شي جين بينغ يستخدم الحزب لتكريس حكمه وخدمة مجده

تحل اليوم الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني الذي يشغل الرئيس الصيني شي جين بينغ منصب الأمين العام له، وهو الحزب الحاكم بجمهورية الصين الشعبية والذي تأسس في الأول من يوليو عام 1921 وعقد أول مؤتمر عام له في الثالث والعشرين من يوليو من نفس العام  باجتماع شارك فيه 13 شخصا منهم مؤسس الجمهورية الشعبية لاحقا ماو تسي تونغ بسرية تامة في شنغهاي ويعد الحزب الشوعي الصيني ثاني أكبر حزب في العالم حيث يضم ما يقرب من 92 مليون عضوا، ليأت بعد حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الحزب القومي الهندوسي “بهاراتيا جاناتا”، الذي يضم 180 مليون عضو.

ويقوم الحزب الشيوعي المبني على مزج مبادئ الشيوعية لدى ماركس ولينين على أربعة مبادئ رئيسية هي:

التمسك بخط الحزب الشيوعي، والتمسك بتحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع، التمسك بخدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، والتمسك بنظام المركزية الديمقراطية.

وخلال ما يزيد عن ثمانية أعوام قام الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ بهدم العديد من مبادئ الحزب الشيوعي الصيني سواء في مجال الاقتصاد أو حرية الفكر والتعبير وطلب الحقيقة أو مبادئ الديمقراطية

 إلغاء فترة الرئاسة وإدراج أفكاره بالدستور والمناهج الدراسة

كرس شي جين بينغ إمكانيات الحزب الشيوعي الصيني وتأثيره بالشارع للإمساك بكل مقابض السلطة بيده، لدرجة جعلت بعض المعارضين له يطلقون عليه اسم “الامبراطور الأحمر”،حيث يقوم الرئيس شي جين بينج بمحو أي أثر للرئيس الاصلاحي دنغ شياوبنغ الذي وضع مادة لتحديد فترة الرئاسة بالدستور الصيني عام 1982 وطبقها أولا على نفسه اي نهى فترته الثانية في الحكم عام 1992، وهي نفسها المادة التي وقف شي وراء إلغائها ففي بداية عام 2018 وبينما كان شي على وشك إتمام فترة رئاسته الأولى حث اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي الصيني الحاكم على  اجراء تعديلات دستورية تضمنت إلغاء تحديد فترات الرئاسة بفترتين رئاسيتين لكل حكام الصين الشعبية مدة كل منها 5 سنوات.

ولم يكن من الصعب أن يقوم الحزب بهذه الخطوة للحفاظ على تشي حاكما مدى الحياة بعد أن  صارت السلطات داخل أروقة الحزب الحاكم في بكين  مجمعة في يد شي وصار يشغل مناصب عدة على رأس الحزب والدولة منها منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصينيّ، ورئيس جمهورية الصين الشعبية، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينيّة، ويُشار إليه بلقب زعيم الصين الأعظم وذلك بحكم منصبه في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي  في الحزب الشيوعي الصيني التي تعتبر أعلى هيئة لصنع القرار في الصين.

أحكم شي جين بينغ سيطرته على اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وكان وراء إصدارها لمجموعة من القرارات لتغيير لائحة الحزب ومنها تسللت إلى تعديل الدستور الصيني المبني على لوائح الحزب الشيوعي الصيني في الأساس  حيث قامت اللجنة بالغاء القيد الدستوري الذي يقضي بأنه لا يحق لرئيس البلاد ونائبه أن يمكثا في منصبيهما أكثر من فترتين متتاليتين مدة كل منهما 5 سنوات، ثم كان القرار الثاني من نفس اللجنة المركزية وفي نفس توقيت تعديل مادة فترة الرئاسة بالدستور، تم إدراج أفكار وتوجيهات جين بينج في دستور البلاد عقب تضمينها في لائحة الحزب الشيوعي الصيني في اكتوبر من عام 2017 وهو ما لم يحدث لرئيس صيني في حياته بعد ماوتسي تونغ وحتى مع دينغ شياو بينغ الرئيس الإصلاحي الذي حكم بين عامي 1978 حتى عام 1992 تم تضمين أفكاره بالدستور عقب وفاته عرفانا بأفكاره الإصلاحية داخل الحزب الحاكم والتي تداركت كثيرا من أخطاء عهد ماوتسي تونغ.

