أخبار الآن | موسكو – روسيا (موقع Bellingcat )
يمكن وصف يفغيني بريغوجين بأنه رجل عصر النهضة بسبب العمليات السوداء الروسية التي يمكن إنكارها أو التملص منها. المحكوم السابق بتهم السرقة والاحتيال وإرغام القاصرين على ممارسة الدعارة، بدأ حياته المهنية المشروعة في التسعينيات كمالك لمطعم في سانت بطرسبرغ، كشيف ومتعهد طعام لاحقًا في الكرملين.
اليوم، أصبح عمله الرسمي عبارة عن إدارة مجموعة مترامية الأطراف لتوفير الطعام والوجبات لملايين الجنود ورجال الشرطة والمدعين العامين ومرضى المستشفيات وتلاميذ المدارس، مقابل مدفوعات ممولة من الضرائب تقدر بما لا يقل عن 3 مليارات دولار منذ عام 2011. ومع ذلك، فإن عملياته غير الرسمية تتناسب مع ملف جهاز أمن الدولة الاستبدادي، من تصنيع للأخبار الكاذبة إلى ترهيب الصحفيين والتدخل في الانتخابات والهندسة السياسية والعمليات العسكرية السرية.
اشتهر بريغوجين في الولايات المتحدة بسبب دور وكالة أبحاث الإنترنت أو ما يعرف ب “ترول فاكتوري” الخاصة به، وتهم متعلقة بمحاولة التأثير على انتخابات عام 2016 لصالح دونالد ترامب، وهي تهمة ينفيها بريغوجين بشكل قاطع حتى يومنا هذا.أنتج مصنعه أحد أكبر حملات التضليل المعروفة عبر الإنترنت، حيث أطلق 71000 تغريدة تهدف إلى تقديم النسخة الروسية حول أحداث إسقاط الطائرة الماليزية رحلة رقم MH17. نشرت “وكالة أبحاث الإنترنت”، والمعروفة باسم “مصنع الَتضليل الروسي” آلاف الرسائل التي تروج لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. تم ربط بريغوجين أيضًا بالهندسة السياسية الصديقة للكرملين عبر عشرات الدول الأفريقية بينما تمت معاقبته من قبل الولايات المتحدة بسبب تمويله لمجموعة الفاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة لها تاريخ من العمليات السرية في شرق أوكرانيا وسوريا وعديد من الدول الافريقية. وقد اتُهمت مؤخراً بزرع ألغام مفخخة حول طرابلس الليبية. يجب على الاتحاد الأوروبي هو أو مجموعته المنتشرة بسبب أي من أنشطته.
الآن، كشف تحقيق طويل أجراه كل من موقع بيلينغكات و”إنسايدر” و “دير شبيغل” أن المعلومات المضللة والتدخل السياسي والعمليات العسكرية التي يقوم بها يفغيني بريغوجين مدمجة بإحكام مع وزارة الدفاع الروسية مديرية المخابرات الرئيسية “GRU”.
يبدو أن البنية التحتية الخاصة لبريغوجين – إلى جانب تلك الخاصة برجال الأعمال الآخرين المعتمدين على الحكومة، مثل كونستانتين مالوفيف – تعمل كغطاء قابلة وقناة لغسل الأموال للعمليات الخارجية بتكليف من الحكومة.
تحدث فريق التحقيق لدينا مع عدد من الموظفين الحاليين والسابقين الذين عملوا في مشاريع بريغوجين المتعلقة بالتدخل الخارجي والهندسة السياسية. أخبرونا عن الافتقار الكبير للحافز والاقتتال الداخلي والاختلال الوظيفي في هذه العمليات، والناجم عن تناول الكحول، وهو ما يدل على وجود تمويل من الحكومة أكثر من كونها عملية خاصة ذات أهداف ونتائج واضحة.
لقد حددنا أيضًا شخصية رئيسية تعمل كحلقة وصل بين عمليات بريغوجين في إفريقيا ووزارة الدفاع الروسية. وفقًا للوثائق التي اطلع عليها فريق التحقيق لدينا وأكدتها المقابلات، كان هذا الشخص في القيادة العامة للعمليات شبه العسكرية الروسية في إفريقيا، بما في ذلك وقت قتل ثلاثة صحفيين روس كانوا يحققون في عمليات بريغوجين في جمهورية إفريقيا الوسطى، وكذلك أثناء تعقب الصحفيون الغربيون ومضايقتهم. يبدو أن هذا الشخص المهم ليس على مرأى المخابرات الغربية أو وكالات إنفاذ القانون، إذ يتمتع بالسفر غير المقيد في أوروبا بناءً على تأشيرات شنغن للدخول المتعدد.
صلة بريغوجين بالكرملين غير القابلة للشك: آثار رقمية
من الصعب إخفاء روابط يفغيني بريغوجين مع الكرملين ووزارة الدفاع الروسية نظرًا للدور البارز لشركته في تزويد الطعام للكرملين والجيش الروسي. ومع ذلك، فإن كثافة اتصالاته مع القيادة العليا – داخل الكرملين ووزارة الدفاع – يصعب تفسيرها كعلاقة مبنية على “تقديم الطعام”.
موقع بيلينغكات حلل سجلات هاتف بريغوجين لمدة ثمانية أشهر تمتد من أواخر عام 2013 وأوائل عام 2014. تم الحصول على السجلات من رسائل البريد الإلكتروني التي تم اختراقها لمساعد بريغوجين الشخصي والتي تم تسريبها في عام 2015 من قبل مجموعة القرصنة الروسية “شالتاي بولتاي”. تضمنت رسائل البريد الإلكتروني سجلات فواتير الهاتف لشركته “كونكورد للاستشارات والإدارة”، وتمكنا من تحديد رقم بريغوجين الشخصي من بين قائمة أرقام الشركات استنادًا إلى تطبيق ذكي للبحث عن أرقام الهواتف.
تزامنت هذه الفترة مع تحول عمليات “مصنع التضليل الروسي” التابع لبريغوجين من سياسية محلية بحتة – تُستخدم في المقام الأول لتدمير شخصيات المعارضة والصحفيين المستقلين – إلى عملية دولية طموحة مع مزيد من الجهود المخصصة لعمليات التدخل الأجنبي – أولاً في أوكرانيا، ثم على مستوى العالم. .
