بات النمل يشكل مصدر إلهام بالنسبة للعديد من العلماء على امتداد العالم. وتقول مجلة “فوكس” العلمية المتخصصة، في تقرير نشرته أخيرا، إن الخبراء اكتشفوا أننا نستطيع استعارة مبادئ “المسارات الفرمونية” ،التي يستخدمها النمل في بحثه عن الطعام ،لحل مجموعة من المشكلات المعقدة ،التي يواجهها المهندسون وعلماء الكمبيوتر والشركات على حد سواء. والمسار الفرموني هو خليط المواد الكيميائية الذي تخلفه النمال الباحثة عن الطعام وراءها أثناء المشي، وهو المسار الذي تتبعه النمال الأخرى وتدعّمه، في حال عثورها على الطعام، من خلال إفراز المزيد من الفرمون أثناء عودتها إلى العش. ونظرا لأن المسارات الأكثر تدعيما بالفرمون هي الأكثر ترجيحا لأن تُتبع، فإن المسارات التي تقود إلى الطعام تُدعم بشكل تدريجي، فيما تتبخر تلك التي لا تقود إليه.

شبكات كمبيوترية أسرع

تستخدم مستعمرات النمل الباحث عن الطعام شبكات من المسارات ترسل عبرها أفرادها لجمع المؤن والعودة بها إلى العش. ومن خلال اتباع قواعد بسيطة، يستطيع النمل استخدام مسارات معينة لتنظيم عملية جمع الطعام تنظيما ذاتيا.

غير أن استخدام هذا النظام لا يقتصر على مجرد اتباع مسار من فتات الخبز. فإلى جانب إيجاد الطعام، تريد المستعمرة التأكد من إرسالها للعدد المناسب من النمال المسؤولة عن جمع الطعام. فلو كان عدد تلك النمال كبيرا جدا بالنسبة لكمية الطعام المتوفرة، فإن المستعمرة تكون بذلك قد أهدرت مواردها وخاطرت بحياة أفرادها. ولو كان عددها أقل مما ينبغي، فإن ذلك يعني عدم حصول المستعمرة على كمية الطعام التي يسعها الحصول عليها.

ولحل هذه المشكلة، وجد الباحثون أن النمال العاملة تستطيع استخدام قاعدة بسيطة جدا، تنص على أن المعدل الذي تغادر به النمال العش بحثا عن الطعام يتوقف على المعدل الذي تعود به غيرها من النمال محملة بالطعام. وتكاد آلية البحث عن الطعام هذه تطابق بروتوكول التحكم بالإرسال، وهو اللوغاريتم المستخدم لتجنب الازدحام على شبكة الانترنت. فحين يجري نقل ملف ما، يتم تقسيمه إلى حزم صغيرة، وكلما استُلمت حزمة من تلك الحزم، يتم إرسال إشعار بالاستلام إلى المصدر. وارتفاع معدل تلقي الإشعارات يدل على وفرة النطاق الترددي وإمكانية زيادة سرعة النقل، تماما كما يدل ارتفاع معدل نجاح النمال العائدة إلى العش على وفرة الطعام.

وبالنظر إلى أن هناك أكثر من 11 ألف نوعا من النمل، تطورت في ظل العديد من الظروف البيئية المختلفة، فإن الباحثين يحرصون على فهم المزيد عن كيفية تنظيم تلك الأنواع لعملياتها الشبكية. والأمل هو أن تكشف دراسة شبكات النمل الباحث عن الطعام عن آليات مفيدة أخرى تستطيع إلهامنا في إدارتنا لشبكاتنا الخاصة.

أقمار صناعية أصغر

أقمار “كيوبسات” هي أقمار صناعية دقيقة لا يزيد حجم الواحد منها على عشرة سنتيمترات مكعبة، وهي وسيلة غير مكلفة نسبيا لإجراء البحوث الفضائية. وقد دأبت “كلايد سبيس”، وهي شركة مصنعة لأقمار “كيوبسات” تتخذ من غلاسكو مقرا لها، على دراسة أساليب مستوحاة من النمل لبناء أقمار صناعية أفضل. إذ تحتاج أقمار “كيوبسات”، في ظل ضآلة أوزانها وأحجامها، لأن تُصمم باستخدام أقل عدد ممكن من الأسلاك. وتماما كما يستخدم النمل الفرمونات في بحثه عن الطعام، فقد ساهمت برامج كمبيوترية تستند إلى نملات افتراضية تضع فرمونات افتراضية عبر قمر “كيوبسات” زائف في إيجاد الحل الأكثر توفيرا للمساحة لتوصيل الأسلاك.

وقود أقل

تستطيع المركبات الفضائية استخدام جاذبية الأجسام الكبيرة، مثل الكواكب، للحصول على “جاذبية مساعدة”. فمن خلال السير على المسار الصحيح، تعمل جاذبية الكوكب على زيادة سرعة المركبة وتغيير اتجاهها بطريقة تدفعها نحو وجهتها النهائية. وتساعد الجاذبية على توفير الوقود، وقد استخدمت هذه “المقاليع” السماوية لدفع المسابر الفضائية، ومنها المسبار “فوياجير”، لمسافات هائلة عبر الفضاء.

وفي حين أن تصميم مسارات عبر الفضاء يمثل على المستوى الأساسي مشكلة تتعلق بالتوجيه، فإن حقيقة أن استغلال الجاذبية المساعدة يتطلب الجمع بين المرور عبر الفضاء والتوقيت الدقيق للغاية يثير مشكلة تتعلق بالجدولة أيضا. وقد استخدم الباحثون في جامعتي “ستراثكلايد” و”غلاسكو” مبادئ المسارات الفرمونية لبناء لوغاريتم يتنبأ بمسارات عبر الفضاء. ويلغي هذا اللوغاريتم الحاجة للتحقق من جميع الطرق الممكنة، ويكوّن، بدلا من ذلك، المسار تدريجيا، مع إكمال كل مسار إضافي للمسارات التي “سلكها” النموذج بالفعل. وباستخدام هذا النهج المستوحى من النمل، يستطيع الباحثون التنبؤ بالجدول الزمني والمسارات اللازمة للاستفادة من عدة جاذبيات مساعدة بسرعة أكبر بكثير مقارنة بالطرق التقليدية.

 

فرمونات ظاهرية

 

نجحت شركات عدة في حل مسائل البائع المتجول، وهي المسائل التي تحاول إيجاد أقصر طريق يصل بين عدة نقاط ويزداد حلها صعوبة مع تزايد عدد النقاط، باستخدام عمليات محاكاة تستند إلى مبادئ المسارات الفرمونية. وإحدى تلك الشركات هي “إير ليكيد”، التي توفر الغاز لعدد كبير من العملاء على امتداد الولايات المتحدة، وهو ما يشكل مسألة بائع متجول معقدة بشكل خاص. ولحل تلك المسألة، تستخدم الشركة نظام توجيه يقوم على مبادئ المسارات الفرمونية، حيث تخلف الشاحنات “فرمونات ظاهرية” بدلا عن النمل. وتعمل أجهزة الكمبيوتر طوال الليل على حساب حل التوجيه الأكثر فعالية لشحنات اليوم التالي، مما يوفر الوقود والوقت.

المصدر:    إعداد: سارة الحاج