"فريد خان" من مقاطعة وزيرستان الباكستانية .. أجبرته يد الإرهاب على أن يحمل لقب "نازح"، فقد هجر وزيرستان حيث ولد ونشأ وكبر إلى إقليم خيبر بختونخواه المجاور لعله يجد الأمان له ولعائلته بعد تهديدات الميليشيات المسلحة لمنطقته وأهلها فاثر الرحيل رغم صعوبة الظرف.
ففي باكستان التي تمر بأزمات وحالات إنسانية لا تُحصى يتصدر المشهد أزمة النازحين داخلياً بسبب العمليات العسكرية ضد الإرهاب، حيث أُجبر مئات الآلاف من السكان المحليين على النزوح من مناطقهم إلى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان والنجاة بحياتهم وأسرهم من ويلات المعارك ونقمة الإرهابيين.
موجات النزوح توالت منذ عام 2008م عندما بدأت قوات الجيش الباكستاني عملية تطهير شاملة في منطقة وادي سوات شمال غرب باكستان ضد طالبان التي سعت إلى إقامة دولة داخل الدولة، وأعقبتها موجات أخرى من منطقة القبائل المحاذية للحدود مع أفغانستان. وفي يونيوعام 2014م شرعت قوات الجيش في عملية عسكرية شاملة جديدة في منطقة وزيرستان الشمالية التي تحولت إلى معقل رئيسي لطالبان وتنظيم القاعدة ما أدى إلى حدوث موجة جديدة للنازحين قسراً داخل وطنهم فراراً من الصدامات المسلحة والاضطرابات الأمنية.
السلطات الباكستانية قدرت السلطات إجمالي عدد النازحين داخلياً بحوالى مليوني شخص تمت استضافتهم في مخيمات خاصة أقيمت في عدد من مدن إقليم خيبر بختونخواه المحاذي لمنطقة القبائل، وفضّل عدد كبير من النازحين عدم الإقامة في مخيمات النازحين التي قصدها من لا ملجأ اخر له.
وبالرغم من تعهد الحكومة ببذل كل جهد لتلبية احتجاجات النازحين داخلياً إلا أن الخلافات السياسية حالت دون تلبية الأساسية منها في بعض المخيمات الخاصة بالنازحين في مدن الإقليم.
"أخبار الآن" زار مخيم "بانو" المخصص للنازحين من وزيرستان ووجدنا حاله كحال غيره: لا ماء ؛ لا كهرباء ؛ والغذاء لا يسد الرمق !!!
يقول فريد خان لـ"أخبار الآن" إنه كان يعيش مع أسرته في وزيرستان وسط اضطرابات أمنية وتهديد المليشيات المسلحة فنزح منها مع الآلاف من السكان المحليين ولم يجد مأوى سوى الإقامة مع أسرته في مخيم "بانو" المخصص للنازحين من وزيرستان.
"خان" حمّل طالبان-باكستان المسؤولية الأولى عن نزوح سكان وزيرستان وإقامتهم في مخيمات مكتظة وظروف إنسانية صعبة لا تطاق، موضحاً أن المساعدات الغذائية المقدمة من جانب المؤسسات الحكومية لا تكفي لسد الحاجة، وهناك أمور وأشياء كثيرة ضرورية لا يمكن تأمينها بسبب الاكتظاظ، مشيراً إلى أن معظم النازحين المقيمين في المخيمات يشعرون بسوء حالة المرافق الأساسية ومصادر المياه النظيفة خصوصا، مضيفا "لأخبار الان" ان معظم الأسر لم تطق العيش في المخيمات لسوء الحالة الإنسانية وطريقة توزيع المواد الغذائية.
فالنازحون ينتمون إلى عرقية البشتون المحافظة على الأعراف والتقاليد القبلية ما دفعهم لرفض البقاء في المخيمات فخرجوا الى المدن الكبرى مثل إسلام آباد وكراتشي وبيشاور ولاهور بحثا عن حياة فيها أمل أكبر بالمستقبل، أما من بقي فيشعر بنفسه فريسة للبرد القارس مع حلول الشتاء، والبعض الاخر أجبر على الخروج إلى الأحياء السكنية القريبة للتسول لعله يؤمن بعض احتياجات أسرته.
وبيّن خان أن من أكبر المشاكل الاجتماعية التي يواجهها النازحون انقطاع أطفالهم عن الذهاب إلى المدارس، والإحساس بالحرمان والشعور بالغربة داخل وطنهم، وفقدان الأعمال والحرف التي كانوا يمارسونها وفقدان مواشيهم وضياع أراضيهم الزراعية، وعدم وجود مكان مناسب لدفن حتى موتاهم إذ إن من عادات القبليين دفن أقربائهم في مقابر خاصة بهم.
بعض المنظمات العاملة من أجل حقوق الأطفال في باكستان عبرت عن تحفظاتها إزاء الظروف السيئة التي يواجهها الأطفال في مخيمات النازحين وانقطاعهم عن التعليم المنتظم فضلاً عن سوء الوضع الصحي وسط موجة البرد والصقيع التي تتعرض لها المناطق الشمالية الغربية من باكستان.
الحياة الصعبة والمشاكل الاجتماعية في المخيمات أجبرت المئات من النازحين على تنظيم مظاهرات في عدد من مدن إقليم خيبر بختونخواه لمطالبة الحكومة بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم في وزيرستان، وهدد البعض بتنظيم اعتصام حاشد أمام مقر البرلمان الوطني في إسلام آباد لأنهم باتوا يرون أنفسهم لاجئين بالفعل داخل وطنهم فاستجابت الحكومة لمطالبهم ووضعت خطة لإعادة تأهيلهم في مناطقهم وخصوصا المناطق التي تم تطهيرها بالفعل من نفوذ مسلحي طالبان في وزيرستان.
المدير الإقليمي لهيئة الإغاثة الإسلامية برابطة العالم الإسلامي في باكستان ،وهي من المنظمات النشطة في مجال العمل الإنساني في باكستان، الدكتور عبده بن محمد عتين، كشف في تصريح لـ"اأخبار الآن" أن الحكومة الباكستانية قامت بتأمين كل الاحتياجات اللازمة للنازحين، ولكن المخيمات مهما كانت تبقى مخيمات ولا يمكن مقارنة الحياة فيها بالحياة في المنازل، وعن عودة النازحين وتأهيلهم في مناطقهم أوضح الدكتور عتين أن المرحلة قد تستغرق سنوات عدة لأن مناطق وزيرستان بحاجة إلى إعادة البناء بعد العمليات العسكرية.
النازحون الباكستانيون يشكلون اليوم أزمة إنسانية إلى جانب أزمة اللاجئين الأفغان المقيمين في باكستان منذ عقود .. إذ إن باكستان لا تزال أكبر مستضيف للاجئين في أنحاء العالم بحسب التقرير السنوي الأخير للمفوضية الدولية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ومهما كان الدعم الذي تقدمه اامؤسسات الحكومية للنازحين، فإن الحياة في المخيمات ليست كغيرها وسكانها يتطلعون الى المستقبل عسى العودة الى الوطن الذي يسكننا تكون قريبة….