القاعدة تقر بأنها لم تعد وطالبان وحدة واحدة

  • لم تشر الافتتاحية إلى أي علاقة مباشرة تجمع طالبان بالقاعدة
  • طالبان لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها

لأول مرة منذ سيطرت طالبان على أفغانستان، بل منذ إبرام اتفاق الدوحة في فبراير ٢٠٢٠، تقر القاعدة بأنها لم تعد وطالبان وحدة واحدة — طالبان أنجزت ما عليها والقاعدة ستمضي إلى إنجاز ما عليها. هذا ما نفهمه من افتتاحية العدد السادس من مجلة ”أمة واحدة“ الصادرة عن القاعدة المركزية.

في الافتتاحية تبريك لطالبان على دخول كابول الثاني في أغسطس الماضي. وفيها نصائح لهم حتى يكونوا قوة عسكرية واقتصادية في المنطقة وحتى يحكموا بالعدل بين ناسهم الأفغان. الافتتاحية وإن احتفت بطالبان وما حققته في أفغانستان منذ أغسطس واعتبرته نتيجة حتمية لـ ”جهاد أمتنا المقدس“ إلا أن كاتبها سعى جاهداً لتأكيد ”أفغانية“ الإنجاز واستحقاق ”الشعب“ الأفغاني لهذا المنجز.

القاعدة تُقر بفك الارتباط مع طالبان

غلاف مجلة “أمة واحدة” الصادرة عن القاعدة المركزية، العدد السادس

 

وفي كل هذا، يلفت في هذه الافتتاحية مسائل ثلاث. أولاً، أن القاعدة تهنئ زعيم طالبان هيبة الله أخوندزادة بوصفه ”أمير المؤمنين“ من دون ذكر البيعة لا سابقة ولا متجددة؛ وكأن القاعدة تدرك أخيراً أن طالبان رفضت بيعتها.

زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، قدم البيعة لأخوندزادة في مايو عام ٢٠١٦ إثر قتل الملا أختر منصور. لم تعلن طالبان قبول البيعة خلافاً لما كان معهوداً عندما قدم الظواهري البيعة للملا أختر منصور في أغسطس ٢٠١٤. 

ثانياً، وللسبب ذاته تقر القاعدة لأول مرة بفك الارتباط مع طالبان بحسب بنود اتفاق الدوحة. في الصفحة ١١ من الافتتاحية، تعترف القاعدة بأن الجهاد ”توقف من أرض أفغانستان؛“ وتتعهد بمواصلته في مناطق ومن مناطق أخرى وبأنها سوف تستكمل ”برنامجها“ العالمي بغير استعانة من أحد.

القاعدة تُقر بفك الارتباط مع طالبان

افتتاحية العدد السادس، مجلة “أمة واحدة”

بحسب اتفاق الدوحة، فإن طالبان ”لن تسمح لأي من عناصرها أو أفراد آخرين أو جماعات بمن فيهم القاعدة، باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها.“

وثالثاً، لم تشر الافتتاحية إلى أي علاقة مباشرة تجمع طالبان بالقاعدة بخلاف ما اعتدناه في بيانات سابقة. في ”أمة واحدة“ اكتفت الافتتاحية الإشارة إلى ”جهادنا أمتنا“ والإشادة بالملا عمر باعتباره ”مدرسة“ تخرجت منها أجيال القاعدة. لكن الافتتاحية أشادت بالقبائل على الحدود بين باكستان وأفغانستان ودورها فيما أنجزته طالبان. وهذه المنطقة الحدودية معروف أنها ظلت معقلاً للقاعدة.

القاعدة تُقر بفك الارتباط مع طالبان

طالبان تقصم القاعدة

إذاً، سلوك طالبان خلال الأشهر الستة الماضية منذ سيطرتها على كابول لا يزال يعمّق الهوة بين أنصار القاعدة فيما بينهم، بينهم وقادة القاعدة، وبين المنظرين والقادة. الاضطراب في المفاهيم وردود الفعل وصل حداً مذهلاً. نتوقف عند منشورين لأبي محمد المقدسي الذي يعود على تويتر من حسابه ”العتيبي.“
الرجل لا يزال مؤيداً لطالبان لكنه يخشى أن يتحولوا إلى ”حماس“ أخرى: تدخل انتخابات، توالي إيران: تقبل مالهم وتسمي قتلاهم شهداء.
في المنشور الأول بتاريخ ٢٠ فبراير، يضع المقدسي نفسه موضع الناصح؛ ويكتب عن تصريحات طالبان الإعلامية وكيف يتعين عليهم أن يراعوا ”مشاعر المسلمين“ وهم يشكرون الدول التي تقدم لهم المساعدات مثل إيران والصين والهند وغيرها من دول يصفها بـ”أعداء المسلمين“ الذين ”ينكلون“ بالمسلمين سواء من ”الإيغور في الصين أو المسلمين في الهند أو السنة في الشام والعراق وإيران واليمن.“

القاعدة تُقر بفك الارتباط مع طالبان

لنتذكر أن سلوك طالبان تجاه هذه الدول لا يتعلق بتقديمها المساعدات، بل هو سلوك تجاه العالم بشكل عام. طالبان ماضية في تقاربها مع دول العالم والحصول على اعتراف دولي، غير آبهة بما يقول المقدسي وغيره من أنصار القاعدة.

