روسيا والصين وجهان لعملة واحدة في قمع الأقليات
- أقلية الإيغور تعاني من قمع الصين الدموي
- تاريخ مليء بالاضطهاد يعاني منه المسلمين التتار من قبل روسيا
- روسيا تحاول محو عقيدة التتار أسوة لما يتعرض له الإيغور على يد الصين
- مقتل الآف التتار على يد السلطات الروسية على مر العقود
- احتلال روسيا للقرم فاقم من اضطهاد التتار
في الوقت الذي يشن النظام الشيوعي الصيني حملة قمع ضد أقلية الإيغور المسلمة، في الصين، والتي يبلغ عدد أفرادها نحو 11 مليون نسمة، وتم إجبار نحو مليون منهم على الالتحاق بما يسمى معسكرات إعادة التأهيل، في المقابل وفي ميانمار، تم إجبار أقلية الروهينغا المسلمة على ترك موطنها والنزوح إلى بنغلاديش، في عام 2017، بعد أن فروا من القرى المحترقة والاغتصاب والمذابح. وأُجبر نحو 750 ألفاً منهم على ترك منازلهم.
وفي حين استقطبت كلتا المجموعتين اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وحازت تغطيات إعلامية تستحقها، إلا أن هناك أقلية مسلمة أخرى تواجه التطهير العرقي، ولم تحظَ محنتها بالاهتمام الذي تستحقه. الأمر يتعلق بأقلية التتار شبه جزيرة القرم.
في السنوات التي تلت ضم روسيا للقرم، وعزل الموانئ المربحة بعيداً عن أوكرانيا، تحطمت حياة 250 ألفاً من مسلمي التتار في القرم، و حُرم التتار من العمل، ومن لغتهم، وتم حظر صحفهم وطريقة حياتهم في محاولة لإبعادهم عن شبه الجزيرة.
واجه السكان الأصليون في القرم، المسلمون تتار القرم، تحديات هائلة لأجيال، وعانوا من الترحيل الجماعي من قبل النظام السوفيتي في عام 1944 تلاه جيلان من المنفى في آسيا الوسطى ، قبل أن يعودوا إلى ديارهم لإعادة بناء حياتهم من الصفر في أوكرانيا المستقلة.
روسيا تعمل على اضطهاد التتار منذ احتلال القرم عام 2014
في الآونة الأخيرة، عانى التتار من ضغوط واضطهاد متواصلين من قبل سلطات الاحتلال الروسية على مدى السنوات الماضية منذ الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا عام 2014.
في الوقت الذي حاولت فيه سلطات الاحتلال الروسية فصل وعزل نشطاء حقوق الإنسان ، شكل مجتمع تتار القرم منظمة Crimean Solidarity ، وهي منظمة غير حكومية تناضل من أجل حرية السجناء السياسيين في القرم وتوفر معلومات لا يسيطر عليها الاتحاد الروسي.
نظرًا لاحتجاز العديد من رجال تتار القرم والحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة ، هناك مجتمع متزايد من نساء تتار القرم يكسرن الصور النمطية التي يعامل النساء على أنها تابعة، في النضال من أجل البقاء والحرية ، وعبر منظمات مثل Crimea Solidarity ، تتولى نساء تتار القرم بشكل متزايد أدوارًا قيادية.
في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا ، أصبح من الصعب بشكل متزايد أن تعيش حياة حرة، أولئك الذين يتحدثون ضد النظام الروسي أو يظهرون دعمهم لأوكرانيا يتم إسكاتهم وسجنهم على الفور.
تتار القرم ليسوا وحدهم الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل الروس في شبه جزيرة القرم، لكنهم يمثلون نسبة عالية بشكل مذهل من المستهدفين، مقارنة بنسبة 13٪ قبل الاحتلال من سكان شبه الجزيرة.
مرة واحدة في الشهر على الأقل ، يُحكم على ناشط جديد أو مجموعة من تتار القرم بالسجن، ويمكن أن تكون الحياة الدينية النشطة كافية لتوجيه اتهامات بالإرهاب وعقوبات تصل إلى 20 عامًا.
وبمجرد اعتقالهم في روسيا ، يواجه السجناء السياسيون التتار القرم ظروفا قاسية بما في ذلك التعذيب، حيث تم اعتقال أكثر من 100 رجل من تتار القرم ، تاركين زوجاتهم لرعاية أسرهم.
على زوجات السجناء السياسيين القيام بدور الأب والأم في تربية الأبناء. وهذا يعني أن تصبح معيلًا للأسرة وأن تناضل من أجل العدالة بينما تواجه تقنيات الإسلاموفوبيا والتمييز على أساس الجنس والتحيز والتخويف.
وقد يكون العالم قد سمع عن استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 ولكن ربما لم يتابعوا بالضرورة ما حدث منذ ذلك الحين، حتى الأشخاص الذين يعيشون في أوكرانيا لا يعرفون في كثير من الأحيان حالات محددة للاعتقال والتعذيب والقتل ، أو بحركة المقاومة السلمية.
