على الرغم من دعوة الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً دول العالم إلى إعادة مقاتلي تنظيم “داعش” وأسرهم إلى بلدانهم، تستمر المخاوف من تحول مخيم الهول، الواقع شمال شرق سوريا ويحوي على 10 آلاف مقاتل وأسرهم، إلى “خلافة صغيرة بحد ذاتها” خاصة في ظل قيام “نساء قيادات” من التنظيم بإدارة مخططات جني الأموال وتهريب عائلات بكاملها خارج المخيم بعد دفع رشاوي كبيرة.
يؤوي المخيم قرابة 62 ألف شخص، ويضم المخيم أكثر من 4000 امرأة أجنبية مع 8000 من أطفالهن محتجزات حاليًا في المخيمات، وهناك 1500 أخرى من زوجات وأطفال داعش محتجزون في مخيم روج في شمال شرق سوريا.
في هذه الحلقة من برنامج “بالعين المجردة“ نرصد حالات فرار لنساء مع أطفالهن خارج المخيم من خلال شهادات خاصة للبرنامج ومقابلات مع مهربين ومسؤولين من الإدارة الذاتية.
كيف تجري عمليات التهريب؟ ماهي قيمة الأموال المدفوعة من أجل اتمام هذه العمليات؟ من يقف وراء هذه العمليات؟ ماهو أثر هذه العمليات على الأمن في منطقة شمال شرق سوريا؟ ماهي إجراءات الإدارة الذاتية في منع عمليات التهريب؟
كيف تجري عمليات التهريب من المخيم؟
أُنشئ مخيم الهول في التسعينيات من القرن الماضي لاستيعاب خمسة آلاف لاجئ عراقي، في أعقاب حرب الخليج الأولى 1991 حيث أنشأت المخيم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ومنذ إعلان القضاء على تنظيم “داعش” في مارس 2019، أصبح المخيم “قنبلة موقوته” قابلة للانفجار في أي لحظة، بعد ضمه بقايا التنظيم.
بينما يحتدم الجدل في أوروبا حول ما إذا كان يمكن إعادة نساء مسلحي تنظيم داعش وأطفالهن من مخيمات سوريا إلى بلدانهم الأوروبية أم لا، قررت بعض النساء بمساندة شبكات التهريب غير القانونية الهروب من هذه المخيمات.
من جانبها، قالت “قوات سوريا الديموقراطية” إنها أحبطت فرار 42 إمرأة ورجل و43 طفلاً من جنسيات مختلفة خلال الشهر الماضي.
وتجري عملية التهريب بأكثر من طريقة وذلك بالتنسيق مع رجال الأمن وحراس المخيم وفقاً لما قاله أبو يوسف، أحد مهربي المخيم، لبرنامج “بالعين المجردة”.
وأضاف أبو يوسف: “مؤخراً قمنا بتهريب عائلة مؤلفة من 7 أشخاص بالتنسيق مع الحراس، وتم تأمين اللباس والطعام لهم مقابل الحصول على المال”.
واستفاض أبو يوسف، واحد من خمسة مهربين تم توثيقهم يعملون شرقي سوريا كـ سماسرة في عمليات تهريب غير شرعية لـ نساء وعائلات تنظيم داعش، بشرح تفاصيل عملية التهريب قائلا: “العائلات التي تريد الخروج من المخيم تتواصل معنا عبر الإنترنت من خلال هواتف حراس الأمن، لأن تلك العائلات لا تملك هواتف خاصة بها، نتعاون مع حراس في المخيم ورجال أمن حيث يقومون بتأمين طريق خروجهم من المخيم وكل ذلك مقابل أموال يحصلون عليها”.
ويضيف: “يتواصل معنا الحراس وعناصر الأمن عندما تخرج العائلات من المخيمات وذلك من أجل تأمينهم ببيوت مؤقتة بمساعدة رجال الأمن في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، ومن أجل المرور على الحواجز يتم تأمين هويات شخصية مزورة، رجال الأمن يحصلون على الأموال مقابل تقديم هذه الخدمات”.
يعتمد أبو يوسف على تهريب العائلات عبر سيارة الطعام الكبيرة أو سيارة الحرس، العائلة الأخيرة التي تم تهريبها دفعت مبلغ 8000 دولار أميركي، حصل أبو يوسف على 2000 دولار منهم.
25 ألف دولار أميركي قيمة تهريب شخصين من المخيم!