وخلال هذه الفترة، تحدث بريغوجين أو أرسل رسائل نصية إلى جميع قيادة مكتب الإدارة الرئاسية، إلى جانب عدد من كبار الشخصيات في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وفي دائرة الحماية الفيدرالية ووزارة الدفاع أيضأ، إذ اتصل وأرسل رسالة نصية إلى مستشار الرئيس بوتين والمتحدث باسمه ديمتري بيسكوف ما مجموعه 144 مرة. كما اتصل وتلقى اتصالات من رئيس أركان بوتين أنطون فاينو، ما مجموعه 99 مرة. تواصل بريغوجين 54 مرة مع نائب رئيس موظفي بوتين والمشرف على السياسة الداخلية آيغورديفيكين، ويمكن القول إنه وصف وظيفي لا يشمل الخدمات اللوجستية لتقديم الطعام. تحدث بريغوجين أكثر من 25 مرة مع الملازم أول ألكسي ديومين، وهو رئيس الأمن السابق لبوتين، وفي وقت المكالمات، كان يشغل منصب نائب مدير مديرية المخابرات الرئيسية الذي أشرف على ضم شبه جزيرة القرم.كما تحدث مرتين على الأقل وجهًا لوجه مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، في حين أظهر تتبع البريد الإلكتروني مزيدا من الاجتماعات الشخصية المخطط لها معه، كما تحدث بريغوجين 31 مرة مع نائب وزير الدفاع بولجاكوف المسؤول عن الخدمات اللوجستية للجيش. كما تحدث بريغوجين ثلاث مرات مع يوري أوشاكوف، سفير روسيا السابق في الولايات المتحدة وكبير مستشاري بوتين في لشؤون السياسة الخارجية.
في حين أن شركات بريغوجين كانت تعمل كمورد طعام لكل من الكرملين ووزارة الدفاع، فليس من المعقول أن تتطلب هذه الخدمة اتصالات متكررة عالية المستوى من كلا الجانبين مع أعضاء أجهزة استخبارات.
الواقع الافتراضي للفاغنر:
حصلت مجموعة الفاغنر غير الموجودة على الورق على اسمها من مؤسسها وقائدها المزعوم ديمتري أوتكين المراوغ والذي يتجنب الظهور أمام الكاميرات، والذي حصل بفضل هوسه بتاريخ الرايخ الثالث على الاسم المستعار “فاغنر”. ديميتري أوتكين المولود في 11 يونيو 1970، كان ضابطًا محترفًا في حروب الشيشان. في أوائل عام 2000، ومع انحسار المرحلة العسكرية من الحرب الثانية، تم نقله إلى بلدة بيتشوري بالقرب من الحدود الإستونية، حيث خدم لمدة عشر سنوات كقائد لواء سبيتسناز الثاني التابع لمديرية المخابرات الرئيسية. وفقًا لزوجته السابقة، وجد صعوبة في التكيف مع الحياة المدنية وكان دائمًا يتوق للعودة إلى ساحة المعركة.
ليس من الواضح متى تقاعد أوتكين من الجيش، ولكن في عام 2013، ورد أنه عمل بالفعل في الفيلق السلافي، وهي شركة أمنية خاصة مقرها في هونغ كونغ.
في مايو عام ٢٠١٣، أعلن فيلق السلافي عبر الانترنت عن رحلات عمل في الخارج مدتها 3-6 أشهر، وتضمن الإعلان شروطا للمتقدمين مثل أن تتراوح أعمارهم بين 24 و45 عاما،وأن يكونوا موظفين سابقين في سبيتزناز، وتلقوا التدريب اللازم في العمل العسكري.
توقف الانتشار المعروف لهذه الشركة العسكرية الخاصة (في سوريا عام ٢٠١٣) بخسارة المرتزقة معركة مع المسلحين المرتبطين بالقاعدة، وبخلافهم مع مموليهم السوريين حول على من يقع اللوم.
لم يظهر اسم أوتكين ضمن هيكل القيادة المعروف للفيلق السلافي، وبناءً على إفادات الشهود، يبدو أن الشخص المسؤول عن العملية السورية هو فاديمغوسيف، نائب مدير شركة أخرى تابعة لهونغ كونغ. وانتهى الأمر بالبعثة السورية إلى حالة من الفوضى، إذ قام جهاز الأمن الفيدرالي الروسي باعتقال عديد من المرتزقة العائدين واتهامهم بـ “الحرب غير المشروعة في الخارج”، وهي الجريمة المطلوبة لعمل المرتزقة غير القانوني في روسيا.
ومع ذلك وبحلول أوائل عام 2014، عاد الطلب على عديد من الأشخاص الذين شاركوا في الفيلق السلافي. نظرًا لأن روسيا كانت بحاجة إلى وجود عسكري سريع ويمكن إنكاره في شبه جزيرة القرم، فإن مفهوم وجود جيش خاص غير مدمج قانونيًا يستخدم جنودًا ماهرين لديهم خبرة قتالية سابقة، يبدو أنه الحل الأمثل.
من البيانات التي قمنا بالاطلاع عليها، لا يمكن تحديد من جاء بمبادرة مجموعة الفاغنر. ومع ذلك، وجدنا بيانات مفتوحة المصدر تشير إلى أن الكولونيل ديمتري أوتكين لم يكن في موقع القيادة لإنشاء هذا الجيش الخاص، ولكن تم توظيفه كغطاء لإخفاء أصل المنشأ. في نسخة مؤرشفة وغير متصلة بالإنترنت من موقع ويب للوظائف، اكتشفنا سيرة ذاتية للبحث عن وظيفة يبدو أن أوتكين نشرها بنفسه في أواخر عام 2013 وتم أرشفتها في يناير 2014. طلب الوظيفة الذي يحتوي على رقم هاتف تأكدنا من أنه يخصه في ذلك الوقت، جاء فيه أن أوتكين يعيش حاليًا في بسكوف، ويبحث حاليًا عن وظيفة بدوام كامل كنائب للمدير العام، وهو مستعد للانتقال إلى موسكو، وكان الراتب الذي يطلبه هو 30,000روبل روسي شهريًا، أي أقل بقليل من 1000 دولار في ذلك الوقت. وذكر أنه كان قائدًا للوحدة العسكرية 64044 في مديرية المخابرات الرئيسية بين عامي 1988 و2008، ولم يعمل منذ عام 2008، مما يشير إلى أنه ربما لم يشارك عمليًا في تلك الوحدة منذ ذلك الحين. في الواقع، وأشار أنه قام ببرنامج إعادة تدريب احترافي في عام 2006، والذي منحه شهادة حراسة خاصة.
