التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل، مقولة شهيرة للزعيم نيلسن مانديلا ربما تلخص ماضي الرجل الطويل وأثره في تاريخ الإنسانية كزعيم كافح بطول نفس استمر عقودا ضد نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا
أربعة وتسعون عاما هي عمر الرجل، الراقد منذ ثلاثة أيام في أحد مستشفيات العاصمة بريتوريا بعد إصابته للمرة الثالثة في غضون ستة أشهر بالتهاب رئوي، أربعة وتسعون عاما قضى منها سبعاً وعشرين خلف قضبان زنزانة رافضاً أن يقايض مبادئه بحريته، فحولته من “مقاوم” ضد العنصرية” إلى “رمز إنساني يحوز الاحترام أينما حل”
يقول بعض أنصاره إن التهاب رئتيه الذي يرقده السرير الآن يعود إلى وهن أصابهما بسبب العمل في المحاجر، أثناء فترة سجنه.
ولد مانديلا عام 1918 فى إقليم ترانسكاى بجنوب إفريقيا وتلقى تعليمه فى المدارس التبشيرية، واسمه نيلسون يكاد يكون “هبة” إذ منحه إياه معلمه الانجليزى حين كان تلميذا. دخل جامعة فورت هير، ثم درس القانون بجامعة ويتوترسراند, وخاض معترك السياسة حين انضم إلى المؤتمر الوطنى الافريقى المناهض للفصل العنصرى عام 1944.
أسس مانديلا لاحقا رابطة الشباب داخل الحزب، وفى عام 1956 اتهم بالخيانة العظمى مع 155 من زملائه، ولكن التهم أسقطت بعد أربع سنوات من المحاكمة. تعتبر سنة 1960 علامة فارقة فى مسيرته حيث شهد حظرا لنشاط الحزب فلجأ مانديلا للعمل السرى، كما شهد كذلك تزايدا للاضطرابات بسبب نظام الفصل العنصرى لا سيما بعد مقتل 69 مواطنا من السود برصاص الشرطة، حينها اعتبر مانديلا هذا الحادث نهاية للمقاومة السلمية وقرر البدء في مرحلة جديدة فألقى القبض عليه وحوكم بتهمة التخريب ومحاولة الانقلاب على الحكومة، لكنه استغل مرافعته لتوضيح أفكاره بشأن الديمقراطية والحرية والمساواة
حكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة عام 1964 وقضى في زنزانته بجزيرة روبن ايلاند 18 عاما، ثم نقل إلى سجن بولسمور عام 1982 وأفرج عنه عام 1990 بعد أن رفع الرئيس فريدريك دى كليرك الحظر المفروض على حزب المؤتمر الوطنى الافريقى، وبدأت جهود إقرار ديمقراطية متعددة الأعراق. حصل مانديلا على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع دى كليرك عام 1993، وانتخب عام 1994 رئيساً لجنوب أفريقيا، كون لجنة الحقيقة والمصالحة وتقوم فكرتها على اعتراف رجال السلطة بجرائمهم مقابل طلب العفو عنهم فحقق عملها نجاحا واسعا جنب البلاد صراعات جديدة فعوض منطق الانتقام بمنطق الصفح
استقال عام 1999 من الرئاسة ليجند نفسه بعدها لصالح العدالة الاجتماعية و العمل الإنساني واهتم بمسار السلام في بوروندي وقاد حملة لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة إيدز.
اعتزل الحياة العامة عام 2004 وقل ظهوره بعدها ليعود مرة أخرى للواجهة قبل أشهر كزعيم تسعيني يدنو من نهايته وخلفه ترتفع تراتيل بكل اللغات تصلي لأجله…أن يعود سالماً.