وتعمد روسيا على قمع وسائل الإعلام المستقلة من أجل منع الاعتراض على رواية التضليل الروسية بأن القرم قد أعيدت بشكل صحيح إلى روسيا وأن سكان القرم أيدوا هذه الخطوة.
يجب أن يكون العدوان الروسي المستمر في شرق أوكرانيا واحتلال القرم من أولويات المجتمع الدولي، حيث انتهكت روسيا مرارًا وتجاهلت ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي ومبادئ قانون هلسنكي. هذا يقوض أمن أوروبا ككل ويمثل سابقة كارثية محتملة لمستقبل العلاقات الدولية بشكل عام.
كما تسببت تصرفات روسيا في العديد من انتهاكات حقوق الإنسان ، حيث عرّضت مواطني القرم للاضطهاد الجائر والاعتقال والتعذيب والقتل.
الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قرارين في كانون الأول (ديسمبر) 2020 يسلطان الضوء على وجه التحديد على انتهاكات حقوق الإنسان والأمن الروسية في شبه جزيرة القرم ، ولكن هناك حاجة إلى المزيد. إذا سُمح لروسيا بانتهاك القانون الدولي دون عواقب ، فستستمر موسكو في تجاوز الحدود وايقاع المزيد من الضحايا.
تتار القرم.. تاريخ مليء بالاضطهاد
هذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها التتار الاضطهاد، فهم شعب مسلم واجهت لغتهم وثقافتهم وتاريخهم محواً قسرياً على مدى قرون.
وتعرض سكان شبه جزيرة القرم “الثمينة” منذ القرن الثالث عشر للهجوم مرة أخرى، بسبب عرقهم ودينهم، وأكثر من ذلك بسبب المياه.
فالقرم محاطة بالكامل بالمياه، وتقع على البحر الأسود وبحر آزوف، ولا عجب أن المنطقة الشمالية غير الساحلية الروسية تتطلع إلى المنطقة طوال قرون عدة.
بدأت المشكلات أوائل سبعينات القرن السابع عشر، عندما قامت “كاثرين العظيمة” بالسيطرة على شبه جزيرة القرم، والتي كانت آنذاك جزءاً من الإمبراطورية العثمانية.
وكانت تعرف باسم “خانيا القرم” حيث هاجمت كاثرين المنطقة، واستولت على الموانئ الرئيسية، وبدأت عملية إعادة التنظيم السياسي، التي شملت استبدال الحاكم التتاري بحاكم روسي، وقامت بتوزيع الأراضي على المسؤولين الروس والنبلاء، وشجعت كاثرين تنقل الروس من الداخل إلى شبه الجزيرة، والتي كان يسكنها أكثر من ربع مليون تتاري، وشكل المسلمون نحو 85% من السكان.
وفي عام 1783، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وكان هذا الضم سبب الموجة الأولى من هجرة التتار.
في البداية، غادر ما بين 8 و10 آلاف من التتار، معظمهم من النبلاء، إلى أماكن أخرى في الإمبراطورية العثمانية.
وفي عام 1853، عندما انطلقت روسيا لتوسيع إمبراطوريتها خارج شبه جزيرة القرم، إلى نهر الدانوب، نشر العثمانيون قوة عسكرية لمنعهم، وعلى مدار العامين المقبلين، انضمت بريطانيا وفرنسا وسردينيا إلى ما أصبح يعرف باسم حرب القرم.
خسرت روسيا ثم سعت إلى الانتقام من السكان التتاريين، الذين اتهمهم النظام القيصري بتحريض الأتراك والتعاون معهم، وفرضوا استخدام اللغة الروسية على السكان، واستبدلوا أسماء التتار، وأسماء الأماكن بأسماء روسية.
بعد قرن تقريباً، حوّل حاكم روسي آخر انتباهه إلى شبه جزيرة القرم، وكزعيم أعلى للحزب الشيوعي السوفييتي، بدأ جوزيف ستالين في القضاء على المثقفين التتار.
كان هؤلاء المفكرون يعملون على إحياء لغة التتار وثقافتهم والدعوة إلى تقرير المصير.
وفي عام 1927، أطلق عليهم ستالين اسم “القوميين البرجوازيين”، وقاموا بجمع ما يصل إلى 40 ألفاً من التتار، وأرسلوهم إلى معسكرات العمل في سيبيريا.
بعدها أطلق ستالين عملية تطهير عرقي أكثر شمولية للتتار، وقام بترحيلهم إلى آسيا الوسطى – أوزبكستان، حيث مات نصفهم في الطريق بسبب المرض والجوع، حسب بعض التقديرات.
وتمكن آلاف عدة من التتار من الفرار إلى تركيا وأوروبا، والبعض، انتهى بهم المطاف في الولايات المتحدة.
شعب مظلوم
لم يُسمح لأي منهم بالعودة حتى عام 1989، عندما اعترف الزعيم السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، بتتار القرم كشعب مظلوم تم ترحيله بشكل غير قانوني.
