شي جين بينغ.. رئيس للأبد
- عدل الدستور ليضمن الحكم مدى الحياة
- قبصة حديدية للحزب على شعبه
- أفكار “شي” تفرض على الحزب والشعب
- شعب يعاني وأقلية مرفهة
يأتي احتفال الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه بعد أسبوعين من عيد ميلاد زعيمه الحالي، الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي نجح خلال أقل من عقد من الزمن في جعل أفكاره ميثاق الحزب بل وأدخل توجهاته إلى الدستور حتى أنه تمكن من إلغاء الحد الأقصى للرئاسة ليحكم مدى الحياة.
من متحف الحزب الشيوعي إلى أدبيات الحزب الجديدة، يتضح أن الرئيس شي بعدما عزز سلطته في فترته الرئاسية الأولى صبغ الحزب بنفسه كقائد المرحلة الثالثة في مساره.
المرحلة الأولى للزعيم التاريخي ماو تسي تونغ والثانية لمصمم النهضة الاقتصادية دنغ شياو بينغ والثالثة له، وما بين المراحل يكاد لا يذكر، خاصة سابقي شي مثل هو جينتاو ويانغ زيمين.
مرت 72 سنة على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وفي سنواتها الأولى احتاج ماو تسي تونغ لقتل الملايين في ثوراته المتكررة التي كان دافعها الأساسي إحكام قبضته على البلاد والتخلص من أي صوت معارض.
ومن نهاية السبعينيات إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، انقلب دنغ شياو بينغ على فترة حكم الزعيم المؤسس وبدأ خطة تحويل الصين إلى “مصنع العالم”.
لكن تلك النهضة الصناعية خلخلت المجتمع الصيني بالهجرات من الريف إلى المدن لتلبية الطلب المتزايد على العمالة الرخيصة، ونقل الشركات الكبرى في العالم مصاعها إلى الصين مستفيدة من كلفة الإنتاج الرخيصة.
واستفادت الصين تجاريا حتى أصبح اقتصادها الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي.
رغم الزيادة الهائلة في حجم اقتصاد الصين، إلا أنها تظل “دولة صاعدة” وليست ضمن مصاف الدول المتقدمة الغنية.
ليس فقط لأن الحزب الشيوعي ولجنته المركزية تحكم البلاد بقبضة حديدية، وإنما حتى اقتصاديا. فهناك فارق كبير بين الناتج المحلي الاجمالي وثروة البلاد، إذ يحتاج تراكم الثروة لإطلاق المبادرات الفردية وحرية الأعمال.
شي جين بينغ.. اختلاف البدايات عن الواقع الحالي
ورغم أن شي جين بينغ بدأ رئاسته الأولى عام 2012 بحملة على الفساد، وتشجيع أعمال فردية أنتجت مليارديرات لكنه في الفترة الثانية التي تنتهي العام القادم أحكم قبضة الدولة وبدأ حملة على الأعمال والشركات الكبرى التي اعتقدت أنها يمكن أن تفلت من سلطة الدولة والحزب.
أقرب مثال على ذلك الملياردير جاك ما مؤسس عملاق التكنولوجيا الصينية على بابا، فقد تصور جاك أنه أصبح قادرا على انتقاد سياسة الحزب والدعوة جهارا في مؤتمرات ومنتديات إلى تحرير قطاع التكنولوجيا المالية من قيود المؤسسات البيروقراطية، فانتهى به الأمر إلى حملة السلطات على شركات مجموعته وخسارتها عشرات مليارات الدولارات.
هذا عن رجال الأعمال الجدد، أما المليار وأكثر من الصينيين فليسوا كما يتصور البعض أصحاب سيارات فارهة وعقارات الأبراج التي تنقلها الصور من بعض المدن الصاعدة مثل شنغهاي.
فالأغلبية يعيشون في مناطق ليس بها صرف صحي حتى الآن، ومع التحول الزراعي زادت معاناة المزارعين بعدما كان القطاع الزراعي ركيزة الاقتصاد الصيني.
كانت حملات ماو تسي تونغ على من يعتبرهم ضد الحزب، أي ضد سياساته هو، تعني إرسال الملايين للعمل في المزارع أو المصانع البدائية كعقاب هذا إذا لم يسحلوا على يد “الشبيبة الحمراء”.
وفي فترة الانتقال إلى الصناعة في عهد دنغ شياو بينغ اتسعت مساحات العشوائيات على هامش المدن الصناعية التي يسكنها الريفيون الذين أصبحوا عمالا بأجور زهيدة.
يمزج “شي جين بينغ” بين “ماو” و “دنغ”، فمعسكرات الاعتقال والسخرة موجودة جنبا إلى جنب مع تغول بيروقراطية الدولة التي ملأها بأنصاره والمخلصين له، لكنه في الوقت نفسه يسعى لتعزيز مكانة الصين في الخارج بشكل لم يسبقه إليه من سبقوه في الحزب والدولة.
فالمليارات الصينية من القروض الميسرة والمساعدات تنساب على دول العالم الثالث والدول النامية، ليس فقط سعيا وراء المواد الخام في تلك الدول، ولكن أيضا لتعزيز النفوذ الخارجي.
وتأتي الأموال الصينية دون شروط ملحقة، فلا يهم بكين إن كان نظام البلد الذي تساعده دبموقراطيا أم ديكتاتوريا، ولا تربط مساعداتها واتفاقاتها التجارية والاقتصادية بما يرفعه الغرب من شعارات حول حقوق الانسان وما شابه.
جعل شي جين بينغ “مبادرة الحزام والطريق” شعارا رئيسيا له، وتعني “الصين خارجيا”، فليست المبادرة تجارية/اقتصادية فحسب، وإنما هدفها تشكيل ما يمكن وصفه “تحالف مواز” يماثل التحالف الغربي الذي يسعى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لإحيائه الآن.
لكن كل ذلك لا يعني احتمال صعود الصين إلى مكانة قوة عظمى كما قد يبدو مما نقرأه ونسمعه عن “التحدي الصيني” الذي يسعى الغرب لمواجهته.
فلذلك الدور مقومات لا تتوفر للصين، حتى اقتصاديا؛ إذ يصعب تصور تطوير مرونة مثل التي يتمتع بها الاقتصاد الأمريكي في ظل حكم الحزب الشيوعي.
ويبدو من كلمة الرئيس شي جين بينغ في احتفال مئوية الحزب أن ذلك الجمود مستمر، بغض النظر عن “إعادة التغليف” في شكل جديد يمثل صبغة الزعيم الجديد الذي لا يختلف عن ماو ودنغ.