آسية عبد الرحمن – ساحة الرأي | أخبار الآن
يواجه العالم العربي أزمة أخلاقية حقيقة تتجلى بعض مظاهرها فيما تتعرض له النساء في الشوارع والأسواق من اعتداء لفظي وجسدي، وانتهاء صارخ للخصوصية، وإمعان في الإهانة من خلال التحرش الذي يزداد ممتهنوه يوما بعد يوم، ولم يعد مقتصرا على المراهقين.
ومما زاد في انتشار الظاهرة، ضعف الوازع الأخلاقي، وقبول المجمتع العربي بهذا التصرف غير الانساني، ما دام يصدر من رجل، فلو كانت المتحرشة امراة لما انتشرت الظاهرة على بعد شارع واحد.
ولمواجهة هذه الظاهرة المتفشية، المشوهة لصورة المجتمعات العربية هناك عدة وسائل يمكن ذكرها، وهي وسائل لا يمكن أن تجدي نفعا إلا إذا عمل بها مجتمعة، وزاد عليها كل مجتمع ما يناسب خصوصيته الثقافية.
رفع الصوت النسائي
يقال إن الظلم بدأ حين وضع شخص يده على أرض آخر وقال هذه لي، ولم ينكر عليه أحد، كذلك التحرش، بدأ حين أخذته النساء على أنه نوع من ابداء الاعجاب بهن، وسكتن عليه، فلو أن كل امراة اعتبر أي تعرض لها سواء في الشارع أو من خلال وسائل الاتصال الحديثة، اعتداء على خصوصيتها، وصرخت في وجه المجرم، ثم بلغت عنه، ووجدت في من حولها من الأهل والأصدقاء سندا، لكانت حالات التحرش أقل.
وصوت الرجال أيضا
الاعتقاد الخاطئ أن الرجال يوافقون على فكرة التحرش بالنساء بشكل عام ،هو اعتقاد خاطئ، فكثير من الرجال يرفضون التحرش، ويعتبرونه جريمة، وما نشاهده في ما تعرضه وسائل الإعلام العربية من توقيف المتحرشين، نجد أن أكثر من فيه يكون من الرجال.
لذلك على الرجال عدم الاكتفاء بمؤازة من تعرضن للاعتداء من قريباتهم فقط، بل يجب عليهم أن يبلغوا عن أي حالة تحرش رأوها في الشارع، ويساندوا أي فعل جماعي أو فردي يهدف إلى القضاء على هذه الظاهرة المخجلة.
تفعيل المنظومة القانونية
إن مما شجع المراهقين وحتى الشباب على امتهان التحرش بالنساء في الشوارع العربية هو يقينهم برضا المجتمع المبطن على ما يفعلون، ومعرفتهم ولو غير الناضجة بوجود فراغ قانوني كبير في المنظومة العقابية للقوانين العربية في ما يتعلق بتعريف أو عقوبة التحرش.
فمن القوانين القليلة التي يرد فيها ذكر للتحرش، يصنف على أنه جنحة، والجنح هي مرحلة متوسطة بين المخالفات والجرائم، ومن النادر أن يعرض على المحكمة شخص بتهمة التحرش، إلا إذا كان فعله نتجت عنه جريمة أكبر من ذلك.
في حين أنه إن كانت هناك إرادة جادة في القضاء على التحرش يجب أن تعتبر شروعا في جريمة الاغتصاب، واعتداء على خصوصية الغير، وانتهاك للمشاعر الانسانية واخلالا بالسكينة العامة، حينها ستوجب على المشرع العربي أن ينص على عقوبات رادعة مما يجعل الظاهرة تقل.
وللأجهزة الأمنية الدور الأكبر
إن ما ذكر سابقا من الوسائل لا يمكن أن تقول بالدور الفعلي في القضاء على التحرش من دون نشاط حقيقي من الأجهزة الأمنية العربية، وعلى تلك الأجهزة أن تأخذ البلاغات التي تصلها من طرف ضحايا التحرش على محمل الجد، وتتعامل من المحترش باعتباره عنصرا خطيرا يهدد السلامة الأمنية للمجتمع.
عقد اجتماعي ملزم
حين تقول وسائل الإعلام وهيئات المجتمع المدني، وقادة الرأي في المجتمع بالتوعية بخطورة ظاهرة التحرش، والدعوة إلى ما يشبه العقد الاجتماعي الذي يلزم كل شخص في المجتمع بالتبليغ عن أي حالة تحرش رآها في الشارع، والامتناع على القيام بتصرف مماثل، واعتبار المتحرش شخصا منبوذا، حينها يمكن أن يوجد صوت جماعي لمواجهة هذه الظاهرة المقيتة.
ولكن الدور الأهم والذي لا ينفع أي وسيلة من الوسائل السابقة إلا به هو تعزيز قناعة المرأة أن المتحرش ليس مبديا للاعجاب بهو مخطط لجريمة أكبر، إنه ذئب بشري.