دبي٫ الامارات العربية٫ ٢٠ يناير ٢٠١٤ ٫آسية عبد الرحمن٫ جريدة القبس – 

 قندهار فبراير 2002

في أحد الأيام، وبينما كان أسامة يمازح أحد حرسه الشخصيين، قال له «إن وجدت نفسي في يوم من الأيام في مواجهة الأسد، وقادرا على الزواج، فلن أتردد في ذلك».

استدعى أسامة ناصر البحري، ليكلفه بمهمة، ذات أهمية قصوى. وبينما كان هذا الرجل ينتظر الشهادة في سبيل الله، فوجئ بأسامة بن لادن وهو يمنحه مبلغ 5000 دولار كاش، ليسلّمها إلى زعيم عشيرة يمنية في صنعاء.

كان هذا المبلغ هو مهر المرأة، التي كان أسامة ينوي الزواج بها، بعد أن اتخذ قرار الارتباط بزوجة رابعة احتراما للشريعة.

وقع خيار بن لادن على ابنة زعيم عشيرة يمنية، حتى يتمكن من خلال هذه الزيجة عقد تحالف مع عدد من العشائر التي تسبب اضطرابات، كما برر زواجه بقوله «إن واجهت القاعدة مشاكل مستقبلا، فسنستطيع العودة إلى اليمن».

كان بن لادن يعتقد أن عائلة زوجته المقبلة، التي تنحدر من مدينة تعز في جبال جنوب غرب البلاد، سترحب به إن طلب اللجوء إليها. وتمت المهمة بنجاح بعد مفاوضات، انتهت بحجز تذاكر السفر للأشخاص الذين سيرافقون العروس الى قندهار.

قبل عامين بالضبط، كان الشيخ راشد محمد، المعروف بـ«أبي الفداء» قد نفذ أهم مهمة في حياته، وعنها يقول «كنت مقاتلا سابقا في أفغانستان، وكنت أسافر كثيرا، وأتنقل بين قندهار وصنعاء. لقد تعرّفت هناك على بن لادن، وكنت قريبا منه جدا، وفي أحد الأيام من عام 1988، قال لأحد الأصدقاء في المعسكر إنه يرغب في الزواج من امرأة يمنية. لقد روى لي صديقي ذلك، وقال إن الخجل منع أسامة من طلب ذلك مباشرة مني، وعليه ذهبت لرؤيته وتحدّثت معه في الموضوع».

 

أوصاف العروس

كان أسامة يرغب في الزواج مجددا، وكلّفه بالبحث عن عروس له، وعليه تلقى الشيخ العشريني أوصاف اللؤلؤة النادرة «يجب أن تكون ورعة وصالحة وجادة وشابة، ومن الأفضل أن يتراوح عمرها بين 16 و18 سنة.. سلوكها جيد وتنتمي إلى عائلة محترمة، ولكن وعلى وجه الخصوص عليها أن تكون صبورة وتتحمّل الظروف الاستثنائية التي أعيش فيها».

سأل الشيخ زوجته لدى عودته لليمن، وطلب منها إن كانت تعرف عروسا مناسبة لقائده الذي يبلغ 44 عاما «لقد حدثتني فورا عن فتاة تدعى آمال، وهي إحدى تلميذاتها التي تتردد عليها من أجل تلقي دروس دينية منذ عامين. لقد كانت تعيش في مدينة اب، ولم يسبق لها أن عملت في الحقول ولا في غيرها، وقد بدأت الدروس في عمر الـ16».

كان تكتم الفتاة المطلق هو ما أقنع زوجة الشيخ بأن آمال ستكون زوجة مناسبة ورفيقة حرب مثالية بالنسبة لابن لادن… كل هذه المعلومات الإيجابية دفعت راشد محمد الى لقاء الشابة آمال التي كانت تقضي معظم وقتها في القراءة «لقد حدثتها عن بن لادن، وطلبت مني مهلة حتى تعطيني الجواب النهائي قبل أن أفاتح والدها في الموضوع». «وهكذا وافقت البنت بعد أسبوع وأبلغتني بذلك، لكني طلبت منها إن كانت متأكدة من قرارها، فأجابتني قائلة: «سيساعدني هذا الزواج على تحقيق حلمي»، «وحين سألتها عن طبيعة هذا الحلم، ردت: الموت شهيدة في ساحة الشرف».