يتحدث أوتكين أيضًا عن جوائزه العسكرية ويصف نفسه بأنه “قائد فريق” و “لديه مهارات اتصال جيدة” و”يؤدي المهام المحددة بنجاح”. ويقول أيضًا إنه يتحدث الألمانية بمستوى مبتدأ ويجيد استخدام الأسلحة.
واستناداً إلى توقيت هذه السيرة الذاتية والتي تم نشرها قبل بضعة أشهر من الدور الحاسم الذي لعبته مجموعة الفاغنر في غزو أوكرانيا، فمن غير المعقول أن يكون أوتكين أي شيء غير سلاح مستأجر لتزويد مشروع “الجيش الخاص” بأسطورة مواجهة للعامة.
سيرة ديمتري أوتكين الذاتية المؤرشفة في يناير 2014 تقريبًا:
وبحلول مارس 2014، كان المرتزقة الروس موجودين بالفعل في أوكرانيا، وكانت أسطورة الفاغنر قد ولِدَت. وبعد نجاح الوحدة في الانتشار الأولي في شبه جزيرة القرم ودونباس، حصلت الوحدة عام 2015 على قاعدة تدريب دائمة في مرفق تابع لـمديرية المخابرات الروسية العامة بالغة السرية في قرية مولكينو بالقرب من مطار كراسنودار. حتى الآن كان أكبر انتشار دولي للفاغنر في سوريا، حيث أنه وفقا لمسؤول سابق في الفاغنر، تم نشر 2500 من مرتزقة على الأقل تحت إشراف مديرية المخابرات الرئيسية وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي لمساعدة القوات السورية الموالية للحكومة.
ووفقاً للتحقيق الصحفي الذي أجراه موقع (TheBell) الروسي على الإنترنت، فإن فكرة خلق الإنكار والجيش الخاص “غير المتوازن”، وإيكال الجانب التشغيلي اللوجستي ليفغيني بريغوجين، جاءت من ضباط رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الروسية، بعد أن أعجبوا بعرض عام 2010 من قِبَل إيبين بارلو، مؤسس نظام النواتج تنفيذية (PMC); الذي يتخذ من جنوب أفريقيا مقراً له. ونقلت عن ثلاثة مصادر مختلفة قولها إن بريغوجين اعترض في البداية على مثل هذا الدور ذات المخاطر العالية، ولكن لم يكن لديه خيار رفضها، نظرًا لعلاقته الخدمية الموجودة مسبقًا مع وزارة الدفاع.
وسواء كانت مجموعة الفاغنر من بنات أفكار المؤسسة العسكرية الروسية أو بريغوزين نفسه، فإن الآثار والبقايا الرقمية المتعددة تدعم الارتباط بين عملياته وبين الشركة العسكرية الخاصة، من بينها حجز الرحلات الجوية المشتركة بين موظفي بريغوجين وضباط معروفين من الفاغنر، فضلًا عن استخدام ثلاث شركات على الأقل تحت سيطرة بريغوجين كجهات تدفع الرواتب لمرتزقة الفاغنر.
مديرية المخابرات الرئيسية في القيادة:
في حين تم تقديم ديمتري أوتكين على نطاق واسع باعتباره الرجل الأول والرئيسي في الفاغنر، إلا أن هناك بيانات كثيرة تشير إلى أن دوره كان قائدًا ميدانيًا، وأن مجموعة مرتزقة الفاغنر مدمجة في سلسلة شاملة تحت سيطرة الكرملين المركزية وجهاز المخابرات العسكرية.
في تسجيلات من مكالمات هاتفية نشرتها أجهزة الأمن في أوكرانيا، يُسمع أوتكين وهو يبلغ رجلاً يدعى أوليج إيفانيكوف عن مدى تقدم الأنشطة العسكرية في شرق أوكرانيا في وقت معركة ديبالتسيفي في فبراير 2015. سبق أن حددت موقغ “بيلينغكات” إيفانيكوف على أنه ضابط كبير في المخابرات ساعد في شراء نظام صاروخي بوك للمسلحين في دونباس في الأيام التي سبقت إسقاط الطائرة الماليزية MH17. وفي مقطع آخر من نفس الفترة، سُمِع أوتكين وهو يبلّغ أندري تروشيف، وهو عقيد سابق في الشرطة من سانت بطرسبرغ، ويشكو له من عدد الضحايا في وحدته، وأنه عليه العودة إلى روسيا خشية أن يقتل على يد جنوده. ويظهر المقطع الثالث من أوائل عام 2015 أن أوتكين يأخذ التعليمات وينسق عمل المرتزقة بشكل مباشر من الرائد جنرال ييفجيني نيكيفوروف، الذي كان آنذاك رئيساً أركان الجيش الغربي الثامن والخمسين.
يتضح من سياق المكالمات أن أوتكين يبدو تابعًا لكل من إيفانيكوف من المخابرات العسكرية الروسية وللقيادة العسكرية الروسية بشكل عام، وأن الكولونيل تروشيف هو رئيسه في مجموعة الفاغنر. ليس من المستغرب أنه في مارس 2016، حصل الكولونيل تروشيف على جائزة بطل روسيا لدوره كقائد لمجموعة الفاغنر التي شاركت في دعم القوات الحكومية في سوريا في عامي 2015 و2016.
كما كشفت بيلينغكات أيضًا حجوزات طيران مشتركة بين قادة من الفاغنر – بما في ذلك أوكتين نفسه – وضباط في المخابرات في مناسبة واحدة على الأقل، سافر أوتكين بصحبة كل من تروشيف و “أندري إيفانوفيتش لابتيف”، وهو الاسم المستعار للجنرال إيفانيكوف من المخابرات الرئيسية.
أندريه لابتيف (الاسم المستعار لضابط المخابرات الروسية أوليج إيفانيكوف) وأندري تروشيف وأليكسي ديميترييف (قائد في الفاغنر) وديمتري أوتكين كانوا جميعهم في نفس الرحلة المتوجهة من كراسنودار إلى موسكو. كان هناك عشرة ركاب فقط في هذه الرحلة، أربعة منهم من الفاغنر ومن المخابرات الروسية.