أوضح مثال على الاختلاف في ”السياسة الشرعية“ هو سعي طالبان إلى الانضمام للأمم المتحدة فيما قال زعيم القاعدة أيمن الظواهري إن الانضمام إلى المنظمة الدولية بمثابة الكفر. 

في نوفمبر الماضي، نشرت السحاب تسجيلاً مرئياً اجتهد فيه الظواهري لتبيان أن الأمم المتحدة والمؤسسات والاتفاقيات المنبثقة عنها ”تتناقض مع الشريعة،“ وبالتالي فمن ينضمّ إليها هو بالضرورة ”يقبل بالتحاكم لغير الشريعة،“ وهو بذلك ”ارتضى أن يوحد جهوده مع الكفار.“

من هنا تأتي أهمية المنشور الثاني للمقدسي المؤرخ في ٨ فبراير والذي جاء على ما يبدو تعليقاً على هذه العلاقة مع العالم. الخلاصة أن المقدسي يرفض الاستدلال بأقوال أو أفعال جهاديين مشاهير حتى إن كانوا أسامة بن لادن أو الملا عمر إن خالف ذلك ما يَعتبرُه الرجل أنه ”حق وصواب؛“ أي أن سعي الملا عمر إلى الانضمام للأمم المتحدة مثلاً إبان الولاية الأولى لطالبان لا يُستدل به على صواب الانضمام إلى المنظمة الدولية.

القاعدة تُقر بفك الارتباط مع طالبان

يتألف المنشور من جزئين. الجزء الأول هو مقال طويل لا نعلم من كتبه يحاول كاتبه تفنيد مزاعم داعش بأن طالبان انحرفوا عن نهج الملا عمر. خلاصة المقال أن ما يراه داعش مخالفة شرعية يرتكبها طالبان اليوم هو في الواقع نهج اتبعه الملا عمر نفسه؛ وأن هذه المخالفة لم تمنع أسامة بن لادن من مبايعة الرجل، ولم تمنع زعماء داعش أنفسهم من مبايعة الجماعة. 

يفصل الكاتب هذه المخالفات ويوثقها. ويمكن تلخيصها بأن طالبان في الولاية الأولى قبل الغزو الأمريكي في ٢٠٠١ لم يكفروا أنظمة عربية؛ ولم يسمحوا بشن هجمات ضد الغير من أراضيهم؛ وسعوا إلى الأمم المتحدة؛ ولم ينبذوا الشيعة. 

ويخلص الكاتب إلى أنه ”إن كانت تلك المآخذ دليلاً على كفر و عمالة ‘طالبان اليوم‘ ، فهي دليل على كفر و ردة  وعمالة ‘طالبان أمس؛‘ بل دليل على كفر و ردة و عمالة كل من كان يوالي ‘طالبان أمس‘ كتنظيم القاعدة زمن أسامة بن لادن و تنظيم الدولة (داعش) زمن أبي عمر البغدادي.“

مرة أخرى، الكاتب معنيٌ بفضح ضعف حجة داعش الذين يوالون هذا يوماً ويكفرونه اليوم التالي. لكن، ماذا عن القاعدة قيادة وأنصار؟ أليست حجتهم ضعيفة ذات الضعف؟ 

وهنا نأتي إلى الجزء الثاني من تغريدة المقدسي. يقول إن ”الاستدلال بفعل .. أسامة (بن لادن) أو الملا عمر أو غيرهم من المشاهير جهالة“ على أساس أنهم ”ليسوا بمعصومين“ عن الخطأ وبالتالي فإن ”معارضة الأدلة الصحيحة بأقوال (هؤلاء) فضلاً عن أفعالهم ضلالة.“ 

 

الظواهري غائب غائب

إذاً، هذه الحوادث الموثقة في المقال مخالفات شرعية وازنة؛ واستخدام المقدسي ألفاظاً مثل ”جهالة“ ومماراة“ و“ضلالة“ استخدام مهم. ماذا يعني هذا لأنصار القاعدة؟ إن هم قبلوا هذه المخالفات فهم مخالفون؛ وإن رفضوها فهم يرفضون زعماءهم الذين يعتدون بهم؟ 

وهنا نأتي إلى الحلقة الرابعة من سلسلة صفقة القرن التي بثتها ذراع القاعدة الإعلامية السحاب هذا الأسبوع. يخصص كبير القاعدة، الظواهري، هذه الحلقة للحديث عن صفات القيادة التي تنهض بالأمة، يستشهد بصفات رجال مثل الملا عمر وأسامة بن لادن على أساس محاربتهما أمريكا. فأين هذا الكلام إذاً مما جاء في منشور المقدسي؛ ومما يتداوله أنصار القاعدة؟!