 

◄ مفاوضات سهلة

لكن كان على راشد محمد أن يقنع رب العائلة بالسماح لابنته بالمغادرة معه، وعن ذلك يقول راشد «في البداية رفض الأب، لكنه تقبّل الفكرة وتنازل بسبب إصرار ابنته».

في يوم السفر، رافق والد الخطيبة، الفريق الصغير المكون من آمال وشقيقتها والشيخ راشد إلى العاصمة صنعاء، وهكذا شدّوا الرحال إلى باكستان قبل السفر إلى أفغانستان.

بعد رحلة استمرت يومين، حان الوقت لتنفصل آمال عن شقيقتها وتبدأ حياتها كامرأة متزوجة.

ويقول الوسيط في هذا الزواج «في اليوم التالي لوصولنا، تم تنظيم حفلة صغيرة لاستقبال الزوجة الجديدة لأسامة بن لادن، وقد تم إحياء حفلتين منفصلتين، إحداهما للنساء والأخرى للرجال».

كان الشيخ راشد متخوفاً من ردة فعل أسامة، خاصة أنه هو من اختار العروس، لكن بعد ثلاثة أيام تلقى إجابة الزعيم، الذي أبلغه بأن اختياره كان ممتازا.

تزوّج أسامة بن لادن بآمال في معسكره في قندهار في شهر يوليو من عام 2000، وقد شهد الاحتفال زغاريد وإطلاق نار وفق عدد من المدعوين.

وعن العرس يقول الشيخ راشد «لقد تم الاحتفال بالعرس وفق التقاليد الإسلامية، ومثلما يحييه العرب، حيث احتفلت النساء في جانب والرجال في الجانب الآخر، لقد كانت هناك رقصات شعبية، وتم ذبح عدد من الثيران.. لقد كان هناك رجال كثر، لكن النساء اللواتي شاركن في العرس لم يتعدّ عددهن 10، وكن النساء الوحيدات في المعسكر».

 

غيرة الزوجات

تم تجهيز غرفة آمال في المجمع رقم 6، بسرير زوجي وبضع وردات وكتب دينية، ويقول الشيخ راشد محمد «أقمت أنا وزوجتي في غرفة أخرى تقع في المجمع ذاته. وقد قمنا بهذا الإجراء حتى تكون زوجتي قريبة من آمال، خاصة في الأيام الأولى، ومثل جميع الزيجات، حيث تحتاج العروس إلى من يساعدها في ترتيب جهازها وملابسها».

حضرت زوجات أسامة بن لادن العرس، لكن لا يمكن أن نقول إن الزوجات اللواتي أثبتن طيلة سنوات وفاءهن لأسامة، أنهن استقبلن عروس الجبال بسعة صدر «كانت نجوى تستشيط غضبا، لكنها لم تظهر عدم رضاها لآمال، حيث قالت إن الخطأ ليس خطأها وإنما خطأ أسامة».

عايشت زوجات بن لادن نجوى وسهام وخيرية لحظات وصول العروس الجديدة، لكنهن لم تكنّ موافقات على ذلك، وعن تلك اللحظات يقول ناصر «كن جميعهن يشعرن بالغيرة من آمال، وعلى الخصوص نجوى، التي عاتبت بقسوة زوجتي، لأنها كانت تعتقد بأنني أنا من ذهب الى اليمن للبحث عنها». وأضاف: لقد قالت لها «لقد أعطاكم أسامة المال وأنتم تعيشون جيدا بفضلنا، والآن زوجك هو من ذهب إلى اليمن ليجلب له امرأة، هذا أمر لا يليق».

حتى أبناء أسامة فوجئوا بالزيجة ولم يقبلوا بهذه الغريبة التي تصغرهم عمرا، حتى أنهم سألوا ناصر الحرس الشخصي «لمَ جلبت لوالدنا هذه البنت التي تصغرنا عمرا؟».

 ◄ حوار عاصف

وأوضح لنا الشيخ راشد «لقد بقيت في المعسكر مع زوجتي طيلة عام كامل، وخلال هذه السنة زار والد آمال ابنته في المعسكر، وحين رآها بعد تسعة شهور من زواجها، فوجئ بالظروف التي كانت تعيش فيها، حتى أنه اقترح عليها العودة برفقته إلى اليمن، لكن آمال قالت له إن الحياة هنا تسمح لها -بالتأكيد- في بلوغ مرادها، وأن حياتها ستكون قصيرة، مما وتّره وأغضبه ودفعه إلى الرد عليها «إنه خيارك، أنا سأرجع ولن أعود أبدا إلى هنا».