جاءت تلك القرارات بعد أن وقف شي جين بينغ أمام 2300 عضوا من ممثلي الحزي الشيوعي الحاكم خاطبا فيهم بصوت حاسم مهدد كل من يقف أمام طموحه بمجد مماثل لمجد ماو تسي يونغ:

سوف أتصدي بكل حزم لأية أقوال أو أفعال من شأنها أن  تقوض سلطة الحزب والنظام الاشتراكي

هكذا قال الرئيس الصيني شي في خطابه الذي ألقاه  أمام أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم والذين قاموا عقب تلك الخطبة بتجديد ثقتهم به  كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني.

“شي” خرج من الكهف لتعقب خطى “يونغ” وخلع عباءة والده

 حين ولد شي جين بينغ عام 1953 كان والده أحد أبطال الثورة الشيوعية. ولكن  بعد مرورو عدة اعوام من ميلاد الطفل شي تعرض والده للتنكيل والاضطهاد بسبب معارضدته لماوتسي تونغ وتعرضت أسرته للتهجير والإذلال وعندما  وصل عمر شي 15 عاما  تم إرساله مع طلبة الحرس الأحمر إلى الريف للعمل في الزراعة بهدف “إعادة التثقيف”، فعمل مزارعا باحدى القرى النائية بأحد الجبال حيث عاش لمدة سبع سنوات داخل كهف صخري، وتركت هذه التجربة أثرها في سلوك الرئيس الصيني، فبدلا من خروجه منها ناقما على الحزب الشيوعي الصيني وقائده تونغ الذي شرد أسرته، خرج للحياة محاولا اللحاق بصفوف الحزب الذي رفضه مرات عدة بسبب ماضي والده ولكنه في النهاية نجح في الانضمام إليه، بل وارتقى سريعا في صفوف الحزب حتى وصل إلى قمته وأصبح أمينا عاما له.

 

كيف حول "شي" الحزب الشيوعي الصيني لـ"أكبر جمعية سرية" في العالم

الكهف الذي عاش فيه شي صباه عقابا على نشاط والده

ويبدو أن شي فهم الدرس جيدا فهو  لا يريد لنفسه  أن يدخل الكهف مرة أخرى أو أن يعيش مطاردا مشردا كما حدث لأبيه الإصلاحي المعارض لماوتسي تونغ، فقرر السير على خطى تونغ وينتهج  نهج البراجماتية البحتة ورسم لنفسه طريقا يجعل منه ماوتسي تونغ آخر حتى ولو كان ذلك على أطلال الحزب الشيوعي الصيني الذي عاد به إلى الوراء لـ4 عقود.

فقد اختار شي جانب المنتصر ولو كان عدوا لأبيه المهزوم، فصار يقلده في كل شئ بل ويتفوق عليه في الديكتاتورية والحكم الشمولي  والعنصرية وكما عاد ماوتسي يونغ من الجبال  التي فر اليها  عام 1927  حين بدأ شيانج كاي شي تطهيرا عنيفا لمجموعة الحمر وصعد يونغ على أكتاف مبادئ الليبرالية وحرية الصحافة  التي جعلت منه رئيس تحرير لأشهر مجلة ليبرالية ثم منظما لأبرز إضراب عام في هونان، قام أيضا  بإعادة تشكيل الحزب لينقض كل مبادئ تأسيسه ويضع مبادئه الخاصة التي جعلت منه امبراطورا جديدا ليتوج قائدا أوحد عام 1947 بعد أن قام باغتيال عدة قادة شيوعيين .