أصبح إنكار الكرملين لأي روابط رسمية مع مجموعة الفاغنر أمرًا مستحيلًا بعد أن شوهد أوتكين خلال بث فيديو من حفل استقبال في الكرملين عقد في 9 ديسمبر 2016. بعد أن أنكر في البداية أي معرفة بوجود أوتكين، أقر السكرتير الصحفي لبوتين، ديمتري بيسكوف، في النهاية أنه حضر حفل أبطال الوطن في الكرملين. في وقت لاحق، نشر حساب يركز على أنشطة المرتزقة على منصة التواصل الاجتماعي الروسية “VK” صورة يظهر فيها بوتين يقف بجانب أربعة ضباط تابعين للفاغنر، حيث يبدو وكأن الصورة تم التقاطها حديثاً، وتم أخذها في إحدى مهام الكرملين. بالرغم من عدم وجود معلومات عامة حول الوقت الذي حصل فيه أوتكين على جائزته الأخيرة، أفاد موقع إلكتروني روسي مختص بتتبع الأوسمة العسكرية أن الكولونيل تروشيف حصل على أعلى وسام عسكري روسي، وهو وسام بطل روسيا، بالإضافة إلى وسام النجمة الذهبية تقديراً لخدماته العسكرية باعتباره كان “متطوعاً” في سوريا. وبحسب ما ورد، فقد تم منح الجائزة من خلال مرسوم سري وقعه بوتين في 17 مارس 2016. حقيقة أن أوتكين لم يتم منحه تلك الجائزة (فقد شوهد يرتدي أربعة أوسمة شجاعة، ويعتبر هذا شرف عسكري أقل أهمية)، بالإضافة إلى ترتيبه في المجموعة، كل هذا يدعم فرضية أن أوتكين أقل أهمية ضمن ما يسمى بمجموعة الفاغنر من الكولونيل تروشيف.
حروب الاستنساخ:
بعد هذا الظهور العلني غير المخطط له، لم تتم رؤية ديمتري أوتكين أو حتى السماع عنه في الأماكن العامة. حتى أن رقم الهاتف الذي كان يستخدمه سابقًا أصبح مقطوعاً أو غير مستخدم حالياً. مع ذلك، فإن سجلات السفر التي استعرضناها تظهر أنه استمر بالقيام برحلات نادرة بين سانت بطرسبرغ وكراسنودار حتى أواخر عام 2019.
بالرغم من الانسحاب الواضح لديمتري أوتكين من المشاركة النشطة في عمليات الفاغنر، لم يبق اسمه بعيدًا عن التركيز، فبعد بضعة أشهر من نشر صورة الكرملين، تحديداً في نوفمبر 2017، تم تعيين شخص يحمل نفس الاسم الكامل لأوتكين كرئيس تنفيذي لشركة التموين الرائدة المملوكة من قبل يفغيني بريغوجين، وهي شركة “كونكورد للاستشارات والإدارة” Concord Management and Consulting ، والتي تبلغ إيراداتها غير الموحدة حوالي 20 مليون دولار، وتتحكم في مجموعة من الشركات التي يبلغ حجم مبيعاتها حوالي 10 أضعاف رأس المال المذكور. عند تواصل وسائل الإعلام الروسية مع يفغيني بريغوجين للتعليق على الروابط المفترضة بين شركة كونكورد ومجموعة الفاغنر، أجاب بريغوجين أن “تعيين ديمتري أوتكين، والذي لم يسبق له أن شغل أي منصب داخل مجموعتنا، هو قرار خاص تابع لشؤون الموظفين”، وأضاف بأنه ليس لديه علم عن وجود شركة عسكرية خاصة، وأن هذا الأمر “ليس قانونياً بموجب القانون الروسي” على حد قوله.
لقد أخفى رد بريغوجين الخجول حقيقة أن ديمتري فاليريفيتش أوتكين الذي تم تعيينه كرئيس تنفيذي لشركة كونكورد لم يكن ذاته قائد مجموعة الفاغنر. في الواقع، لقد تم جلب ديمتري أوتكين هذا قبل شهر واحد فقط عن طريق تغيير الإسم القانوني، وهو أمر المسموح به في روسيا، لمقيم غير معروف في سانت بطرسبرغ، كان اسمه أليكسي كارنوخوف، وهو أصغر بثمانية عشر عامًا من أوتكين الأصلي، ولديه خبرة إدارية سابقة لمدة ثلاثة أشهر فقط في شركته الناشئة. يمكن إثبات هذه الحقيقة من خلال الرقم الضريبي المشترك بين الإسمين، حيث سجل كارنوخوف شركة باسمه الأصلي في مارس 2017، بينما تم تسجيل أوتكين المستنسخ كرئيس تنفيذي لشركة كونكورد تحت نفس الرقم الضريبي في نوفمبر 2017. في 1 مارس 2018، أي بعد إخفاق مجموعة الفاغنر في دير الزور، قام بريغوجين بإقالة ديمتري أوتكين المستنسخ حديثًا من منصب الرئيس التنفيذي لشركة كونكورد وعين نفسه بدلاً عنه.
لقد قام بريغوجين بعملية الاستنساخ هذه مرة ثانية، ففي أوائل عام 2018، خضع ألكسندر أنوفرييف، وهو مُدان سابق في سانت بطرسبرغ ليس لديه خبرة تجارية سابقة، لتغيير الاسم القانوني، ومرة أخرى أصبح ديمتري فاليريفيتش أوتكين قانونيًا. كان فارق العمر بين أوتكين الجديد (الثالث) وأوتكين الأصلي شهرين فقط، ما يشير إلى أنه ربما كان أكثر ملاءمة ليتم ادعاء أنه أوتكين الأصلي الذي كان ضمن مجموعة الفاغنر. كما ذكرت وسائل الإعلام الروسية، في مايو 2018 قام أوتكين المستنسخ حديثًا بتأسيس أربع شركات، وكان لبعضها روابط غير مباشرة بمجموعة بريغوجين. تم إلغاء تسجيل جميع هذه الشركات بحلول عام 2019، وتُظهر قواعد بيانات المدينين الروسية الحالية أن كلا أوتكين المستنسخان لديهما ديون غير مدفوعة، حكمت بها المحكمة لأطراف ثالثة، وفي حالة أوتكين الأخير فقد تكبد هذه الديون بموجب هويته الأصلية (القديمة) والجديدة.