وفي اليمن البعيد، قرر وليد ابن عم آمال الالتحاق بأفغانستان، وبوصوله حضر مشهدا حاسما. لقد أُخطر أسامة بنية نجوى المغادرة، فخيّر زوجتيه سهام وخيرية بين البقاء إلى جانبه أو المغادرة، لكن آمال -الزوجة الأخيرة- قالت بكل إصرار «أرغب في أن أموت شهيدة إلى جانبك، ولن أغادرك ما دمت حيا».

حذّر أسامة زوجاته من الوضع، وقال لهن «أنتن معرَّضات للموت في أي لحظة» لكن آمال كانت قد حددت موقفها، وقالت أمام ابن عمها «لقد اتخذت قراري النهائي».

 

حياته مع آمال

وعن حياتها مع أسامة تقول آمال «طيلة حياتي مع أسامة، كان يأتي أحيانا إلى بيتي متأخرا في الليل، ليستلقي بمفرده على سريره لمدة ساعات طويلة. وكان يرغب في ألا يكلمه أحد».

لقد كان يفكر في «مشروعه الكبير»، ويجلس لساعات، فيما لا ينام إلا قليلا، ولفترة لا تزيد عن ثلاث ساعات «لقد كان يغضب كثيرا حين أحاول التكلم معه، لذلك كنت اتركه بمفرده».

في تلك الفترة عانى أسامة من التعب والقلق، لذلك كان يتناول الأدوية والمهدئات، من أجل تهدئة أعصابه، ويقضي ليلة واحدة في الأسبوع عند آمال، التي لم تكن تلتقي بقية زوجاته.

من حسن حظ زوجات بن لادن أنهن كن يذهبن إلى كابول مرة أو مرتين في كل موسم، حيث كن يتجولن برفقة أبنائهن في حافلة، ترافقها عدة سيارات مدججة بالحرس والسلاح.

كما كن يزرن أحيانا عزة الظواهري التي كانت تعيش مع زوجها في حي ويزير أخبان خان، حيث مقار البعثات الدبلوماسية والوزارات. لقد كانا يقيمان في بيت كولونيالي جميل ومريح، خاصة وأنهما كانا يرعيان فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

بداية القلق

كان سبب مغادرة عائلة الظواهري مدينة قندرهار استراتيجياً، فمنذ الهجوم الذي نفذه انتحاري على المدمرة الأميركية يو أس أس كول في أكتوبر 2000، قام أسامة بن لادن بإعادة تنظيم القيادة وفرق البيض الذي كان في سلة واحدة.

بمرور الشهور، أصبحت زيارات بن لادن لزوجاته قليلة، وعن ذلك تقول آمال «لقد أصبح يأتي لزياتي مرة واحدة فقط كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وكان يقول إنه متعب، وبأن لديه مشاكل خاصة مع الملا عمر وقيادات طالبان».

لم ينس أسامة أبدا كيف تعامل معه الملا عمر في حديقة بيته، ويبدو ان العد التنازلي قد بدأ «لقد قال لي بأنه متخوف من انقلاب طالبان ضده وتخلصهم منا او أن الولايات المتحدة الأميركية تدفع لأحدهم للتخلص منا».

كانت الحرارة في شهر أغسطس لا تطاق في قندهار، بينما كانت آمال تصرخ ألما، استعداداً لولادة طفلها الأول.. لقد كانت الظروف صعبة للغاية، لكن المهمة انتهت. في تلك الفترة بالذات قرر الشيخ رشاد وزوجته مغادرة أفغانستان «لقد طلبت منا أن ننقل إلى عائلتها تحياتها، وان نقول لهم «لا يجب أن تقلقوا علي، أنا بخير وسأحقق حلمي».

 

◄ العودة إلى سوريا

لكن في المقابل كانت نجوى منهكة وقلقة جدا، لذلك استجمعت قواها وشجاعتها وطلبت من زوجها أن تعود إلى سوريا.

فرد عليها: هل تريدين الذهاب نجوى؟

– نعم اود العودة الى سوريا، عند أمي.

– هل أنت متأكدة ؟

– ارغب في الذهاب الى سوريا.

– موافق نجوى، بمقدورك ان تغادري.

