اسلام اباد، باكستان، 12 يناير 2014، وكالات –
كان اعتزاز حسن، الطالب في الصف التاسع، والبالغ من العمر 15 عاما، يسير بسرعة رفقة اثنين من زملائه لحضور طابور الصباح في المدرسة، غير أنهم توقفوا عندما رأوا شخصا غريبا يرتدي نفس الزي المدرسي الذي يرتدونه. تساءل ذلك الشخص بشيء من الفضول عن وجهة السير، مما أثار شكوك اعتزاز الذي تصدى له أثناء محاولته الفرار، إلا أن ذلك الشخص الغريب فجر نفسه، مما أسفر عن مقتله ومقتل اعتزاز.
وأثار ذلك التفجير الانتحاري الذي وقع يوم الاثنين الماضي في شمال غربي باكستان، الإقليم الذي تعد مظاهر التشدد الديني والفوضى الطائفية إحدى سمات الحياة اليومية فيه، غضبا عارما في البلاد ليس بسبب الشخص الانتحاري، الذي يعتقد أنه واحدا من متشددي حركة طالبان، بل بسبب الطالب الذي خاطر بحياته وفقدها بالفعل في محاولته منع الهجوم.
وفي خضم حالة الحزن والفزع التي عمت باكستان وزادت حدتها مع ورود نبأ تصدي اعتزاز لمحاولة الهجوم الانتحاري، وصف كثير من الباكستانيين اعتزاز بأنه بطل وأنه يستحق أعلى جائزة في باكستان تكريما لشجاعته وبسالته. كما يرى البعض اعتزاز على أنه أحد وجهي العملة التي تمثل ملالا يوسف زاي، الفتاة البالغة من العمر 16 عاما، وجهها الآخر. وكانت ملالا قد أصيب بطلق ناري في الرأس والرقبة عندما كانت تستقل حافلة مدرسية في شمال غربي باكستان في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 من قبل مسلحين من طالبان بسبب دفاعها عن حق الفتيات في التعليم. وبقيت ملالا على قيد الحياة بعد عدد من الجراحات وعمليات التأهيل المكثفة، وأصبحت الآن واحدة من مشاهير العالم.
ويقول زهيد الله بنغاش، أحد أقارب اعتزاز: «المؤسف حقا هو أن اعتزاز فقد حياته، لكن لحسن الحظ أنه أنقذ حياة مئات الطلاب الآخرين». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» هذا التعليق عن بنغاش من قرية في منطقة هانغو بإقليم خيبر – بختونخوا، المعروف بتاريخه الطويل من العنف الطائفي. وقال أقارب اعتزاز ومسؤولون في الشرطة، إن الانتحاري كان يريد تنفيذ التفجير في مدرسة حكومية ثانوية للبنين في مدينة إبراهيم زاي، التي يدرس بها ما لا يقل عن ألف طالب. وأضاف بنغاش، أن اعتزاز وزملاءه كانوا على عجلة من أمرهم لتجنب التأخر عن طابور الصباح عندما قابلوا ذلك الشخص الغريب. ويقول بنغاش أيضا: «أثار مظهر ذلك الشخص الغريب الشكوك لدى اعتزاز، فبادره بالسؤال عن هويته، قائلا إنه لم يسبق له أن رآه في المدرسة. فحاول ذلك الشخص الفرار، إلا أن اعتزاز تصدى له، وخلال المشاجرة التي نشبت بينهما، فجر الانتحاري نفسه».
وفور انتشار نبأ تصدي اعتزاز للشخص الانتحاري، أطلق صحافيون باكستانيون بارزون ومجموعة من المدونين ومستخدمي موقع «تويتر» حملة لحث الحكومة الباكستانية على تكريم الفتى «البطل» بطريقة غير عادية. وبالفعل، وفق رئيس وزراء البلاد نواز شريف أمس على منح أرفع جائزة مدنية لاعتزاز، وقال إنه سيجري منحه «وسام الشجاعة». وتابع رئيس الوزراء قائلا: «عمله الشجاع أنقذ حياة المئات من الطلاب وأرسى قدوة يحتذى بها عن الشهامة والوطنية». وتعليقا على ما قام به اعتزاز، قالت الصحافية الشهيرة والمذيعة البارزة صاحبة برنامج حواري شهير، نسيم زهرة، «يجب علينا أن نكرمه».
ويقول مسؤولون في الشرطة الباكستانية، إن مدينة إبراهيم زاي التي تضم أغلبية شيعية تعرضت لهجمات متكررة من قبل مسلحي طالبان وجماعة عسكر جنجوي السنية المتطرفة المحظورة.
ويشير بنغاش إلى أن عائلته أظهرت رباطة جأش في أعقاب مقتل اعتزاز، ولم تتحدث عن السمة الطائفية المحتملة لحادث الوفاة، مضيفا أن التفجير الانتحاري استهدف البلاد بشكل عام. ويصف بنغاش اعتزاز بقوله: «كان اعتزاز يتميز بطبيعة مفعمة بالحماس وكان ودودا للغاية، كما كان لطيفا جدا ومحبا لوطنه وأصدقائه، لذلك ضحى بحياته من أجلهم».
لاعتزاز ثلاثة من الأشقاء، هم طفلان وفتاة، ويعمل والدهم سائقا في دبي. وتضيف الصحافية نسيم زهرة أنه «يجب علينا أن نعترف بندرة شخصيات من أمثال اعتزاز حسن. فقد حاول هذا الفتى الشجاع الصراع ضد الموت. ما الذي منحه تلك الثقة للدخول في ذلك الصراع؟ هل هو الغضب؟ أم تربية والديه له؟ أم الإيمان؟ من بين براثن الإرهاب الذي يسفك الدماء في باكستان، يظهر أولئك المواطنون الملهمون من أمثال ملالا واعتزاز حسن ليكونوا رموزا ينبغي أن نحتذي بها».
وفيما بين ثنايا عبارات الإشادة بالفتى اعتزاز حسن، ظهرت الكثير من التساؤلات حول موقف حكومات المقاطعات والحكومات الفيدرالية التي دعت للدخول في محادثات سلام مع مسلحي طالبان. وزادت حدة الانتقادات لاستراتيجية الحكومة بعد وفاة اعتزاز. وانعكست تلك الانتقادات في إحدى التدوينات المثيرة للمشاعر التي نشرها الصحافي زارا خوهرو، الذي يعمل بجريدة «دون» أو (الفجر)، أهم الصحف التي تصدر باللغة الإنجليزية في باكستان. ويقول خوهرو في تدوينته: «نحن نعيش في أرض، حيث يضحي طفل صغير بحياته من أجل محاربة الآفة التي يتقهقر قادتنا في مواجهتها في محاولة منهم للتهدئة».