ليس من الواضح ماذا كان الأساس المنطقي لبريغوجين حين قيامه بتغيير الاسم القانوني للأشخاص إلى اسم الوجه العام لمجموعة الفاغنر، وتحديداً في حالة الاستنساخ الأولى، حيث ظهر وكأنه متباهياً بتعيين أوتكين لهذه الفترة القصيرة من الزمن. تكهنت وسائل الإعلام الروسية بأن هذا ربما كان موقفًا من التحدي والاستفزاز بعد أن فرضت الولايات المتحدة عليه وعلى أوتكين عقوبات بسبب دورهما في الصراع العسكري الأوكراني.
لقد رحل الكولونيل. يعيش الكولونيل!
في عامي 2018 و 2019، بدأت وسائل الإعلام الغربية والروسية في الإبلاغ عن الوجود المتزايد للاستراتيجيين السياسيين الروس في مختلف البلدان الأفريقية، وعرضت تقديم الدعم الانتخابي، بما في ذلك المال والمشورة والحماية الشخصية، للمرشحين الذين لديهم علاقة جيدة مع روسيا. ادعى تحقيق أجراه موقع Proekt الروسي المستقل، استنادًا إلى وثائق داخلية مسربة من وحدة شركة بريغوجين باسم “المكتب الخلفي الأفريقي”، تدعي بأنه اعتبارًا من عام 2019 كان لدى بريغوجين مستشارون سياسيون يعملون في عشرين دولة أفريقية مختلفة، وكان لديه اهتمام بتسع عشرة دولة أخرى. وفقًا لتحليل Proekt للوثائق المسربة والمقابلات التي تم إجراؤها مع الموظفين الحاليين أو السابقين، فإن المهام ونطاق العمل يختلفان اختلافًا كبيرًا بحسب البلد. في بعض البلدان، مثل موزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى، يلعب المرتزقة العسكريون الدور القيادي. وفي بلدان أخرى، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي ومدغشقر، لم يكن هناك سوى خبراء استراتيجيين سياسيين مدعومين في كثير من الأحيان بوجود “حراس شخصيين” روسيين. في تشاد وبنين، يعمل أفراد بريغوجين مع سياسيين مقربين من جماعة سيليكا الإسلامية المسلحة. في بعض البلدان، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، كان لبريغوجين بالفعل مصالح تجارية بالإضافة إلى التدخل السياسي والوجود شبه العسكري.
وفقًا لمصادر تم إجراء مقابلات معها من قبل موقع Proekt، كان الكولونيل ديمتري أوتكين يخطط في عام 2019 للسفر إلى رواندا مع فاليري زاخاروف، المستشار الأمني الروسي لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، وبحسب ما ورد فقد أُلغيت هذه الرحلة في آخر لحظة. بحلول أوائل عام 2019، أصبح ديمتري أوكتين مكشوفًا بشكل كبير، بسبب وجوده في حفل الكرملين وأيضاً بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، وقد يكون هذا ما أدى إلى انسحابه من الحملات الأفريقية.
ومع ذلك، في الوقت نفسه بدأ كولونيل روسي آخر ليس له بصمة إعلامية بالظهور في مواقع أفريقية مختلفة حيث أرسلت روسيا استراتيجيين سياسيين أو مستشارين أمنيين. شوهد الكولونيل، والذي لم يكن معروفًا إلا باسمه الأول المفترض “كونستانتين” ، في البداية في مدغشقر خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في البلاد في نوفمبر 2018. تم تعيينه في البداية كرئيس أمن للحملة إلى أحد الأشخاص المفضلين لدى روسيا، وهو القس ميلهول كنيسة نهاية العالم في مدغشقر. قال مايلهول لبي بي سي إن الاستراتيجيين السياسيين الروس الذين أقنعوه في البداية بالترشح للرئاسة، وقدموا إليه حقائب نقدية وعينوا حارس شخصي خاص به، انسحبوا في نهاية المطاف من حملته عندما ظهر متسابق آخر. وأضاف بأنهم كلفوا الكولونيل في وقت لاحق كحارس شخصي لأندري راجولينا، المرشح الذي فاز في الانتخابات.
لم تكن مدغشقر الدولة الإفريقية الوحيدة التي ظهر فيها “كونستانتين”. تظهر رسائل البريد الإلكتروني المسربة من موظفي “المكتب الخلفي الأفريقي” لبريغوجين، والتي راجعها فريق التحقيق لدينا، بأن نفس الشخص المشار إليه في المراسلات من قبل اسمه الحركي “مازاي” كان متمركزًا في جمهورية إفريقيا الوسطى في صيف 2018، وعاد هناك بعد انتخابات مدغشقر. وصل “مازاي” لأول مرة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى في أوائل يوليو 2018، قبل حوالي ثلاثة أسابيع من مقتل ثلاثة صحفيين روس في 30 يوليو خارج بلدة سيبوت. وكان الصحفيون الثلاثة قد جاؤوا للتحقيق في دور المرتزقة الروس في استغلال الثروات المعدنية المحلية. وجد الصحفيون الاستقصائيون الذين يبحثون في القضية أدلة تشير إلى تورط الفاغنر المحتمل في جريمة القتل هذه، لكن لم تظهر كل من جمهورية إفريقيا الوسطى والسلطات الروسية أي استعداد لمزيد من التحقيق في هذه القضية.
“كونستانتين” ، “الكولونيل” ، “مزاي”:
رسائل البريد الإلكتروني المسربة من “المكتب الخلفي الأفريقي” التي استعرضها فريق التحقيق لدينا، لم تحدد الكولونيل باسمه الحقيقي، وتشير إليه فقط باسم “مازاي”. من سياق المراسلات، التي تتعلق فقط بانتشاره في جمهورية إفريقيا الوسطى، من الواضح أن الكولونيل كان الشخصية الروسية الأكثر أهمية على الأرض في الجمهورية، وأن المستشار العسكري الروسي لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى كان يتلقى تعليمات منه. كان لدى بريغوجين فريقه الخاص على الأرض في إفريقيا، وهم حوالي خمسة عشر فردًا لديهم خلفيات قوية في مجالات عدة مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو الاستشارات السياسية أو أمن المعلومات، وجميعهم يعملون في وحدة يشار إليها في المراسلات باسم “مشروع القارة”. لكن يبدو أن هؤلاء الأشخاص جميعًا يتلقون التعليمات في الأمور الأيديولوجية ويتصدون للتسريبات الإعلامية وكل الأمور العسكرية من “مزاي”. تُظهر الوثائق الواردة في رسائل البريد الإلكتروني أنه بينما كان فاليري زاخاروف مستشارًا عسكريًا رسميًا لروسيا لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، كانت الأسئلة ذات الأهمية العسكرية تُوجه دائمًا إلى “مازاي” ، والذي كان ينظر إليه على نطاق واسع من قبل فريق بريغوجين كممثل لوزارة الدفاع، أو الكرملين بشكل عام. رسائل البريد الإلكتروني بين الموظفين تصف “مازاي” بأنه الشخص الوحيد في جمهورية إفريقيا الوسطى الذي يتحدث مع بريغوجين دون خوف وعلى قدم المساواة.
