ربما لا يهمنا من وجود المجرة التي تحمل الرمز التصنيفي “ان جي سي 1277” NGC 1277 على بعد هائل يصل إلى حوالي 220 مليون سنة ضوئية والتي تقع ضمن حدود كوكبة “برساوس” أو كما سمتها العرب في الجاهلية “حامل رأس الغول” Perseus بقدر ما يهمنا وجود “ثقب اسود عملاق” giant black hole يقع في مركزها وكتلته تقدر بحوالي 17 مليار مرة ضعف كتلة الشمس، كما يقدر علماء الفلك من خلال حساباتهم التي أجروها أن هذا الثقب الأسود العملاق يشكل 59% من كتلة قرص هذه المجرة!
الحقيقة أن وجود ثقوب سوداء في مراكز المجرات ومن ضمنها مجرتنا “درب التبانة” التي نعيش فيها أصبح أمرا مألوفا لدى علماء الفلك، وبحسب النظريات السابقة فإن كتلة الثقب الأسود في مراكز هذه المجرات لا يشكل سوى 0.1 % فقط من كتلة قرص المجرة، لكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف ثقب اسود عملاق بهذا الحجم ويحتل كل هذه المساحة في مركز المجرة.
نتائج هذا الاكتشاف الذي يفكر العلماء في هذه الأيام بنشره في العدد القادم من مجلة “الطبيعة” Nature تؤكد أنه ثاني أضخم جرم سماوي يتم اكتشافه حتى الآن، كما أن وجود الثقب الأسود بهذا الحجم في مركز هذه المجرة سيعمل على مساعدة العلماء في وضع سيناريو أفضل حول كيفية نشوء الكون والمجرات.
الثقوب السوداء هي أجرام سماوية هائلة الكتلة والكثافة ونتيجة لذلك فجاذبيتها مخيفة جدا بحيث يمكنها سحب كل ما يقترب منها من مادة مثل النجوم والكواكب والأشعة والضوء والأتربة وكأنها “مكنسة كونية” ولأنها تجذب الضوء والأشعة لذلك فعلماء الفلك لا يمكنهم مشاهدة الثقوب السوداء مباشرة بل يتم اكتشافها من خلال تأثيرها على البيئة المحيطة بها، ومن خلال انضغاط المادة أثناء انتقالها إلى حدود جاذبية الثقب الاسود والتي تتحرك عادة بشكل حلزوني – مثل دخول الماء في الفتحة أسفل حوض الاستحمام مثلا – فإنها تطلق الأشعة ذات الطاقة العالية وتحديدا أشعة اكس Xray ومن خلال أشعة إكس يتم تحديد مكان الثقب الأسود والبيئة المحيطة به، وبالطبع عندما تدخل الأشعة ضمن مجال جاذبية الثقب الأسود – ويسمى أفق الحدث Event Horizon – فإنها لا تعود إلى الفضاء ومن ثم لا تمكن رؤيتها وتفقد خصائصها الفيزيائية والمادية حتى نهاية الكون.
أما صاحبنا الثقب الأسود العملاق في مركز المجرة “إن جي سي 1277” NGC 1277 فهو يختلف عن الثقوب السوداء الأخرى تماما، فالمجرة بحسب علماء الفلك شاذة عن المألوف تماما، حيث إنها عبارة عن ثقب اسود بحد ذاته ولذلك يمكن تسميتها بمصطلح جديد هو “نظام ثقب المجرة السوداء” galaxy-black hole systems بحسب الباحث المشارك في الاكتشاف “كارل جيبهاردت” Karl Gebhardt من جامعة “تكساس” الأمريكية University of Texas.
يتابع الزملاء في مرصد “ماكدونالد” McDonald Observatory حساب الكتل في الثقوب السوداء، بغض النظر عن مقدار جاذبيتها القوية، وتم محاكاة هذه الكتل وسلوك المجرات التي تستضيف الثقوب السوداء المختلفة بواسطة الحاسوب، وملاحظة كيفية تصرف النجوم في هذه المجرات وحركتها بين وجود النجوم في أطراف المجرات وسقوطها إلى داخل مراكز هذه المجرات.
ويقول العلماء أنه لو افترضنا وجود شخص ما يعيش على كوكب صالح للحياة يقع داخل هذه المجرة بحيث يوجه بصره نحو مركزها، فإنه لن يشاهد منظرا سماويا واضح للعين البشرية، حيث يعمل هذا الثقب الأسود العملاق على تحديب الفضاء وتشويهه بحيث يرى الشخص خلفه مع أنه ينظر أمامه، فشكرا لله أننا نعيش في بيئة بعيدة عن مثل هذه الثقوب السوداء العملاقة.
المصدر: نسيج