تحصل النساء على الأموال المطلوبة من أجل دفعها للمهربين من خلال الحوالات المالية وجمع أموال التبرعات التي تديرها شبكات مرتبطة بـ” تنظيم داعش” والتي تستخدم منصات وسائل التواصل الاجتماعي وأنظمة التمويل غير التقليدية، مثل العملات الرقمية.
من بين تلك السيدات اللواتي استطعن الفرار من “جحيم المخيم”، مريم الحلبي التي باعت ذهبها من أجل تأمين عملية خروجها واصفة حياة المخيم بالمأساة.
وقالت لبرنامج “بالعين المجردة”: “كانت الحياة في المخيم صعبة للغاية، عانينا الكثير بداخله، لا يوجد أمل للعيش هناك، حيث الفقر والجوع”.
وحول تفاصيل عملية تهريبها من المخيم تقول مريم :”تواصلنا مع المهرب عبر جوال الحارس، بالنهاية تم تأمين سيارة في منتصف الليل، عند خروجنا قمنا برفع الخمارات عنا، الطريق كانت صعبة جداً وطويلة، تعذبنا كثيرا خلال هروبنا من المخيم”.
وفي تقرير حديث للأمم المتحدة قالت فيه إن الجهود المبذولة لإخراج النساء من المخيم خلقت مصدراً جديداً للأموال لـ”داعش”، الذي يحتفظ بجزء من المبالغ التي يتم جمعها من المتعاطفين معه.
على الرغم من محاولات خنق نشاطات التنظيمات وعلى رأسها تنظيم داعش، إلا أنه وبشكل بشكل متواصل ينتشر على تليغرام وفيسبوك فيديوهات من أجل جمع المال كأحد طرق التمويل المؤكدة للهروب من المخيمات.
من بينها هذه الحملات ما نشرته إحدى السيدات الأجنبيات في تنظيم داعش وتدعى “مريم البريطانية”، روت في الشريط المصور هروبها من مخيم الهول شمال شرق سوريا.
وناشدت مريم مناصري التنظيم بالتبرع عبر الإنترنت (عملات رقمية) من أجل فرار أكبر عدد من العائلات، وأنشئت لهذا الهدف عدة حسابات تمكنت من خلالها من جمع الأموال، ويتراوح سعر إخراج سيدة وأطفالها من المخيمين بين 10500 و25000 دولار أميركي.
التهريب عبر صهاريج المياه وسيارات القمامة.. من يديرها؟
عمليات تهريب العائلات من المخيم تمر بمراحل متعددة، بحسب شهادات بعض المهربين والعائلات الهاربة الذين التقى بهم برنامج “بالعين المجردة”، أولها عبر الوسطاء داخل المخيم والمرتبطين بشبكات التهريب.
هؤلاء يعملون مع شبكات تهريب خارج المخيم وتقتصر مهمتهم على نقل العائلات من داخل المخيم عبر بعض المتورطين إلى خارجه بواسطة أماكن سرية بشاحنات نقل المياه أو القمامة وتسليمهم للمهربين الذين يتكفلون ببقية الطريق إلى الوجهة النهائية لكل عائلة.
وقال مسؤول إدارة قوى الأمن الداخلي في مخيم الهول، أنور يوسف لبرنامج “بالعين المجردة” إن شبكات التهريب تتألف من عدة أشخاص: “مثل سائقي السيارة التي سيتم من خلالها عملية التهريب، هي شبكة كبيرة ومختصة في أمور التهريب”.
تهرب العائلات المرتبطة بتنظيم “داعش” من خلال الاختباء في داخل صهاريج المياه بعد تفريغ حمولته في المخيم، ولجأت بعض العائلات الأجنبية في المخيم إلى تطوير عمليات هروبهم من خلال الحصول على أوراق ثبوتية سورية عبر سماسرة، بغية إدراجهم ضمن قوائم العائلات السورية الخارجة نتيجة الوساطات المحلية وكل ذلك يتم مقابل مبالغ مالية.
إجراءات مشددة لمنع هروب “الدواعش” من المخيم
في محاولة للحد من عمليات الهروب، تشهد مخيمات الهول وروج تشديد أمني بالإضافة إلى نشر مايزيد عن 1500 عنصر يقومون بحماية المخيم بإشراف قوات من التحالف الدولي، وتجهيزات كاميرات مراقبة ليلية ونهارية داخل وعلى أسوار المخيم، كذلك شهد مخيم الهول حملة أمنية منظمة للقضاء على عمليات التهريب والاغتيالات في المخيم وتم اعتقال عدد من المتورطين.
