الاتحاد السوفيتي كان غير قابل للاستمرار بسبب بنيته المتهالكة
- 25 ديسمبر 1995.. استقال ميخائيل غورباتشوف آخر زعيم سوفيتي
- 26 ديسمبر 1995.. اعترف مجلس السوفيت الأعلى باستقلال 15 دولة
في مقابلة له مع وكالة فرانس برس؛ في ذروة التوترات مع موسكو، اعتبر سكرتير مجلس الأمن القومي الأوكراني أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يريد تدمير أوكرانيا” و”إحياء الاتحاد السوفيتي”، مؤكدًا أن هذا المشروع (إحياء الاتحاد السوفيتي) محكوم عليه بالفشل- لكن لماذا انهار أصلا الاتحاد السوفيتي؟
ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم سوفيتي، وفي قرار غير كثيرًا من المشهد العالمي، قدم استقالته رسميًا من منصب رئيس الاتحاد السوفيتي، وذلك في الخامس والعشرين من ديسمبر من العام 1991م.
بعدها بيوم واحد، في 26 ديسمبر؛ اعترف مجلس السوفيت الأعلى، باستقلال 15 دولة، وبالتالي أنهى وجود الاتحاد السوفيتي.
في يوم من الأيام، كان العلم الأحمر؛ الذي يحمل المطرقة والمنجل، رمزًا لواحدة من أقوى دول العالم، ولكن تم إنزاله من فوق قصر الكرملين بلا رجعة.
وصل غورباتشوف إلى السلطة في عام 1985 وكان يبلغ من العمر 54 عاماً.
وبدأ سلسلةً من الإصلاحات لبث حياة جديدة في البلاد التي كانت تعاني من الركود.
يجادل الكثيرون بأن هذه الإصلاحات التي عرفت باسم البيريسترويكا (إعادة البناء والهيكلة) والغلاسنوست (الانفتاح وحرية التعبير) أدت إلى زوال البلاد.
ويقول آخرون إن الاتحاد السوفيتي كان غير قابل للاستمرار بسبب بنيته المتهالكة.
ما علاقة الاقتصاد بانهيار الاتحاد؟
كان اقتصاد البلاد مخططاً مركزياً على عكس اقتصادات السوق في معظم البلدان الأخرى. وكان يعد من أكبر مشاكل الاتحاد السوفيتي.
في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابق، كانت الدولة تقرر مقدار ما يجب إنتاجه من كل شيء (عدد السيارات أو أزواج الأحذية أو أرغفة الخبز).
وكانت الدولة عدد الأشياء التي يحتاجها كل مواطن، وكم يجب أن تكون كلفة كل شيء وكم يجب أن يدفع للناس ثمناً لها!
نظرياً كان يفترض أن يكون هذا النظام فعالا وعادلا لكنه في الواقع كان بالكاد يعمل.
كان العرض دائماً أقل من الطلب وكان المال غالباً بلا قيمة.
لم يكن الكثير من الناس في الاتحاد السوفيتي فقراء تماماً، لكنهم ببساطة لم يتمكنوا من الحصول على السلع الأساسية لأنه لم يكن هناك ما يكفي منها.
لشراء سيارة، كان عليك أن تكون على قائمة الانتظار لسنوات. لشراء معطف أو زوج من الأحذية الشتوية غالباً ما كان عليك الانتظار لساعات لتجد أن مقاسك قد نفد من المخزن.
في الاتحاد السوفيتي لم يتحدث الناس عن شراء شيء ما، لكن عن الحصول عليه .
كما لعب استكشاف الفضاء وسباق التسلح بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والذي بدأ في أواخر الخمسينيات من القرن الماضين دورا كبيرا في الإسراع في الانهيار الاقتصادي.
ظلت السلع الاستهلاكية شحيحة وارتفع معدل التضخم بشكل كبير.
في عام 1990 أدخلت السلطات إصلاحاً نقدياً قضى على مدخرات ملايين الأشخاص على الرغم من ضآلتها، لذلك ساد شعور قوي بالإحباط من سياسات الحكومة.
كان لنقص السلع الاستهلاكية تأثير دائم على تفكير سكان البلاد خلال مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي. وحتى الآن لا يزال الخوف من فقدان الضروريات الأساسية واسع الانتشار.
الأيديولوجيا
كانت سياسة الغلاسنوست، التي انتهجها غورباتشوف، تهدف إلى السماح بقدر أكبر من حرية التعبير في بلد قضى عقودا في ظل نظام قمعي حيث كان الناس خائفين جداً من الإفصاح عن أفكارهم أو طرح الأسئلة أو الشكوى.
