بحر الصين الجنوبي يشهد توترا بالغا.. ومخاوف من تصعيد عسكري
توتر متزايد، تراشق بالتصريحات، مواجهات دبلوماسية، وتحركات عسكرية، هكذا تبدو ملامح الأزمة حول منطقة بحر الصين الجنوبي في ظل مساعي الصين لفرض سيادتها على أغلب مساحات البحر الذي يشهد نزاعات عليه مع دول أخرى في شرق وجنوب شرق آسيا.
آخر تلك المناوشات السياسية، ما حدث بين الفلبين والصين، حين غرد وزير الخارجية الفلبيني، تيودورو لوكسين جونيور، عبر موقع تويتر، مستخدما عبارة تطالب الصين بالخروج من الجزر التي تعتبرها الفلبين عائدة لها في بحر الصين الجنوبي.
وأشار لوكسين إلى أنه يعتذر فقط لنظيره الصيني وانغ يي عن بعض الألفاظ التي استخدمها، ولكن الاعتذار له فقط” في إشارة لرفضه الاعتذار للصين بشكل عام.
حالة الاحتقان السياسي بين البلدين تستمر مع تقديم الفلبين نهاية أبريل الماضي، أكثر من 10 احتجاجات دبلوماسية رسمية ضد الصين.
ولكن، تلك الحالة من الاحتقان السياسي تجاه الصين لا تنحصر على الفلبين فقط، بل على عدة دول مجاورة، ثم الولايات المتحدة وأستراليا، وأطراف دولية أخرى
وتوجد ست دول مُطلة على بحر الصين الجنوبي، الذي يُعَد أحد أكبر البحار في العالم، وهي الصين التي تدخل في نزاع مع فيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، الأعضاء في منظمة آسيان.
ماهي أهمية بحر الصين الجنوبي؟
وفي محاولة لتفسير ما يجري في هذه المنطقة الحيوية، ينبغي معرفة التفاصيل الكاملة للأزمة، في ظل محاولات صينية للهيمنة دون رادع، وأهمية تلك المنطقة.
هناك عدة محاور لأهمية بحر الصين الجنوبي تشكل جوهر النزاع في تلك المنطقة، وتتمثل في:
- الأهمية الاستراتيجية الدولية للبحر
- الثروات الطبيعية
- السيادة
تتزايد أهمية البحر الاستراتيجية عالمياً كمعبر تجاري، حيث يستحوذ على ثلث الشحنات البحرية العالمية التي تمر عبر هذا المعبر الحيوي بقيمة أكثر من خمسة تريليونات دولار، أي أكثر من خمسة عشر ضعف قناة بنما، وتمر نسبة 80 في المئة من واردات الصين من الطاقة ونحو 40 في المئة من إجمالي تجارتها عبر هذا البحر.
أما الثروات الطبيعية، يحتوي بحر الصين الجنوبي على ثروات كثيرة، حيث قدرت تقارير صينية وجود ما يزيد على 17 مليار طن من النفط، فيما أشارت تقارير أمريكية إلى إن الاحتياطيات المؤكدة تصل إلى 7.7 مليار طن.
وتنشط في تلك المنطقة أيضاً تجارة صيد الأسماك بمعدلات كبيرة، حيث ما يقرب من نصف سفن الصيد في العالم تنشط في هذا البحر.
وفيما يخص السيادة: يصبح هذا المحور أبرز صور الخلاف، حيث تحاول الصين تمرير فرضيات أنها صاحبة الحق في السيادة على ثلاثة أرباع مساحات الحبر الذي تبلغ مساحته ثلاثة ملايين ونصف مليون كيلومتر مربع تقريباً، بما فيه الجزر وخاصة جزر باراسيل وسبراتلي، إحدى أبرز الجزر التي تشهد خلافا بين كل الدول تقريبا.
وتدعي الصين أن حدودها البحرية تمتد لـحوالي 200 ميل بحري، وهي مساحة أكثر بكثير مما تقرره القوانين الدولية، ولذلك لا تعترف الصين باتفاقية البحار لعام 1982.
أما عن الدول المجاورة، فترفض ادعاءات الصين، بموجب القانون الدولي، الذي يُحدد المياه الإقليمية للدولة بـ 12 ميلاً بحرياً، وهي التي تتمتع فيها الدولة بحقوق السيادة، وكذلك المنطقة الاقتصادية الخاصة التي تُقدر بـ 200 ميل بحري، ولكن ليس للدول حق السيادة عليها.
وتدحض تلك الدول استنادات الصين إلى خرائط قديمة، لا توجد فيها ترسيم للحدود ، ولا تحتوي على أي إحداثيات.
أزمة بحر الصين الجنوبي لم تظهر مؤخرا، بل شهدت مناوشات عدة في السابق بسبب الاستفزازات الصينية، بالرغم من ذلك، لم تصل لحالة التوتر والاحتقان مثل ما يجري حاليا، ومن أبرز تلك المناوشات:
- عام 1974، استولت الصين على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام كمجاولة لإثبات هيمنتها، في صدامات أسفرت عن مقتل أكثر من 70 من العسكريين الفيتناميين.