على سبيل المثال ، تحتوي إحدى الرسائل الإلكترونية على رسالة مرفقة ممسوحة ضوئيًا من السلطات المحلية المؤقتة في مدينة بامباري موجهة إلى قائد القوات المسلحة الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى. تطلب الرسالة، المؤرخة في 13 مايو 2019، عقد اجتماع عاجل وخاص من أجل “مناقشة الوضع الحساس بشكل خاص في مدينة بامباري”. وكتب المسؤول المحلي، M’Sarvaise-Ildevert ، كذلك أنه يود أن ينقل معلومات القيادة العسكرية الروسية حول انتشار الأسلحة والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تسببها “المرتزقة” للسكان المحليين، ويتوسل لإيجاد حل عاجل بشكل مشترك خلال هذا الاجتماع.
الجدير بالذكر أن الرسالة الإلكترونية التي تحتوي على الرسالة تقول إن القيادة العسكرية الروسية أرسلت إلى “مازاي” لاتخاذ مزيد من الإجراءات.
ولم يتضح من الرسالة ما إذا كان المسؤول المحلي يطلب مساعدة روسية للتعامل مع الجماعات المسلحة المحلية، مثل متمردي سيليكا الناشطين في المنطقة، أو أنه يحاول إثارة القضايا التي تسبب فيها المرتزقة الروس. قبل ثلاثة أشهر فقط من هذه الرسالة، طلبت الأمم المتحدة من سلطات جمهورية إفريقيا الوسطى معالجة التقارير المتعلقة بتعذيب مدنيي بامباري المحليين على يد المرتزقة الروس أو القوات المسلحة النظامية، بما في ذلك حادثة خُنق فيها أحد السكان المحليين بسلسلة معدنية وتم قطع أحد أصابعه أثناء الاستجواب. بالرغم من ذلك، فالقضية التي تمت إحالتها في الأصل إلى القيادة العسكرية الروسية الرسمية المنتشرة في جمهورية إفريقيا الوسطى تم تفويضها إلى “مازاي” لاتخاذ المزيد من الإجراءات. يوضح هذا المثال مرة أخرى التكامل الوثيق بين الجيش الروسي والعمليات الهجينة التي يترأسها بريغوجين، بما في ذلك الهندسة السياسية في إفريقيا، الأمر الذي يثبته دور “مازاي” في الحملة الانتخابية في مدغشقر.
التعرف على “مازاي”:
لم يتم التعرف على “مازاي” ، المعروف أيضًا باسم “الكولونيل” و”كونستانتين”، من قبل أي منشور، ولم يتم التعرف عليه بالاسم في أي من الرسائل الإلكترونية “للمكتب الخلفي الأفريقي”. يبدو أن هويته لم تكن معروفة في الواقع لموظفي بريغوجين الذين يركزون على إفريقيا. كان “مازاي” حريصًا على عدم التقاط أي صورة له أبدًا دون ارتداء نظارته الشمسية، الأمر الذي جعل التعرف على الوجه مستحيلاً.
في ظل عدم وجود بيانات مفتوحة المصدر للمضي قدمًا في تحقيقنا، ومن أجل التعرف على “مازاي”، حصلنا على سجلات فواتير الهاتف الروسية الخاصة بفاليري زاخاروف، المستشار العسكري الروسي لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، وقمنا بتحليل هذه السجلات. ينتمي اثنان من الأرقام التي تواصل معها في عام 2019 إلى شركة مقرها سانت بطرسبرغ تحمل اسم الشركة العسكرية الأمنية “القافلة” Military-Security Company “Convoy”. تأسست هذه الشركة في 15 يناير 2015 برأس مال مرتفع بشكل غير عادي: 100 مليون روبل روسي (أي حوالي 1.5 مليون دولار أمريكي بسعر الصرف في ذلك الوقت). “القافلة” تسرد نشاطها الرئيسي على أنه “تقديم خدمات الأمن العسكري”. على الرغم من رأس مالها المثير للإعجاب، إلا أن الشركة وظفت رسميًا ثلاثة أفراد فقط في عام 2019، وكان حجم مبيعاتها يزيد قليلاً عن 70،000 دولار أمريكي. حافظت الشركة المسجلة حديثًا على احتياطياتها النقدية عند أكثر من 100 مليون روبل منذ تأسيسها وحتى وقت نشر هذا المقال.
وكان مؤسس الشركة هو كيان قانوني آخر في سانت بطرسبرغ، و هذا الكيان يدعى جمعية القوزاق في سانت بطرسبرغ “Convoy”، والذي يتفاخر أيضًا بخدمات الأمن العسكري كنشاط له. تأسست هذه المنظمة في عام 2009، ولديها خمسة أفراد مساهمين، أحدهم هو أيضًا الرئيس التنفيذي لشركة الأمن العسكري “Convoy”، و إسمه كونستانتين ألكساندروفيتش بيكالوف، و قد ولد في 23 يوليو 1968.
و يظهر البحث في عدة تطبيقات ذكية للبحث عن الأرقام أن أرقام الهواتف التي إتصل بها زاخاروف والمسجلة بإسم شركة “Convoy” هي في الواقع مستخدمة من قبل إسمه كونستانتين بيكالوف.
