إذا قررت أن تزور الصين، وتركب سيارة لتمر في الشوارع، ستجد أن هناك العديد من المباني غير المكتملة في كل مكان. لقد نفدت أموال المطورين، وتوقفت عمليات الشراء والبيع بشكل كبير، والكثير من العاملين في قطاع الإنشاءات لا يتلقون رواتبهم. صدمة كبيرة تعيشها الصين، وخصوصاً الأسر التي قامت بالحجز المسبق لوحدات سكنية لم يكتمل بنائها، ولا يبدو أنها ستكتمل في المستقبل القريب.
انهيار قاطرة التنمية
لفترة طويلة، كانت تجارة العقارات رمزاً لصعود الصين، حيث حقق رجال الأعمال ثروات هائلة، وشهد الأفراد العاديون ارتفاع قيمة الوحدات السكنية الخاصة بهم التي تضاعفت ثلاث مرات، وقد استفادت الحكومة كثيراً حيث باعت مساحات شاسعة من الأراضي للبناء.
الآن 70% من ثروة الأسر الصينية مقيدة بسبب استثمارهم في الممتلكات العقارية، مما يهدد الإيمان بمعجزة التنمية في الصين.
تجارة العقارات تشكل ما يقدر بنحو 25 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وقد انخفضت بنسبة 45% في يوليو عن العام الماضي، حيث تراجعت المبيعات بنسبة 33% وتراجع التمويل العقاري بنسبة 12%. ما حدث في قطاع العقارات ضرب صانعي الأثاث وعمال الصلب، في وقت حرج سياسياً، حيث يستعد شي جين بينغ، الزعيم الصيني، للتنصيب لفترة زمنية ثالثة في مؤتمر احتفالي في أكتوبر
أسباب الكارثة العقارية
كارثة الإسكان لها سببان: الأول هو قيام السلطات بقمع القطاع من خلال فرض “الخطوط الحمراء الثلاثة” في أغسطس 2020، حيث قيدت نسبة المطلوبات إلى الأصول، ونسبة صافي الدين إلى حقوق الملكية، ونسبة النقد إلى الالتزامات قصيرة الأجل.
هذه الاشتراطات أجبرت الكثير من الشركات على التوقف، حيث تعطل الاقتراض وانخفضت قيمة الممتلكات، مما حد بشدة من قدرة الشركات في بناء مشروعات جديدة. السبب الثاني، هو استراتيجية “صفر كوفيد”، حيث أجبرت السلطات المركزية عشرات المدن على الإغلاق لأيام أو أسابيع، فمنعت عمليات الإغلاق الأفراد من مشاهدة المنازل والقيام بعمليات الشراء.
بالإضافة إلى ذلك، كان للإغلاق تأثير على نفسية المشتري ورجال الأعمال، حيث خشى رجال الأعمال من الإغلاق فنظام مبيعات العقارات الصينية يعتمد بشكل كبير على الترويج وبيع المنازل قبل بنائها من أجل توفير السيولة، ما حدث في العام الماضي أن الشركات باعت أكثر من 90% من المنازل مسبقاً، وبسبب أزمة السندات والقروض وانخفاض المبيعات الجديدة، لم تتمكن الشركات من بناء المنازل المباعة في أي وقت لشركاتهم، وخشى الموظفون من التسريح، فانتشر الخوف عند البائع والمشتري والوسيط.
ورطة الشركات
تعثرت Evergrande، أكبر مطور عقاري في الصين بديون قياسية، ولحقها ما لا يقل عن 28 شركة عقارية مختلفة فقدت أموال المشترين أو بدأت في إعادة الهيكلة. تم تجميد التداول داخل أسهم 30 شركة بناء مدرجة في هونغ كونغ، تشكل 10٪ من السوق من خلال إجمالي المبيعات، وفي أوائل أغسطس، كانت نصف شركات البناء المدرجة في الصين تدر أرباحاً أقل من 0.5، وهو المدى الذي تم فيه تداول Evergrande قبل 4 أشهر من تعثرها.
انسحاب المشترين
انسحب مشتري المساكن المحتملين من السوق، خصوصاً بعد انتشار القلق في السوق، حيث لم يتم تسليم إلا 60% فقط المنازل التي تم بيعها خلال عامي 2013-2020م.
في يوليو الماضي، بدأت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة الرهن العقاري، من أجل إقناع الصينيين بتأخير عمليات الشراء أو وقف أموال الرهن العقاري.
