أخبار الآن | موسكو – روسيا (تحليل)
عندما نتحدث عن القاعدة وعلاقتها بروسيا، يتبادر إلى أذهاننا أنها علاقة تقوم على العداء على اعتبار أن موسكو كانت يوماً محتلة لأفغانستان معقل التنظيم، في حين أن روسيا تعتبر القاعدة جزءً لا يتجزأ من الإرهاب.
هذه العلاقة التي ظهرت أنها واضحة للجميع، تبدو في عمقها أبعد من ذلك بكثير، ولا تقتصر على عداء دولة ذات وزن دولي لتنظيم متشدد، بل تتعدى ذلك لتكون علاقة لها ما لها وعليها ماعليها من تنسيق وربما تدريب لقيادات في القاعدة من قبل جهاز المخابرات الروسية.
ولكي نبتعد عن جدل نظريات المؤامرة، فإن تقارير استخباراتية وصحف عالمية كان منها على سبيل المثال صحيفة “بيزنس إنسايدر” أوردت في تقارير متعددة دراسة عن طبيعة تلك العلاقة وما يلفها من غموض.
وبعيدا عن التشعبات، يمكن القول بأن طرف الخيط (إن صح التعبير) يبدأ من زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري وعلاقته بالمخابرات الروسية.
علاقة الظواهري بالاستخبارات الروسية
من المعروف أن القاعدة كونت علاقات وخاصة في تسعينيات القرن الماضي مع بعض أجهزة الاستخبارات حول العالم، وعلى رأسها إيران، بهدف التنسيق لعملياتها في دول أخرى والحصول على بعض الدعم اللوجستي وربما العسكري. إلا أن العلاقة بين القاعدة وموسكو تبدو حتى يومنا هذا غامضة، بسبب تستر الأخيرة عليها والحرص على عدم كشفها، وهنا تحديداً ننتقل إلى واقعة احتجاز المخابرات الروسية للظواهري ما يقارب من نصف عام في أواسط تسعينيات القرن الماضي.
في الأول من شهر ديسمبر عام ألف وتسعمئة وستة وتسعين، تم اعتقال الظواهري في جنوب روسيا أثناء محاولته دخول الشيشان متخفياً باستخدام جواز سفر سوداني مزور حمل اسم “عبدالله إمام محمد أمين”، رفقة أشخاص آخرين كان منهم أحمد سلامة مبروك الذي قتل في سوريا عام 2016، وهشام الحناوي الذي قتل لاحقاً في الشيشان.
الستة أشهر التي أمضاها الظواهري في أقبية المخابرات الروسية قبل أن يتم اطلاق سراحه، وضعت العديد من علامات الاستفهام حول ظروف الاحتجاز، وماذا تم بها، ولماذا أطلقت موسكو سراح شخص كان يحمل مبالغ ضخمة بعملات دولية متعددة، إضافة إلى كمبيوتر شخصي، وهو يحاول التسلل إلى أكثر بقاع الأرض غلياناً في ذلك الوقت.
ولكي نفهم الصورة بشكلها الصحيح يمكن إيراد النقاط التالية:
– بعد احتجاز الظواهري ومرافقيه، تمت مصادرة أرقام حسابات في مصارف بهونغ كونغ والصين وماليزيا ودول أخرى.
– تمت مصادرة كما أسلفنا مبالغ مالية كبيرة بعملات متعددة.
– تمت مصادرة جهاز حاسوب شخصي عرض لاحقا على الفريق المختص بجهاز المخابرات الروسية.
– تم الكشف عن شهادتين مزورتين للظواهري من جامعة القاهرة.
– كشفت التحقيقات أن رحلة الظواهري التجارية كما ادعى لم تكن صحيحة، وخاصة أن الشركة التي طرح اسمها الرجل ومقرها في باكو عاصمة أذربيجان، لم يكن لها وجود حقيقي.
كل الأدلة والقرائن السابقة وطلب الإدعاء الروسي سجن الظواهري ثلاث سنوات، ضُرب بها عرض الحائط، وتم إطلاق سراحه على اعتبار أنه قدِم إلى روسيا لدارسة الأسواق التجارية فيها.
الأنكى من ذلك أنه بعد إطلاق سراح الظواهري قام بإجراء زيارة إلى داغستان مدة 10 أيام، حيث التقى متشددين هناك، ليتم هدف رحلته الأصلي وليصل لاحقاً إلى أفغانستان، حيث عزز من تحالفه المصيري مع أسامة بن لادن ويضع معه أسس التنظيم ويطلق عملياته باتجاه دول الغرب.
شكوك
هناك أسباب عدة للشك في الرواية الرسمية التي يرويها الجانبان عن القضية، فالظواهري كان واحداً من أكثر المطلوبين خطورة في العالم عام 1996، بعد اتهامه بالمشاركة في التخطيط لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، إضافة إلى تمكن الظواهري ومرافقيه من الإفلات من قبضة أحد أشهر أجهزة الاستخبارات في العالم والذي يستخدم شتى أنواع الطرق للحصول على اعترافات المتهمين بما فيها استخدام وسائل التعذيب.
وعلى عكس ما ظهر، فإن فكرة التنسيق وربما تدريب الظواهري خلال الأشهر الستة التي قضاها في أقبية المخابرات الروسية، ليست بمستبعدة نهائيا لمن يعرف أساليبها وكيف استخدمت إرهابيين حول العالم وأطلقتهم في مواجهة دول أخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ولعل من أهم النقاط في علاقة الظواهري بالاستخبارات الروسية، شهادة الضابط الروسي المنشقق “ألكسندر ليتفينينكو” الذي اغتيل عام 2006 في بريطانيا، والذي تحدث فيها عن خضوع الظواهري لتدريبات من قبل المخابرات الروسية ومن ثم إرساله لاحقاً إلى أفغانستان للتخطيط لشن عمليات ضد أهداف غربية.
ويمكن القول كنتيجة ما سبق، أن التطرق لعلاقة الظواهري وقيادات في القاعدة مع جهاز المخابرات الروسي، ليس من قبيل النبش في الماضي، بل هو أمر على غاية في الأهمية وخاصة على ضوء تصاعد التوتر بين موسكو ودول الغرب، وما يحيط بذلك من احتمالات قد تلجأ لها روسيا صاحبة الباع الطويل في إدارة عمليات غير شرعية عبر أذرع ومنظمات ومجوعات إرهابية حول العالم.