كيف نشرت الصين الفساد في هذه الدول؟
الشهر الماضي، أطلقت هيئة الرقابة على مكافحة الفساد في الصين تحقيقات مع عدد من المديرين التنفيذيين المرتبطين بأكبر صندوق لتمويل الرقائق في البلاد.
كشفت السلطات الصينية أنها حققت مع ثلاثة مديرين تنفيذيين سابقين مرتبطين بالصندوق الوطني للاستثمار في صناعة الدوائر المتكاملة، والمعروف باسم “الصندوق الكبير”، الذي جمع 51 مليار دولار في جولتي التمويل الأخيرتين.
تفشي الفساد المحلي
ذكرت اللجنة المركزية لفحص الانضباط في الصين (CCDI) أنها كانت تحقق مع دو يانغ، المدير السابق في SINO IC Capital، التي تدير ممتلكات الصندوق الكبير، وآخرين، بشأن “الانتهاكات الجسيمة المشتبه بها للأنظمة والقوانين”.
تم وضع ما لا يقل عن 5 من المديرين التنفيذيين لصناديق الرقائق تحت التحقيق بتهمة الاحتيال قبل ثلاثة أشهر، وتأتي التحقيقات مع انهيار مجموعة Tsinghua Unigroup المدعومة من الدولة، وهي شركة منتجة لأشباه الموصلات بدأت بإعادة هيكلة في آخر 12 شهرًا بأمر من المحكمة.
وكانت هيئة الرقابة على مكافحة الفساد أعلنت في 2020 معاقبة 13442 مسؤولا صينيا بسبب الفساد، وفي 2017 كان هناك تحقيقات فساد طالت مسؤولين بارزين في الحزب الشيوعي الحاكم للبلاد، من بينهم السياسي سان زينغشاي، الذي كان مرشحًا للوصول إلى أعلى المراتب في قيادة الحزب وكان يشغل منصب قائد مكتب الحزب في منطقة تشونغتشينغ
مكافحو الفساد فاسدون
وفي يونيو الماضي، أقر الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الفساد في البلاد ما زال حادًا ومعقدًا، مطالبًا كبار مسؤولي الحكومة بإبقاء أنفسهم وأسرهم وأقربائهم تحت المراقبة. الفساد تفشى في الصين بدرجة كبيرة لدرجة أن وزير العدل الصيني السابق، فو زينهوا، الذي قاد العديد من حملات مكافحة الفساد، سجن بتهمة الرشوة.
أقر فو في يوليو الماضي بأنه مذنب لقبوله هدايا وأموال بقيمة 117 مليون يوان ( 16.5 مليون دولار)، وقالت وسائل إعلام صينية إن” فو حُكم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ، على أن يتم تخفيف عقوبته إلى السجن مدى الحياة في غضون عامين”.
يذكر أن حملة مكافحة الفساد في الصين، التي أطلقها شي في 2012، ضبطت حتى 2017 أكثر من مليون ونصف مسؤول بتهم فساد مختلفة.
تصدير الفساد
كما حاولت الصين تصدير حلمها الاقتصادي “مبادرة الحزام والطريق” للعالم، فإنها صدرت أيضًا فسادها، ولم تدخل مشاريعها أي بلد إلا ونشرت فيها الفساد.
في 2012 تم اختيار Sinohydro، وهي شركة صينية مملوكة للدولة، لبناء طريقين سريعين في مقدونيا الشمالية، وهي صفقة اعتبرت من أكبر صفقات الفساد في التاريخ المقدوني، حيث تم تضخيم تكلفة المشروع بشكل كبير، وتسببت الصفقة في إسقاط رئيس الوزراء نيكولا جروفسكي وحكومته.
وفي 2019، ذكرت ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المسؤولين الصينيين وافقوا على المساعدة في إنقاذ صندوق التنمية الماليزي الحكومي 1Malaysia Berhad، من خلال تضخيم تكلفة مشاريع البنية التحتية. كما جلب التمويل الصيني الكثير من المخاطر للدول الإفريقية، حيث شابها الفساد بسبب تضخيم التكلفة لزيادة أرباح وعمولات بعض القادة السياسيين الفاسدين.
وجدت ورقة بحثية استقصائية، أجريت في 2018،على مشاريع صينية في 29 دولة أفريقية، أن السكان المحليين أبلغوا عن زيادات فيالفساد، وهو ما لم يحدث مع تمويل البنك الدولي، وخلص المؤلفون إلى أن ذلك يدل على أن الوجود الصيني أثر على المعايير.