- عام 1988، اصطدم الصينيون والفيتناميون مجددا حول سلسلة سبراتلي، وسقط من الفيتناميين في هذه المواجهات نحو 60 عسكريا.
- أوائل عام 2012، خاض الجانبان الصيني والفلبيني مواجهة بحرية مطولة اتهما فيها احدهما الآخر بانتهاك السيادة في شعاب سكاربره.
- نهاية عام 2012، اندلاع احتجاجات واسعة في فيتنام ضد الصين إثر ورود تقارير عن تخريب صيني لمنصتي استكشاف فيتناميتين.
- يناير 2013، الفلبين ترفع دعوى ضد الصين أمام محكمة التحكيم الدائمة بموجب ميثاق الامم المتحدة للطعن ضد الادعاءات الصينية بشأن السيادة، قاطعتها بكين بحجة عدم الاختصاص
- مايو 2014، الصين تقوم بقطر منصة استخراج نفط إلى منطقة في البحر قريبة من جزر باراسيل، تسبب ذلك في حوادث تصادم بين السفن الفيتنامية والصينية.
رصد أمريكي للصراع
تدرك الولايات المتحدة مدى خطورة هذا الصراع في تلك المنطقة لعدة أسباب، أولهما هو أهمية تلك المنطقة كونها معبر بحري هام مهدد في حال استمرار أطماع الصين، وكذلك وجود تحالف بين واشنطن وعدة دول بتلك المنطقة ، حيث تمتلك خمس قواعد عسكرية رئيسة في الفلبين، و40 قاعدة في اليابان وكوريا، وهي دول ليست ببعيدة عن مناطق الصراع في هذا البحر.
فيما تهدف الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة، التي يطلق عليها «المعركة البحرية الجوية»، إلى تكثيف التواجد على الساحل الجنوبي للصين، لمواجهة الأطماع الصينية.
لكن ومع تواصل البحرية الأمريكية لإجراء عمليات حرية الملاحة (FONOPS) في البحر لتحدي مطالبات الصين، ووجود الآلاف من السفن الصينية التي تعمل هناك، قد ينذر ذلك بتصعيد حقيقي وحادثة تصادم مرتقبة.
وكانت الولايات المتحدة، قد حذرت الصين سابقا من عواقب تحركات لها تعتبر الفلبين وتايوان أنها تزداد عدوانية، مذكرة بكين بالالتزامات التي تربط واشنطن بشركائها الآسيويين.
وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين أن “هجوما مسلحا على القوات العسكرية الفيليبينية أو السفن أو الطائرات في المحيط الهادئ بما في ذلك بحر الصين الجنوبي، سيؤدي إلى تفعيل التزاماتنا بموجب معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفيليبين”.
محاولات صينية للهيمنة
وعززت الصين تحديدا ادعاءاتها بالسيادة على أجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه وتسيير الدوريات البحرية في مياهه.
فيما نتج عن بناء الجزر الصينية على نطاق صناعي، نشر معدات عسكرية وبنية تحتية واسعة النطاق، حيث يشير الخبراء إلى أن ذلك سيمكن الصينيين من تعزيز موقعهم عسكريًا وتأكيد سيطرتهم على ما يسمى بخط الفواصل التسع، وسيعزز مطالبة بكين لاحقا بالسيطرة على معظم مساحات البحر.
وتتزايد تلك الادعاءات السيادية الصينية، مع محاولات السيطرة على منطقة “خط الخطوط التسع” الممتد لمئات الاميال جنوبي وشرقي جزيرة هاينان الواقعة أقصى جنوب الصين.
تحركات الدول المجاورة
الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء التحركات الصينية، حيث شهدت مانيلا وبكين مناوشات سياسية مؤخرا، اختتمت باعتذار وزير الخارجية الفلبيني لنظيره فقط وليس للصين.
فيما قدمت الفلبين احتجاجات دبلوماسية ضد الصين بسبب ما تصفه بالوجود “غير القانوني” للسفن الصينية، والتي تقول إنها مدارة من قبل الميليشيات.
حيث قالت قوة العمل في بحر الصين الجنوبي في الفلبين إنها رصدت سبعة “ميليشيات بحرية صينية” في أرخبيل سبراتلي المتنازع عليه يوم 27 أبريل (نيسان).
وقال دبلوماسيون صينيون إن القوارب كانت تحتمي فقط من الأمواج ولم تكن على متنها أي ميليشيا.
Philippines accuses China of dangerous challenges near Scarborough Shoal https://t.co/1uF4yMfOPE
— South China Morning Post (@SCMPNews) May 5, 2021
ردود أفعال دولية منددة بتحركات الصين
فيما دعا الاتحاد الأوروبي الصين إلى عدم تعريض السلام للخطر، وحث جميع الأطراف على الالتزام بحكم المحكمة الصادر عام 2016 والذي رفض معظم مزاعم الصين بالسيادة على البحر، لكن بكين رفضته.
وأصدر الاتحاد الأوروبي نهاية أبريل الماضي، بيانا أشار فيه إلى سياسات جديدة تهدف إلى تعزيز نفوذ بروكسل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة قوة الصين الصاعدة.