«هكذا رد أسامة والحزن يعتصر قلبه، ثم أضاف «سأهتم بسفرك، ستغادرين خلال بضعة أسابيع».

خرج أسامة، ثم عاد ليقول لها «لن أطلب أبدا الطلاق يا نجوى. وإن سمعت بأني طلقتك فلا تصدقي أبدا».

قدمت نجوى في صباح احد الأيام الأولى من شهر سبتمبر 2001، خاتما لرجل حياتها، كرمز لكل السنوات التي قضياها معا، وها هي في طريقها إلى باكستان، لكنها لم تتمكن من اصطحاب إلا ثلاثة من أصغر أطفالها، وقد عذبها ذلك كثيرا.

«لقد شعرت بان قلب الأم يتحطم في داخلي، حين رأيت أولادي وهم يغادروني بعيدا عني».

لم يعد أسامة في تلك الفترة، الرجل الذي تزوجته نجوى قبل 26 عاما، فمخططه في طريقه إلى التنفيذ، ولا أحد بات قادرا على كبحه، حتى زوجته الجديدة آمال، ابتعد عنها وعن ذلك تقول «لقد أعطاني هاتفا وطلب مني أن أحدث عائلتي وأخبرتها بأننا سنغادر إلى مكان ما، وأننا لن نستطيع الاتصال بهم لفترة طويلة».

ودعت آمال والدتها دون أن تكون على دراية بوجهتها الجديدة، وحين أنهى أسامة تحضير السيارة، أمرها بالمغادرة برفقة أحد أولاده ومرافقين باتجاه الجنوب، نحو الحدود الباكستانية.

 ◄ اليوم الأصعب

كان يوم الحادي عشر من سبتمبر أصعب يوم في العالم، حيث تصدرت صور النيران المتصاعدة من التفجيرات التي ضربت الولايات المتحدة شاشات التلفزيونات، فيما كانت نجوى في اللاذقية، حين رن الهاتف.. كان عمر هو المتصل وكانت تنهداته تحبس أنفاسه وتمنعه من الكلام.

وفيما كانت الضربات الجوية الأميركية تزعزع جبال أفغانستان، كانت مها وزينب تختبئان في منزل يقع في ضاحية لوغر في جنوب كابول، وقد اكتشفتا في الطابق ذاته وجود عزة الظواهري.

لم تتعرف مها وابنتها بسهولة على عزة التي كانت شعثاء الرأس وتحمل بين يديها ابنتها المعوقة، بينما كان ابنها يرتعش، حافي القدمين.. لقد فرت زوجة الظواهري من التفجيرات، وتقول السيدة وابنتها بأن عزة قالت لهما بأنها لم تعرف أبدا من كان زوجها في الحقيقة «لم أكن اعرف أبدا بأنه أمير، ولا استطيع تصديق ذلك».

كانت عزة تعتزم اللجوء إلى بيت أحد أنصار طالبان الذي لا يبعد سوى 15 دقيقة عن مكان تواجدها، لكن القوات الأميركية استهدفت المكان معتقدة بأن الظواهري مختبئ فيه، مما أدى إلى وفاتها تحت أنقاض البيت قبل وصول فرق الإنقاذ، فيما نجت ابنتها المعوقة فقط التي كانت في الرابعة من عمرها.

 

 

محاولات أسامة

حاول أسامة طمأنة زوجاته وأولاده بالقول إن زوجته الجديدة هي امرأة ناضجة وفي الثلاثين من عمرها وتحفظ القرآن عن ظهر قلب، وبالفعل نجح في ذلك وانتهت زوجاته إلى استقبال آمال، التي كانت مؤدبة جدا معهن، وقد أعجبن بها هن أيضا لأنها قليلة الكلام.

اندمجت آمال بسرعة في هذا المجتمع الصغير، وتعودت على حياة المخيم، حتى بدا بأنها قد عثرت على السعادة في قندهار. وفي أحد الأيام قالت للشيخ راشد إن أسامة يحب أن يسخر من طريقتها في تقطيع الليمون عموديا، مثلما يقطع التفاح وانه كان يقول لها «إنها طريقة يمنية».

وحين كان أسامة بن لادن يرغب في قضاء ليلة مع آمال، كان يقول أمام جميع أفراد عائلته «أرغب في تناول تاماتيس هذا المساء (وتعني الطماطم باللهجة اليمنية)»، لأن آمال كانت تستعمل دوماً هذه الكلمة.