علاوة على ذلك، تطبيق GetContact للبحث عن أرقام الهواتف والذي يتم إستخدامه بكثرة في روسيا، قدم عددًا من الطرق المختلفة التي تم بها إدخال رقم بيكالوف في قائمة جهات الاتصال لعدة مستخدمين. تطبيق GetContact بالإضافة إلى تطبيقات أخرى مثل TrueCaller، يقوم بتفريغ قوائم جهات اتصال المستخدمين لهذا التطبيق، وثم يقوم علنًا بإدراج الأسماء المختلفة التي تم إدخالها في هواتف المستخدمين للحصول على رقم هاتف معين تم تسجيله في تلك القوائم. وتوفر هذه التطبيقات للباحثين عددًا كبيرًا من الأسماء والألقاب والوظائف دون علم كلٍ من مستخدمي التطبيق ومستخدم رقم الهاتف. العديد من هذه النتائج أظهرت أسماء يمكننا أن نتوقعها من جهات اتصال الهاتف الخلوي لشخص ما، مثل “كونستانتين بيكالوف” أو “كوستيا بيكالوف”، ولكنها أظهرت أيضًا أسماء أكثر خصوصية، مثل “عم إيليا بيكالوف” و”زوج جارتي كونستانتين بيكالوف”.
كان الخيط المشترك بين العديد من الأشخاص هو استخدام اسم “مازاي” أو “مازايف” كلقب له. ويؤيد هذا الاكتشاف فرضيتنا التي تنص على أن كونستانتين من مدغشقر ومازاي هما نفس الشخص. وتسلط هذه النتائج أيضًا المزيد من الضوء عن طبيعة بيكالوفوعمله. حيث أدرج البعض إسمه “بيكالوف – شركة عسكرية خاصة” و ” كونستانتين القوزاق”و “كونستانتين مدغشقر مازاي” و “الحارس الشخصي لراغوجين”. ومن المرجح أن يكون الاسم الأخير هو إشارة خاطئة إملائيًا إلى “ديمتري راوغوجين”، نائب رئيس وزراء روسيا السابق والرئيس الحالي لبرنامج الفضاء الخاص بها. تم فرض عقوبات على راوغوجين من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب دوره في ضم أراضي منطقة القرم والحرب في شرق أوكرانيا.
لقطة شاشة من قائمة النتائج في تطبيق GetContact لرقم الهاتف الخلوي لكونستانتين بيكالوف:
للتحقق من صحة فرضيتنا بأن كونستانتين بيكالوف و”الكولونيل” المعروف أيضًا باسم ” مازاي” هما نفس الشخص، حصلنا على صورة جواز سفر من مصدر لديه إمكانية الوصول إلى قاعدة بيانات جوازات السفر الروسية.وفي حين أنه من غير الممكن إجراء مقارنة دقيقة في الطب الشرعي للوجه نظرًا لعدم ظهور وجهه بالكامل في الصور الأفريقية، فعند النظر في جميع الأدلة الأخرى، وجدنا تطابقًا مقنعًا بما فيه الكفاية لملامح الوجه المرئية، بما في ذلك الأذنين والأنف وشكل الجمجمة، لكي نستطيع استنتاج أن هذا هو الشخص ذاته.
من هو كونستانتين بيكالوف؟
استنادًا إلى مراجعة بعض قواعد البيانات غير المتصلة بالإنترنت والتي تم تسريبها، فقد عمل بيكالوف حتى عام 2007 على الأقل كضابط في الوحدة العسكرية الروسية 99795، المتمركزة في قرية ستوروجيفوي بالقرب من سانت بطرسبرغ. وتصنف المصادر الروسية هذه القاعدة بالتحديد كوحدة تجريبية تابعة لوزارة الدفاع، وهي مكلفة جزئيًا بـ “تحديد تأثيرات الموجات المشعة على الكائنات الحية”. وبعد تقاعده، استمر بيكالوف في العيش في القاعدة العسكرية حتى عام 2012 على الأقل، وأدار وكالة تحقيقات خاصة هناك. وفي عام 2016، ترشح لمنصب في انتخابات المجالس المحلية في منطقة القاعدة العسكرية نيابة عن حزب روسيا العادلة الموالي للكرملين. ونفت لجنة الانتخابات المركزية مشاركته لأسباب غير معروفة، وقد يكون ذلك نتيجة لسجله الجنائي، حيث أن اسمه مدرج في القائمة السوداء للبنك المركزي مع ملاحظة أنه كان من المشتبه بهه في غسيل الأموال. ومع ذلك، فإن الملف الجنائي الحالي لبيكالوف هو فارغ الآن، مما قد يعني إما أن الشك لم ينتج عنه اتهامات جنائية فعلية، أو أن السجلات قد تم حذفها.
استنادًا إلى سجلات السفر التي تمت مراجعتها، سافر كونستانتين بيكالوف في عامي 2014 و2017 عدة مرات إلى وجهات قريبة من حدود أوكرانيا، وأحيانًا في رحلات طيران مشتركة مع ضباط من جماعة الفاغنر المعروفين – بمن فيهم فاديمغوسيف، الشخص الذي أشرف على المسعى السوري الأصلي للفيلق السلافي، ونيكولاي خاماتكويف، أحد أفراد الفاغنر المعروفين.
“نحن الراقصون”:
لا يبدو أن تجربة بيكالوف الانتخابية الدولية كانت مقتصرة على القارة الأفريقية فقط. ففي 27 سبتمبر 2014، سافر بيكالوف إلى مدينة بلغراد في صربيا، وسافر أيضاً إلى الجمهورية الصربية في البوسنة والهرسك. ثم عاد عبر بلغراد في 15 أكتوبر 2014. وخلال هذه الفترة، التي تزامنت مع محاولة إعادة انتخاب الرئيس دوديك المدعوم من الكرملين، وصلت مجموعة كبيرة من القوزاق إلى الدولة الصغيرة وتجولت في الشوارع لعدة أسابيع بزي شبه عسكري كامل. محاولات التمويه لهذه الزيارة كانت غير قابلة للتصديق أبداً، حيث جاءت مجموعة مكونة من 144 فرداً من الذكور الأقوياء فقط للرقص في مهرجان التبادل الثقافي. ولكن الجميع نظر إلى هذه الرحلة على أنها محاولة للتدخل في الانتخابات من خلال قمع الأصوات ضد دوديك. وأجرى المتحدث باسم المجموعة مقابلات، ظهر فيها وهو يبتسم بشكل متعجرف، ونفى خلالها مرارًا وتكرارًا أن هؤلاء الزوار هم من فرقة السبيتسناز الروسية. وغادرت مجموعة القوزاق من البوسنة والهرسك فور إعادة انتخاب دوديك بنجاح في 12 أكتوبر 2014. وكما ذكرنا، سافر كونستانتين مالوفيف في عام 2017 إلى الجمهورية الصربية خلال لفترة ذاتها، وتم تصويره مع الرئيس دوديك في يوم الانتخابات.