كيف حول "شي" الحزب الشيوعي الصيني لـ"أكبر جمعية سرية" في العالم

شي يعود بالحزب إلى عصر المؤسس ماوتسي يونغ ويلغي كل الإصلاحات

 جين بينغ.. رئيس تحرير الصين يغزو سوق الخردوات ومنازل البسطاء

لا يكتفي الرئيس الصيني الذي يعتلي خشبة المسرح السياسي في بكين وحده بصوره وهو يقود الكتائب في عرض عسكري أو بظهوره بصورة يومية  على كل شاشات التلفاز وصفحات الجرائد  التي سيطر عليها  بل يرى الكثير من المحللين أنه حول الشعب الصيني إلى  ما يشبه عبادة شخصه والتعامل معه بنوع من القدسية التي حظي بها ماوتسي يونغ، بل لقد تسلسل القائد الأوحد والزعيم  المنقذ، الذي وعد الفقراء بالثراء واليائسين بحكم العالم  إلى منازل البسطاء فقد انتشرت تماثيله وأيقوناته وصوره في أسواق الخردوات إلى جانب الزعيم الروحي المؤسس للصين الشعبية ماو تسي تونغ وتسللت صوره خلسة إلى مائدة الصينيين مع الكؤوس والأطباق.

خطوة هامة كان على شي القيام بها قبل أن يضرب مبادئ الحزب الشيوعي الصيني عرض الحائط، وفعل ما يحلو له بالدستور، وتدريس أرائه لطلاب المدارس على انه مفكر عصره وأوانه، ألا وهي  إحكام قبضته على وسائل الإعلام الصينية حيث  ظهر مرات عدة خلال عام 2016  أثناء قيامه بزيارة لمقرات وسائل الإعلام الصينية وتم التقاط الصور له وهو جالس على كرسي رئيس التحرير  في بعض الصحف الهامة ببكين في رسالة واضحة لكل من يسانده او يعارضه وذلك بعد ان سيطر عليها سيطرة كاملة، وحضت وسائل الإعلام التي سيطر عليها على مبادئ القومية والتركيز على شخصية جين بينغ إلى درجة أن البعض اتهموه بأنه يقود حملة إعلامية لتأليهه أسوة بالزعيم الراحل ماو تسي تونغ وهو ما دعمه فرض السلطات الصينية في عهده افكاره على طلبة المدارس ضمن المناهج التعليمية وذلك لتكريسه جنبا إلى جنب مع ماو تسي تونغ، ويرى الكثيرون أن ما قام به شي في ملف حرية التعبير والإعلام وما تبعه من تكميم أفواه كان نتيجته جائحة كورونا، وما حدث في بدايتها من معاقبة كل من يتحدث عن وجود وباء داخل الصين سواء بما فيهم فريق الأطباء الذي اكتشف أوليات الحالات المصابة في ووهان.

كيف حول "شي" الحزب الشيوعي الصيني لـ"أكبر جمعية سرية" في العالم

شي وعد البسطاء بالثراء و أقنع الحزب الشيوعي بطريق الحرير على حساب الإيغور

قدم للحزب أطباق عسل مغمسة بالسم لتصفية الخصوم وإبادة الإيغور

أتقن شي وضع كل ما يريد من أفكار ديكتاتورية عنصرية وقمعية في طبق مغلف بمحاربة الفساد وتطوير الاقتصاد، فقد كان يجيد طبخ السم أجاد تقديمه في أطباق من عسل وهو ما حدث في عدة قضايا خالف فيها مبادئ الحزب الشيوعي الحاكم، فقد كان كل قرار أطاح فيه بالإصلاحات السابقة داخل لوائح الحزب الحاكم أو الدستور الصيني،  كان يعد له مسبقا طريقة تقديمه  ليخفي طعم الدكتاتورية والعصف بالخصوم عن الشعب.