تم فتح أرشيف الدولة الذي أظهر الحجم الحقيقي للقمع، في عهد جوزيف ستالين (الزعيم السوفيتي بين عامي 1924 و 1953) حيث قتل خلال تلك الفترة ملايين الأشخاص.
شجع غورباتشوف، على مناقشة مستقبل الاتحاد السوفيتي وهياكل سلطته وكيفية إصلاحها للمضي قدما.
حتى أنه أثار فكرة التعددية الحزبية متحديا هيمنة الحزب الشيوعي.
بدلاً من إدخال إصلاحات على النظام، دفع ما كشف عنه أرشيف الدولة الكثيرين في الاتحاد السوفييتي إلى الاعتقاد بأن النظام الذي يحكمه الحزب الشيوعي حيث يتم تعيين جميع المسؤولين
الحكوميين أو انتخابهم من خلال انتخابات غير تنافسية غير فعال وقمعي وعرضة للفساد.
حاولت حكومة غورباتشوف على وجه السرعة إدخال بعض عناصر الحرية والعدالة في العملية الانتخابية لكن الأوان كان قد فات.
مدى تأثير ذلك على اليوم
أدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، في وقت مبكر أهمية وجود فكرة وطنية قوية خاصة بالنسبة لحكومة ليست شفافة وديمقراطية تماماً.
لقد استخدم رموزاً وشعارات ومبادئ من عصور مختلفة من الماضي الروسي والسوفيتي لتعزيز موقع الرئاسة في روسيا وجعله رمزاً للكرامة الوطنية.
ومن أبرز الجوانب التي تم التركيز عليها لهذا الغرض ثروة وسحر الإمبراطورية الروسية والبطولة والتضحية لتحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية في ظل حكم ستالين، والاستقرار في السبعينيات
من القرن الماضي، وتم الربط بينها بشكل انتقائي لتصبح مصدراً للفخر وللوطنية ولحرف الأنظار عن المشاكل العديدة التي يواجهها المواطن الروسي في حياته اليومية.
الروح القومية
كان الاتحاد السوفيتي دولة متعددة القوميات ووريثة الإمبراطورية الروسية. كان يتألف من 15 جمهورية تتمتع نظرياً بحقوق متساوية كأمم شقيقة.
على أرض الواقع كانت روسيا هي الأكبر والأقوى إلى حد بعيد وسيطرت اللغة والثقافة الروسية في العديد من المجالات.
سمحت سياسة الغلاسنوست، لأبناء العديد من الجمهوريات الأخرى بمعرفة القمع القومي الذي تعرضت له سابقاً مثل المجاعة الأوكرانية في الثلاثينيات من القرن الماضي والاستيلاء على دول
البلطيق وغرب أوكرانيا بموجب اتفاقية الصداقة السوفيتية النازية والترحيل القسري للعديد من المجموعات العرقية خلال الحرب العالمية الثانية.
أدت هذه الأحداث والعديد من الأحداث الأخرى إلى تعزير النزعة القومية والمطالبة بتقرير المصير.
تعرضت فكرة الاتحاد السوفيتي كعائلة أمم سعيدة للتقويض والمحاولات المتسرعة لإصلاح الاتحاد من خلال تقديم المزيد من الاستقلال الذاتي للجمهوريات كانت غير كافية وفات أوانها.
التوتر بين روسيا التي تعمل بشكل حثيث للحفاظ على دورها المركزي ومجال نفوذها من جهة والعديد من الدول التي نشأت خلال المرحلة التي تلت أنهيار الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى لا يزال قائما.
لا تزال العلاقات المتوترة بين موسكو ودول البلطيق وجورجيا مؤخراً والتداعيات الوخيمة للأزمة بين روسيا وأوكرانيا تفرض نفسها بقوة على المشهد الجيوسياسي في أوروبا وخارجها.
خسارة القلوب والعقول
كان يقال للمواطن السوفيتي لعقود أن الغرب “متعفن” وأن المواطن الغربي يعاني من الفقر والمهانة في ظل الحكومات الرأسمالية.
تعرضت هذه المقولة للتشكيك المتزايد في أواخر الثمانينيات عندما نما السفر والاتصال المباشر بين الناس العاديين.
تبين للمواطنين السوفيت أن مستوى المعيشة والحرية الشخصية ودولة الرفاهية في العديد من البلدان الأخرى يتجاوز إلى حد بعيد تلك الموجودة في بلدهم.
