاع واصبحنا مختصين بتصدير بعض المنتجات فقط، وفتحت السوق التونسية لتوريد منتجات أخرى عديدة كان بالإمكان صناعتها في تونس، الامر الذي ساهم في تدفق أعداد العاطلين عن العمل، وأيضا الصناعات الاستهلاكية بجميع انواعها الغذائية وغيرها، وعندما تتوجه للاسواق خصوصا الاسواق الشعبية تلاحظ بان المنتوج التونسي منعدم فيما تحظر كل المنتجات خصوصا الصينية والتركية وغيرها لانها تورد بأبخس الاثمان وتوفر ربحاً سهلاً، ولأن مجال الفساد في هذا القطاع موجود وبكثافة.
أكثر القطاعات تضرّراً جراء المزاحمة الصينية المنتوجات الإلكترونية وقطاع النسيج
من جهته، قال نافع النيفر، نائب رئيس الجامعة التونسية للنسيج والملابس، لـ”أخبار الآن“، إنّ البضائع الصينية إلى السوق التونسية منذ سنوات عديدة، مقابل 30 % كرسوم جمركية. وتملك البضائع الصينية قدرة تنافسية كبيرة، بالنظر إلى أنّ أسعارها المنخفضة. وأيضاً مع تراجع القدرة الشرائية في تونس، وفي العديد من البلدان المجاورة، باتت البضائع الصينية مطلوبة أكثر. هناك بلدان يغزوان السوق التونسية في عدة مجالات، الصين وتركيا.
وتابع: أكثر القطاعات المتضررة بسبب البضائع الصينية، هي المنتوجات الإلكترونية، قطاع النسيج، وأيضاً الصناعات التقليدية، فالعديد من المنتوجات التقليدية التونسية يتم تقليدها من قبل الصين، وبأسعار منخفضة. ففي قطاع النسيج، هناك ارتفاع كبير في نسبة البطالة، وتراجع لافت في فرض العمل خلال السنوات العشرة الأخيرة. تقدر نسبة البطالة في قطاع النسيج بـ20 %، فالقطاع كان يؤمّن 200 ألف فرصة عمل، وهذا الرقم اليوم تراجع إلى 160 ألف فرصة عمل، وذلك بسبب منافسة الصناعات الصينية والآسيوية الأخرى وكذلك التركية في سوقنا التقليدية، أي أوروبا، ما قلّص قدرتنا التنافسية في السوق الأوروبية، وبالتالي تراجع تصديرنا وتراجعت فرص العمل.
مؤسسات وطنية تونسية أضطرت إمّا على الإغلاق وإمّا إلى طرد العمال
عبد الواحد المكني وهو رئيس جامعة صفاقس التونسية، يقول لـ”أخبار الآن“، إنّ السوق التونسية تعاني من مزاحمة في قبل عدة قوى تجارية كبرى، ومنها المارد الصيني، إضافةً إلى تركيا التي وجدت التسهيلات منذ العام 2012. وأوضح أنّه حتى الصناعات الناشطة لدى تونس يتمّ تقليدها في السوق الصينية وبسرعة كبيرة، وتوضع عليها أحياناً علامة تجارية.
بالنسبة إلى المواطن العادي، المزاحمة الصينية لا تقلقه بشيء لأنه يبحث عن الأقل سعراً رغم الأقل جودة. الضرر يعود بصفة مباشرة أو غير مباشرة على ما نسميه المؤسسات الصناعية والتجارية الصغيرة والمتوسطة، لو نأخذ مثلاً قطاع الحذية والجلود، هذا القطاع تضرر كثيراً جراء البضائع الصينية. قطاع البناء ومعدات البناء وشبكة التنوير والمياه والمكيفات والتلفزيون، نجد أن المؤسسات الوطنية التونسية تضرّرت جداً والعديد منها أجبر إمّا على أغلاق المؤسسة أو إلى طرد عدد من العمال، وهذا ما ينتج عنه حراك نقابي.
الحجلاوي: لا بد من مواجهة المنتوجات الصينية من خلال المراقبة الشديدة
النائب التونسي لسعد الحجلاوي، يتفق في حديثه لـ”أخبار الآن“، مع رأي رئيس جامعة صفاقس بهذا الإطار، لكنّه شدّد على أنّه لا بد من مواجهة المنتوجات الصينية من خلال المراقبة الشديدة، ومن خلال آليات قانونية تُشرف عليها الدولة.
الحقيقة أنّ الواقع في تونس، حيث يعيشُ الشبابُ تخبّطاً إقتصادياً أليماً، ويغرقُ في ضياعٍ كبير، يتخالطُ في أسبابه الفسادُ المستشري بتلك البلاد. وبذلك تجتمع العوامل الداخلية مع دوافع الجهات الخارجية، أي الصين، كي تشكّل أهم الأسباب في الإنهيار الذي يتم التحذيرُ منه راهناً.
هناك فساد كبير في عديد المؤسسات الموجودة في الدولةفي كل القطاعات تقريباً، هذا الفساد هو قديم منذذ الدولة الوطنية، منذ 50 عاماً تقريباً، منذ نظام بورقيبة ثم نظام بن علي ثم استفحل أكثر بعد الثورة، كيف نحارب هذا الفساد… هو موجود في كلّ الأجهزة وفي كل القطاعات تقريباً، وأصبح هناك لوبيات متحكمة من خلال رجال أعمال وأصحاب نفوذ لأنهم يستنفعون من هذا الفساد.
إذاً تُونُس، البلد الذي مرّ بمراحل عديدة وما زال يتخبّط، يطمح فيه الشبابُ إلى تغييرٍ فيه يحاكي طموحاتِهم، تكون فيها دولةُ القانون هي السائدة، يتساوى فيها الجميع، وتحدّ من طمع الجهات الخارجية، صينية كانت أم غير صينية، فتحافظ على مقدرات شبابها، فيستوي أمرهم.
شاهد أيضاً: الصين تغزو تونس تجارياً واستثمارياً واقتصاد الأخيرة يتعثّر