لمواجهة ذلك، أدخلت الحكومات المحلية 304 إجراءات لإحياء الثقة وتحفيز عمليات الشراء، حيث قامت بتبسيط عملية الحصول على قروض عقارية، وإعطاء أولوية للأسر التي لديها أفراد مسنون بشراء شقق في حال انتقالهم من مدينة لمدينة. لقد اجتذبت هذه التنبيهات الموجهة إلى المستهلكين الكثير من الاهتمام، ليس لأنها أعادت إحياء الطلب، ولكن لأنها تبدو متناقضة مع تغطية الحكومة المركزية.
في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية في أغسطس، شوهد رئيس الحزب الشيوعي المحلي في مقاطعة هونان يدعو الأفراد لشراء أكبر عدد ممكن من المنازل: “هل اشتريت منزلاً ثالثًا؟ ثم اشترِ رابع”، وهي رسالة تتعارض مع الرسالة التي أرسلها الزعيم الصيني شي نفسه، الذي حذر من أن “المنازل للعيش فيها”.
محاولات الحل تزيد الأزمة
قامت العديد من الحكومات المحلية بإنشاء صناديق إنقاذ لمساعدة الشركات على الانتهاء من المنازل المباعة مسبقًا.
وأصدرت سلطات العاصمة توجيهاً إلى شركات البناء المتوقفة بأن تبدأ العمل مرة أخرى بحلول السادس من أكتوبر، على أن تقوم الشركات المتعثرة بتقديم طلب لإعادة الهيكلة بغرض الإعلان عن تمويل جديد، بالإضافة إلى سداد أي مدفوعات مقدمة من مشتري المنازل. بدأت الحكومة في شراء أسهم الشركات المتعثرة بسعر أقل من السوق، ومثال ذلك ما حدث في شركة Longfor، الذي اشترت أسهمها بالكامل شركة China Bond Insurance الحكومية.
كما وعدت الحكومة في نهاية أغسطس بتقديم قروض للشركات المتعثرة بقيمة 200 مليار يوان، من أجل أن تنتهي من المنازل المباعة مسبقًا، لكن هذا المبلغ يمثل 10٪ فقط من المطلوب لإنهاء جميع المنازل غير المكتملة في البلاد، حيث تم بيع ما قيمته 5 تريليون دولار من العقارات السكنية مسبقاً منذ عام 2020، مما يجعل عملية إنقاذ حتى جزء صغير من هذه المنازل باهظة الثمن للغاية.
هذه الإجراءات بمثابة سيف ذو حدين، فسوق تساعد في تقديم المنازل لمشتريها مسبقاً بعد توقف البناء وكذلك ستعمل على إعادة تشغيل صناديق الرهن العقاري مما يزيل الضغط عن البنوك. لكن في الوقت نفسه، تفتح الباب أمام الفساد والجرائم المالية.
فترة صعبة
فشلت جهود الحكومات المحلية لتشجيع المستثمرين على شراء المزيد من المنازل، بحسب الإيكونوميست، ولم تستطع صناديق الإنقاذ المحلية حل الأزمة.
محاولة بعض السلطات المحلية إلزام الشركات بإعادة العمل خلال شهر ستتسبب في إطلاق موجة من الانهيارات بين شركات البناء الصغيرة، مما يتسبب في حالة من الذعر والاضطراب النقدي. بدون تيسير “الخطوط الحمراء الثلاثة” بسرعة، أو تعهد الحكومة بالتصرف كمقرض الملاذ الأخير لجميع مهام الإسكان المتوقفة، فإن الوضع لن يتحسن.
رغم أن بكين كانت تخطط أثناء تطبيق “الخطوط الحمراء الثلاثة” لمعاقبة الشركات التي استولت على قدر كبير من الديون، إلا أن عملية الإنقاذ ستشجعهم على طلب المزيد من المساعدة والقروض لتشطيب المنازل، وهو “عكس ما كان مقصوداً تماماً من تطبيق الخطوط الحمراء الثلاثة”، كما يقول ألين فينج من وكالة التحليل Rhodium.
الإجراءات التي تقوم بها السلطات الصينية، محفوفة بالمخاطر، وقد تتسبب في انعدام الثقة العامة في المؤسسات المالية للصين بشكل يصعب تجاوزه، مما يجعل الفترة الثالثة لشي تبدأ في ظروف مشؤومة.