كمثال، سيطرت الصين على 15 منجمًا من أصل 19منجمًا لإنتاج الكوبالت في الكونغو، وفشلت الطلبات الأمريكية بفك الارتباط في إرجاع أي منها للكونغو، بسبب العلاقات الصينية مع السياسيين المحليين في مناطق المناجم.
كما قامت الصين بنشر ثقافة الحزب الواحد في الدول الإفريقية، وبدأت تحث الدول على اتباع نموذج الحكم الذي يجسده الحزب الشيوعي الصيني، وقامت برشوة رجال الأحزاب الحاكمة في العديد من الدول للحفاظ على استمرار مشاريعها.
الفساد بالأمر المباشر
سبب الفساد في العديد من الدول هو قيام الصين بتنفيذ الصفقات بسرعة كبيرة ودون مراجعة، ولذلك قال الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد إن “العقد الذي يستغرق خمس سنوات للمناقشة والتفاوض والتوقيع مع البنك الدولي يستغرق ثلاثة أشهر عندما نتعامل مع السلطات الصينية”.
استغرق متوسط إتمام صفقات مشروعات البنية التحتية في مبادرة الحزام والطريق، التي وقعت عليها 43 دولة أفريقية: 2.8 سنة، أي ما يقرب من ثلث الوقت الذي يحتاجه البنك الدولي أو بنك التنمية الأفريقي. يقول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن الشركات الصينية من بين أقل الشركات شفافية وفقًا لدراسة أجرتها منظمة الشفافية الدولية على 100 شركة في 15 سوقًا ناشئة.
مع توغل الشركات الصينية في الأسواق الناشئة، فإن التطبيق غير الملائم والممارسات التجارية السيئة يحولان مبادرة الحزام والطريق إلى مبادرة فاسدة تفسد العالم.
الفساد برعاية السلطات الصينية
تم حظر قائمة طويلة من الشركات الصينية من البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى بسبب الاحتيال والفساد، وتضمنت الاتهامات تضخيم التكاليف وتقديم الرشاوى.
على رأس الشركات الفاسدة، كانت شركة China Communications Construction، التي تعتبر من بين أكثر الشركات نشاطًا في مبادرة الحزام والطريق، والتي تم حظرها من قبل البنك الدولي في عام 2009 لمدة ثماني سنوات بسبب تقديم عطاءات احتيالية مزعومة على عقد طريق سريع في الفلبين.
وفي 2018، اتهم وزراء حكومة بنغلاديش علنًا فرعها، China Harbour Engineering، بتقديم رشوة لمسؤول بنغلاديش فيما يتعلق بمشروع بناء.
تقوم بكين باستغلال الدول التي لديها تصنيفات ائتمانية منخفضة، حيث يدفعها ذلك لعدم القدرة على الاقتراض من الدول الأخرى، فتعرض عليها الإقتراض مع قيام الشركات الصينية بتنفيذ المشاريع، فتقوم بتضخيم التكاليف وتوزع الرشاوى بهدف إتمام مشاريعها والاستفادة منها.
فساد متبادل
الصين، مثل أي بنك رئيسي، تمارس نفوذًا سياسيًا قبل تحويل الأموال. في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، ساعدت احتمالية الحصول على قروض للبنية التحتية الصينية في إقناع الفلبين وكمبوديا بإعادة تقييم العلاقات العسكرية أو الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
يوفر الاستعداد للتعامل مع الصفقات المالية الضخمة بشكل غامض المزيد من الفرص للضغط السياسي، وبالموافقة على تضخيم تكاليف المشروع، على سبيل المثال، يمكن لبكين تحويل الأموال إلى أصدقائها المسؤولين في هذه البلدان. وفي سريلانكا، تم استخدام أموال البناء الصينية في محاولة إعادة انتخاب ماهيندا راجاباكسا الفاشلة، وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز.
الصين تدفع نتيجة فسادها. النهج الصيني كان محفوف بالمخاطر وقصير النظر، وقد تسبب في أزمة مالية للصين، حيث عجزت العديد من الدول على سداد القروض نتيجة أن العديد من المشاريع لم تأتي بأرباح تغطي تكلفتها.
كما تضررت سمعة الصين عالميًا بسبب الفضائح وزيادة الاستياء الشعبي من هذه المشاريع الفاشلة في كثير من البلدان.