وترفض السلطات المحلية في شرق سوريا الاتهامات الموجهة لهم بغض الطرف عن عمليات التهريب، بيد أنها لا تخفي تورط عناصر وحراس في المخيمات ضمن عمليات التهريب الحاصلة.
وأكد نائب الرئيس المشترك للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بدرات جيا كرد لبرنامج “بالعين المجردة” أن الأجهزة الأمنية في المخيم تراقب الأوضاع عن كثب في داخله وتقوم بمتابعة وضع العائلات التي تعيش فيه، قائلا: “الأجهزة الأمنية أحيانا تتلقى المعلومات، إذ قامت بإفشال الكثير من عمليات التهريب عبر الصهاريج وقامت بتحويل تلك العائلات إلى مراكز الاحتجاز للتحقيق في الأمر”.
وحول الإجراءات المتخدة بحق الأشخاص التابعين للإدارة الذاتية والمنخرطين في عمليات التهريب يقول جيا كرد: “قد تكون هناك نفوس ضعيفة يمكن أن تتساهل في الإجراءات وهذه النفوس الضعيفة يمكن أن تكون من المنظمات المدنية أو من إحدى المؤسسات الإدارة الذاتية العاملة في المخيم وعند الكشف عن تلك النفوس يتم تحويلهم إلى المحاكم واتخاذ القرارات اللازمة بحقهم من قبل محاكم الإدارة الذاتية ولكن عمليات التهريب تتم بشكل ممنهج من خلال التنظيم الداعشي و خلاياها في الخارج و أيضا بتوجيه مباشر من الاستخبارات التركية”.
الإدارة الذاتية: تركيا تقف وراء عمليات التهريب!
من المستحيل معرفة عدد من نجحوا بالهروب، لكن المحاولات مستمرة، وعلى الرغم من حظر الهواتف الجوالة وتشديد الحراسة أكثر، إلا أن شبكات التهريب والسماسرة ما تزال نشطة وعمليات الهروب التي تعتمد على جمع الأموال من أجل تهريب النساء من المخيم متواصلة.
العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية على أفراد وكيانات قدموا تسهيلات ودعماً مالياً لتنظيم داعش لم تؤدي لإيقاف الحوالات المالية إلى المخيم.
وتشير مسؤولة حماية المرأة والديوان في مخيم الهول، فاطمة أحمد جوبال لبرنامج “بالعين المجردة” إلى أن مصدر الأموال غير معروف مؤكدة وجود جهات تدعمهم وتتواصل مع الناس الموجودين في المخيم.
من جهته اتهم نائب رئيس الهيئة السياسية في الإدارة الذاتية، تركيا بالوقوف وراء عمليات تهريب تلك العائلات قائلا:”الجهات المباشرة التي تقف وراء تهريب تلك العوائل هي الدولة التركية والاستخبارات التركية، هناك معلومات تثبت أن الكثير من العوائل وصلوا إلى تركيا من خلال الأراضي التي تحتلها تركيا وهذا دليل واضح”.
لا حل دولي لإزمة مخيم “الهول”
منذ إعلان القضاء على “خلافة” التنظيم المتطرف قبل عامين، تطالب الإدارة الذاتية الدول المعنية باستعادة رعاياها المحتجزين في المخيمات والسجون، فيما تمتنع بلدانهم عن القيام بذلك، ويقتصر الأمر على استعادتها لأطفال أيتام أو في حالات صحية دقيقة.
ورفضت معظم الدول الغربية بشكل منهجي إعادة مواطنيها الذين انتقلوا إلى سوريا أثناء صعود تنظيم “داعش”، إذ يحاول ما تبقى من “داعش” تحقيق أقصى استفادة من الجمود الدولي.
وفي هذا السياق شدد نائب رئيس الهيئة السياسية في الإدارة الذاتية بدرات جيا كرد على ضرورة وجود حل جذري لهذه القضية معتبراً أنها قضية معقدة وكبيرة جداً بالنسبة للإدارة الذاتية وللمجتمع الدولي، مضيفاً: “لا يزال الغموض يكتنف موقف التحالف الدولي والمجتمع الدولي في كيفية محاكمة الدواعش أو كيفية إعادة تلك العوائل إلى بلدانهم فنحن بحاجه إلى تصور واضح و قرار واضح حيث أن الإدارة تمتلك تصوراً واضحاً في محاكمة المتورطين وإعادة العوائل إلى بلدانهم، هناك دائماً حجج من قبل المجتمع الدولي بأن ليس هناك مقومات قانونية أو سياسية لإقامة تلك المحاكم في هذه المناطق”.
لمتابعة الحلقة الكاملة: