لسبب وجيه، يسمح لرواد الفضاء أن يقضوا ما لا يزيد عن ستة أشهر على متن المركبة الفضائية الدولية التي تبعد قرابة 200 ميل عن سطح الأرض.
فقدانهم لكتلة العضلات والعظام في الفضاء يؤكد على عدم قدرتهم على البقاء في الفضاء لمدد أطول.
لكن ماذا عن التأثير الصحي الذي سينجم عن الرحلات السياحية الفضائية المستقبلية التي ستنطلق في المدار الفضائي، والتي سيستقلها سياح الفضاء ممن لم يتلقوا تدريبات كافية تؤهلهم للصعود إلى الفضاء؟
وطبقا لمقال كتبه علماء من أمريكا الشمالية في المجلة الطبية البريطانية، يجب على الأطباء الممارسين أن يكونوا مستعدين بإجابات لأسئلة من يعودونهم من المرضى حول مدى جاهزيتهم للسفر في الفضاء في المستقبل القريب.
إلا أن عددا قليلا من الأطباء الممارسين سيكون لديه خبرة كافية بطب الفضاء حتى يتمكن من إسداء النصيحة لهذا النوع من المسافرين.
وأظهر بحث سابق أن رحلات الفضاء تحدث تغييرات عضوية في جسم الإنسان، إلا أن إمكانية تأثيرها على الوضع الصحي لسائح فضائي غير مؤهل بدنيا يبلغ من العمر 50 عاما يظل أمرا غير واضح.
يتوقع ديفيد غرين، أستاذ علم الوظائف البشرية والفضائية بكلية كينغز كولدج بجامعة لندن، أن يستقل عدد لا بأس به من السياح خلال العامين القادمين، أو ما يقرب من ذلك، رحلات فضائية مدارية على متن مركبات فضائية ستجهز خصيصا لهذا النوع غير المدرب من رواد الفضاء.
ويعني ذلك أنهم سيخرجون خارج الغلاف الجوي للأرض، ليستمتعوا بانعدام الجاذبية لمدة تقارب الأربعة دقائق، ثم ينزلون مرة أخرى إلى سطح الأرض.
وقال غرين إن تسارع المركبة وانخفاض سرعتها في هذه الرحلة سيمثل مشكلة لدى البعض على حد قوله، حيث إن احتمال الغثيان أو الشعور به يعد مصدر قلق لدى البعض.
وقال غرين “ستواجهك أيضا مشكلة التأكد من عودة كل مسافر إلى مقعده بعد أن استمتعوا بانعدام الجاذبية واختلفت أماكنهم.”
وتابع قائلا “كما أن العودة إلى الأرض ستجعلك تشعر بكل شيء ثقيلا، وقد يؤدي ذلك إلى فقدانك للوعي.”
كما أن أكثر المشكلات الصحية شيوعا خلال رحلة الفضاء تتمثل في دوار الحركة، والشعور بالإعياء، وفقدان الجسم للسوائل، وفقدان الشهية إضافة إلى آلام الظهر.
فخلال شدة التسارع والتباطؤ الأفقي للمركبة الفضائية، سيكون من الصعب على القلب أن يضخ الدم إلى الدماغ. لذلك، كما يقول غرين، سيواجه من لديه مرض من أمراض القلب والأوعية الدموية هذه المشكلة.
قوة جي
وشارك جون سكوت، وهو عالم بارز لدى شركة كينيتيك للتكنولوجيا الدفاعية وعضو مجموعة العمل البيئي الجوي التابعة لوكالة الفضاء البريطانية، في الأبحاث التي تعمل على فهم تأثير قوى الجاذبية المتزايدة على البعض، مثل الطيارين المقاتلين.
وقال سكوت: “عند بلوغ أقصى سرعة، يمكن للبعض أن يتحمل تسارعا يصل مقدار قوته إلى “3 G” اي ثلاثة اضعاف قوة الجاذبية، ويتحمل البعض الآخر تسارعا يصل إلى مقدار قوة “6 G”. إلا أنه ما من شيء يبسّط عملية قياس قوة التحمل تلك. وسيكون رائعا إذا ما قام أحد الأطباء الممارسين بقياس ذلك.”
ويدرس العلماء الأمريكيون مقدار التحمل البشري بين فئات من الناس يعتقد أنها ستستقل رحلات سياحية فضائية في المستقبل.
كما أصدرت مجموعة عمل رحلات الفضاء التجارية للاتحاد الطبي الأمريكي للفضاء وثيقة عام 2009 تقول بأن غالبية الأفراد “ممن يتمتعون بأوضاع صحية مستقرة” يمكنهم أن يتحملوا قوة التسارع التي تنطوي عليها عملية انطلاق وهبوط المركبات الفضائية التجارية.
وأضاف سكوت أن التحدي الذي سيواجههم يتمثل في جمع المعلومات من قطاع معين من الأعمار والوضع الصحي، ولن يقتصر على صغار السن أو الأصحاء فحسب. وعليه، فإن شركات الرحلات الفضائية سيكون بمقدروها أن تحدد من يستطيع السفر على متن رحلاتها ومن لا يستطيع ذلك.
هام للحياة
وقال سكوت “لا نريد زيادة القيود الطبية التي ستمنع الكثيرين من هذا النوع من الرحلات، إلا أننا نريد أن نتأكد من أننا ندرك بطريقة سليمة حجم التأثيرات التي تحدث من تلك الرحلات. حيث يجب أن يكون هناك اتزان بين السلامة الصحية وهذا المجال الآخذ في الازدهار، وستساعدنا الزيادة في المعلومات على إحداث مثل هذا النوع من التوازن.”
كما أن هناك أوجه تشابه بين تأثير السفر الطويل في الفضاء على البشر وتأثير طول العمر على الأرض.
حيث قال غرين “كلما طالت مدة بقائهم في الفضاء كلما أصبحت عظام رواد الفضاء أكثر ضعفا وانخفض مستوى لياقتهم البدنية. وذلك كما هو الحال بالنسبة لكبار السن ممن لا يتحركون بدرجة كبيرة. ويمكن للرحلات الفضائية أن تساعدنا على تعلم الكثير من الاساليب الأساسية للبقاء على قيد الحياة على سطح الأرض. “
فتزايد وتيرة الصعود إلى الفضاء سيعمل على ظهور تحديات تواجه الخبراء الطبيين والعلماء ممن يعملون على تقليص حجم الأضرار الجانبية التي تلحق بالعامة ممن يسافرون عبر الفضاء.
BBC