وبحلول ذلك الوقت قضت القرم نصف قرن كجزء من أوكرانيا، وفي عام 1954، كان الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، يستعد للاحتفال بالذكرى السنوية 300 لتكامل أوكرانيا مع الإمبراطورية الروسية.
وبدأ التتار في العودة إلى شبه جزيرة القرم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وقد وجد الآلاف منهم أن وطنهم قد أُعيد توطينه بالكامل من قبل الروس، ومع ذلك، التزموا بإعادة بناء وإحياء تراث القرم التتاري، وأنشؤوا هيئة سياسية خاصة بهم، ولعبت هذه الهيئة دور سفارة التتار، وكجهة عملت على استعادة حقوق التتار وتقرير مصيرهم.
الاضطهاد الحديث للتتار
وفي فبراير 2014، اجتاحت روسيا شبه جزيرة القرم، وانتزعتها من أوكرانيا.
وبدأ الروس في مضايقة التتار، خصوصاً بعد أن أجرت موسكو استفتاء في مارس 2014، وهو تصويت يهدف إلى تحديد مستقبل شبه الجزيرة -إما كجزء من الاتحاد الروسي، أو تابعة لأوكرانيا-، وكان التصويت، كما لاحظت وزارة الخارجية الأميركية، مزوراً ليكون ذريعة لغزو غير قانوني وعنيف.
وعارض التتار ذلك بشدة؛ وتم القبض على العديد من نشطاء التتار والصحافيين، واختفى العديد منهم؛ وتم اختطاف الناشط السياسي، رشاد أميتوف، الذي كان يقوم بحملة ضد الاستفتاء وغزو روسيا، أمام مبنى مجلس الوزراء في سيمفيروبول، عاصمة القرم، وتم العثور على جثة الناشط البالغ من العمر 39 عاماً بعد أسبوعين، وبقي اغتياله غامضاً.
لاحقاً، تم إغلاق صحف التتار ومحطات الإذاعة والتلفزيون. وتم حظر تعليم لغة القرم.
وفي أبريل 2014، مُنع زعيم التتار، مصطفى زميليف، من الدخول إلى شبه جزيرة القرم بعد أن كان في الخارج أثناء الاستفتاء، و بات في المنفى منذ ذلك الحين.
وفي 2016، قام الروس بحظر الهيئة ، ووصفوه بأنه تنظيم خطير ومتطرف؛ واعتقلوا منذ ذلك الحين العديد من التتار، متهمين إياهم بالتعاطف مع الإرهابيين، أو بالانتماء لجماعات متطرفة.
انتهاكات جسيمة وواضحة
يقول التتار، الذين يعيشون في الولايات المتحدة، إنهم يخشون على عائلاتهم وأصدقائهم في شبه جزيرة القرم، الذين يواجهون تمييزاً يومياً، إذ فقد الكثير منهم وظائفهم وباتوا غير قادرين على إيجاد وظائف جديدة.
أصحاب الأعمال الذين يخشون رد الفعل الروسي، ولا يوظفون التتار، ولقد تم اقتحام المنازل والشركات التجارية التتارية، وفي بعض الحالات، تم الاستيلاء عليها.
وأشار تقرير صادر في فبراير عن المفوض السامي لحقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إلى أن “حالة حقوق الإنسان في القرم لا تزال تتدهور، كنتيجة مباشرة لتطبيق سلطات الاتحاد الروسي قوانينها ضد سكان القرم في انتهاك واضح لاتفاقية جنيف الرابعة، وغيرها من انتهاكات القانون الإنساني الدولي”.
اليوم، هناك 250 ألفاً من التتار في شبه جزيرة القرم؛ لكن بينما كان التتار في القرن الثامن عشر 80% من السكان، فإنهم يشكلون اليوم نحو 12%.
ودانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ورفضت الاعتراف به.
وصرح الحلف بأن “شبه جزيرة القرم، هي أرض أوكرانية”.
وعام 2018 ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو موسكو إلى الانسحاب من الإقليم، وقامت أمريكا والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا بسبب عدوانها، ومع ذلك، كل هذه التدابير لم تغير الواقع. وبينما انتهكت روسيا القانون الدولي، لم يتخذ أي شخص إجراءً جاداً كرد فعل.
علاوة على ذلك، لم يتحرك أحد لوقف التطهير الثقافي والعرقي البطيء لتتار القرم. ولايزال الغرب ومؤسساته التي أنشئت للدفاع عن حقوق الإنسان والشعوب يتخذ موقع المتفرج غير مبالٍ بما يحدث لقد تخلوا عن العدالة، ومعها تتار القرم.
اعتقلت السلطات الروسية ما لا يقل عن 23 من تتار القرم، للاشتباه في كونهم أعضاء في “جماعة محظورة”.
في مارس الماضي، دهم جهاز الأمن الفيدرالي منازل 25 من التتار في سيمفيروبول، المتهمين هم تسعة نشطاء في حركة “تضامن القرم”، تم إيداعهم الحبس الاحتياطي بتهمة الانتماء إلى “تنظيم إرهابي”.