تحت ستار حملة لمحاربة الفساد باسم حملة “النمور والذباب” قام بتصفية خصومه السياسيين والمعارضين إلى جانب فرض قيود على حرية التعبير حيث استغل محاربة الفساد في رفع أسهمه والتغاضي عن أفعاله الديكتاتورية وشملت حملة محاربة الفساد التي قادها في الداخل والتي أطلق عليها اسم “النمور والذباب” أكثر من مليون شخص من كبار وصغار مسؤولي الحزب. كما ترافق ذلك بفرض المزيد من القيود والرقابة على الحريات الشخصية مثل الرقابة على الإنترنت واعتقال المعارضين والمدافعين عن حقوق الانسان واحكم سيطرته على المجتمع المدني  لدرجة أن البعض يرى أن جين بينغ هو أكثر الزعماء سطوة بعد الزعيم ماو. ويتمتع الزعيم الصيني بشعبية بين صفوف الصينيين البسطاء الذين وعدهم بالثراء.

وجعلت حملة شي للتنكيل بمليون سياسي من منافسيه من أعضاء الحزب الحاكم والمعارضين بعض المعارضين الصينيين يرون أن النظام الصيني يقترب يوما بعد يوم من النظام الكوري الشمالي في استبداده وقمعه، وتحت اسم طريق الحرير وعد شي جين بينغ بالثراء للجميع  وجعل الشعب يحلم بالسيطرة على اقتصاد العالم وأطلق حملة لاقتصاد جديد قام على أثرها بمحو شعب كامل هو أمة مسلمي الإيغور التي أمر شي بمحو تراثها وتاريخها واستولى على أرضها وقام بالتنكيل بشعبها رجالا ونساء وأطفال، حيث قام شي في عام 2016 الذي سيطر فيه على وسائل  الصحافة والإعلام في البلاد بتعيين رفيقه في الحزب وزميله بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني تشين تشوانغو مهندس المشروع الصيني للقضاء على مسلمي الإيغور حيث اسند إليه إدارة إقليم شينجيانغ وما أهله لذلك هو نجاح دموية وعنف تشين شوانغو في اخماد اضطرابات التبت عام 2011

كيف حول "شي" الحزب الشيوعي الصيني لـ"أكبر جمعية سرية" في العالم

أول مقر للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي

شي يعيد الحزب الشيوعي الصيني إلى السرية والانغلاق 

كما بدأ الحزب الشيوعي الصيني اجتماعه الأول في يوليو 1921 بشكل شري للغاية وبحضور 13 مشاركا في الاجتماع، فلم يختلف الأمر تحت قيادة شي جين بينغ الذي أعاده لأيام السرية والانغلاق الأولى ولكن بعدد أعضاء يفوق الـ 90 مليون عضوا حيث تحيط السرية برواتب قادته وباتت مناقشة ثروة كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني  تمثل قضية في غاية الحساسية حتى أنه عندما قامت وسائل إعلام أجنبية بفتح هذا الملف عام 2012 تعرضت لعقوبة من قبل النظام أما داخل الصين فقد حكم على شو تشي يونغ  الناشط في مكافحة الفساد والذي قام بالدعوة للشفافية فيما يخص الأصول التي يمتلكها قادة الحزب بالسجن 4 سنوات عام 2014.

ما يظهر للجمهور هو الاجتماعات الكبرى العامة للحزب، مثل مؤتمره الخمسي، ينتهي عادة بتبني قرارات القائد شي بالإجماع، أما اجتماعات اللجنة المركزية المكونة من 200 عضو واجتماعات المكتب السياسي  بأعضائه الـ 25 فإنهما يعقدان بشكل سري.

وهو ما جعل الخبير في الشؤون الصينية جان-بيار كابيستان  والأستاذ بالجامعة المعمدانية في هونغ كونغ يصف الحزب الشيوعي الصيني بأنه “أكبر جمعية سرية في العالم