كما تمكنوا من رؤية ما حاولت سلطات بلادهم إخفاءه عنهم لسنوات من خلال حظر السفر الدولي والتشويش على المحطات الإذاعية الأجنبية مثل الخدمة العالمية في بي بي سي وفرض الرقابة على أي أدب وأفلام أجنبية يدخل الاتحاد السوفيتي.
يعود الفضل إلى غورباتشوف في إنهاء الحرب الباردة وإيقاف خطر المواجهة النووية من خلال تحسين العلاقات مع الغرب وكان من بين نتائج هذه العلاقات الجيدة أن الشعب السوفيتي أدرك مدى رداءة مستوى معيشتهم مقارنة بمستوى معيشة مواطني البلدان الأخرى.
بات غورباتشوف يتمتع بشعبية متزايدة في الخارج بينما يواجه انتقادات متزايدة في الداخل.
مدى تأثير ذلك على اليوم
أصبحت الحكومة الروسية بارعة في التلاعب بالرسائل الإعلامية لخدمة مصلحتها.
لتجنب المقارنات التي ليست في صالحها مع بقية العالم غالبا ما يتم التعريف بروسيا على أنها فريدة من نوعها ثقافيا وتاريخيا محاطة بأصحاب النوايا الشريرة وهي تقاومهم بمفردها.
تُستغل الإنجازات العلمية والنصر في الحرب العالمية الثانية والتراث الثقافي بشكل مستمر في الروايات الإعلامية للدعاية لرسالة الاستثناء القومي الروسي في أوساط المواطنين الروس العاديين لحرف إنتباههم عن المشاكل اليومية التي يواجهونها.
5- القيادة
أدرك غورباتشوف أن هناك حاجة الى التغيير الجذري لوقف المزيد من التدهور في الاقتصاد السوفيتي والروح المعنوية العامة، لكن رؤيته لكيفية تحقيق ذلك ربما كانت تفتقر إلى الوضوح.
من خلال إنهاء الحرب الباردة، أصبح بطلاً لدى العالم الخارجي ولكن في الداخل تعرض لانتقادات من قبل الإصلاحيين الذين شعروا أنه لم يستغل زمام المبادرة جيداً ومن قبل المحافظين الذين شعروا أنه ذهب بعيداً في اصلاحاته ونتيجة لذلك اقصى كلا المعسكرين.
نفذ المحافظون انقلابًا فاشلاً في أغسطس/ آب 1991 لإزاحة غورباتشوف عن السلطة.
بدلاً من إنقاذ الاتحاد السوفيتي عجلت محاولة الإنقلاب الفاشلة بزواله. بعد أقل من ثلاثة أيام حاول قادة الانقلاب الفرار من البلاد وعاد غورباتشوف إلى السلطة ولكن لفترة وجيزة فقط.
برز على الساحة قادة سياسيون من أمثال بوريس يلتسين في روسيا وزعماء في الجمهوريات السوفيتية السابقة.
في الأشهر التالية أجرت العديد من الجمهوريات استفتاءات خاصة بالاستقلال وبحلول كانون الأول/ ديسمبر واجهت الدولة العظمى مصيرها المحتوم.
مدى تأثير ذلك على اليوم
الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين هو أحد حكام روسيا الأكثر بقاء في السلطة. أحد أسرار طول فترة بقائه في سدة السلطة هو أنه يضع مصلحة روسيا في المقام الأول أو على الأقل هكذا يدعي.
بينما تعرض ميخائيل غورباتشوف لانتقادات بسبب تخليه من جانب واحد عن العديد من مواقع القوة التي اكتسبها الاتحاد السوفيتي السابق بشق الأنفس مثل الانسحاب السريع للقوات السوفيتية من ألمانيا الشرقية، يحارب فلاديمير بوتين بكل ما في وسعه من أجل ما يعتقد أنها مصالح روسية.
كان بوتين ضابطاً في جهاز المخابرات السوفيتية السابق كي جي بي، في ألمانيا الشرقية عندما سقط جدار برلين وشهد بنفسه فوضى الانسحاب السوفيتي.
وبعد مرور ثلاثين عاماً، يعارض بشكل قاطع اقتراب الناتو من الحدود الروسية وهو مستعد لاستخدام القوة لدعم موقفه، كما يدل على ذلك التعزيز الأخير للقوات الروسية بالقرب من حدود أوكرانيا.