في حين أننا لم نتمكن من العثور على كونستانتين بيكالوف في صور من أحداث عام 2014 في البوسنة والهرسك، (لأن معظم “الراقصين” كانوا يبتعدون عن الكاميرات، كما أفادت وسائل الإعلام المحلية)، فإن شريكه في شركة “Convoy” للأمن العسكري، فاسيليياشيكوف، قام بنشر صور من مدينة بانيا لوكا.
بعد عام من رحلته إلى الجمهورية الصربية، قام بيكالوف برحلة مدتها عشرين يومًا إلى كازاخستان بدءًا من 20 يونيو 2015. كما قام بعدد من الرحلات إلى فنلندا وإستونيا، ربما لتبرير تأشيرة شنغن الخاصة به والتي أصدرها حديثًا.
الدخول و الخروج من أفريقيا:
بينما أخبرنا الموظفون السابقون في المكتب الخلفي لبريغوجين الذين قابلناهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم أنه من المعروف أن “مازاي” قد شارك في عمليات عسكرية في كل من أوكرانيا وسوريا، لكننا لم نعثر على بيانات تؤيد ذلك في المعبر الحدودي أو سجلات الطيران. ولكن ذلك لا يؤكد أنه لم يسافر إلى تلك الوجهات، لأنه من الممكن أن يكون “مازاي” قد سافر إما على متن طائرة عسكرية أو أنه قد عبر الحدود الأوكرانية بشكل غير قانوني.
إستناداً على سجلات الرحلات الجوية التجارية، فقد بدأت جولة بيكالوف الأولى في إفريقيا في 7 يوليو 2018 برحلة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى عبر اسطنبول. ولكن لا يزال غير واضحاً ما إذا كان بيكالوف قد زار بعض الدول الأفريقية الأخرى خلال هذه الرحلة أم لا وأيضاً ما هي هذه الدول التي قد زارها، حيث أنه عاد إلى موسكو بعد شهرين ونصف، في تاريخ 28 سبتمبر 2018 عن طريق أمستردام.
بعد ذلك، مكث بيكالوف في روسيا لمدة أسبوعين فقط، ثم عاد إلى إفريقيا في جولة ثانية، وفي هذه المرة سافر بيكالوف إلى مدغشقر مبدئيًا عن طريق قطر في 9 أكتوبر 2018. ومكث في مدغشقر على الأقل حتى بعد إنتهاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر من ذلك العام، ثم عاد إلى روسيا عبر باريس في 21 يناير 2019 بعد قضاء بعض الوقت في جمهورية إفريقيا الوسطى على الأرجح.
وبدأت جولة بيكالوف الثالثة في أفريقيا في 9 أبريل 2019، وانتهت في 15 يوليو 2019. وخلال هذه الرحلة، سافر بيكالوف عبر قطر ولشبونة، وقضى فترة طويلة من الوقت في جمهورية إفريقيا الوسطى،وذلك وفقًا للإشارة إلى مازاي في المراسلات التي تم تسريبها. كانت رحلته الأخيرة إلى إفريقيا هي الأقصر، حيث أنها إستمرت بين 26 نوفمبر و7 ديسمبر 2019، وفي هذه الرحلة سافر بيكالوف وعاد من مكان مجهول عبر اسطنبول.
تجدر الإشارة الى أن تاريخ هذه الرحلة إلى إفريقيا قد لا يكون مفصلاً، حيث قد يستثني الرحلات الجوية عن طريق الطائرات العسكرية، والتي لا تخضع لعمليات تسجيل عبور الحدود مثل الرحلات التجارية.
ومن الرحلات التي قام بها بيكالوف والتي إستطعنا تقصيها، كانت آخر رحلة في شهر فبراير من العام 2020، حيث قام برحلة لمدة يومين في 12 فبراير 2020 من سانت بطرسبرغ إلى بيتشوري، وهي بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 10,000 نسمة وتقع بالقرب من الحدود الإستونية، وتضم فرقة السبيتسناز الثانية التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الروسية.
التحليق بعيداً عن أنظار الاتحاد الأوروبي:
على الرغم من كونه مدرجًا في القائمة السوداء لغسيل الأموال في روسيا، إلا أن دوره الرئيسي الواضح في عمليات المرتزقة – العسكرية الهجينة لروسيا، والتدخل في انتخابات دول إفريقيا والبلقان، وعلى الرغم من ارتباطه المحتمل بقتل الصحفيين الروس المستقلين وتعذيب المدنيين في إفريقيا، تمكن كونستانتين بيكالوف من السفر واجتياز أوروبا من دون أي عوائق. في الفترة من 2015 إلى 2019، تلقى بيكالوف ثلاث تأشيرات شنغن صادرة عن القنصلية الفنلندية في سانت بطرسبرغ، وجميعها مُنحت “بغرض السياحة”. ولا تزال أحدث تأشيرة له صالحة حتى تاريخ 16 مارس 2021. وحتى الآن، سافر بيكالوف في طريقه من وإلى المهمات في أفريقيا، عبر فرنسا وهولندا والبرتغال.
يفغيني بريغوجين، الذي يمكن القول بأنه من الشخصيات الأكثر خطورة في الحرب الهجينة الدائمة في روسيا، لا يخضع لأي عقوبة من الاتحاد الأوروبي. لائحة الاتهام الأمريكية ضده قد حدت من إمكانياته الشخصية في السفر، وذلك بسبب دوره في التدخل الانتخابي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016. ومع ذلك، فإن وكلائه وشركائه يواصلون السفر من دون أي عوائق، وتواصل الشركات الأوروبية في العمل معه. فبعد لائحة الاتهام الأمريكية ضده هو ومجموعة شركاته، أرسل أحد رجال الأعمال الألمان، الذين يشاركونه في الأعمال التجارية، البريد الإلكتروني التالي إلى سكرتيرته:
“من الآن فصاعداً، سيكون من الصعب أن نعمل مع شركة Concord. الرجاء دفع الفواتير القادمة من أي شركة أخرى غير ذات صلة”
في الجزء الثاني من هذا التقرير، سوف نحقق في تاريخ يفغيني بريغوجين في مراقبة الصحفيين المستقلين وتهديدهم ومضايقتهم بشكل غير قانوني، بالإضافة إلى اختلاق روايات كاذبة لاستباق محاولات وسائل الإعلام الروسية والأجنبية لإلقاء نظرة على علاقته بالجيش الروسي.