عام على عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، حيث لم يكن السقوط المدوّي متوقعاً. آنذاك الذهول أصاب الجميع، وكان التخبّط سيّد الموقف. ففي 15 أغسطس العام 2021، لم تسقط كابول العاصمة فقط، إنّما سقط معها حلمُ كلِّ أفغاني ببلد متحضّر يماشي دول العالم. في ذلك اليوم سيطرت فيه حركة طالبان على مفاصل الحكم والدولة، وقد ترك ذلك الحدث الشعب الأفغاني بذهول وعجز في آن، فالأفغان ما كانوا يتوقّعون سقوط المدن الكبرى بتلك السهولة، وهم عاجزون عن مواجهة الإستبداد الذي تفرضه عليهم طالبان، خصوصاً مع غياب الدعم والاهتمام الغربي بالشأن الأفغاني. فكيف تبدو أفغانستان بعد عام كامل من سيطرة طالبان المطلقة؟
- عام على استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان والأوضاع تزداد سوءاً
- “أخبار الآن” تستطلع آراء الأفغان الذين تحدثوا عن خيبة أمل وإصرار على النضال في آن
- مسؤول أممي لـ”أخبار الآن”: أفغانستان تحوّلت إلى سوق سوداء للمجموعات الإرهابية
- “أخبار الآن” تنشر تقارير عديدة توثق الإنتهاكات التي ترتكبها عناصر طالبان بحق الأفغان
في الـ15 من أغسطس الماضي تمكّنت طالبان من بسط سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية، وذلك بعد الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد مهمّة دامت نحو 20 عاماً تقريباً. اليوم الأزمة الإنسانية تتعاظم بشكل متسارع في البلاد، حيث كانت الأزمة الإقتصادية في أفغانستان بدأت قبل وقت طويل من سيطرة طالبان على الحكم، إلّا أنّ سيطرتها تلك دفعت بالبلاد إلى حافة الهاوية، إذ جمّدت الولايات المتحدة الأمريكية 7 مليارات دولار من أصول البنك المركزي، ما أدّى إلى انهيار القطاع المصرفي وتوقّف المساعدات الخارجية التي تمثّل 45 % من إجمالي مداخيل البلاد. إلى ذلك فاقم الجفاف والارتفاع الجنوني للأسعار بسبب الحرب الأوكرانية – الروسية من الأوضاع المعيشية السيئة، ليصل الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
جولة على عام كامل من حكم طالبان
لم يكن العام المنصرم عاماً عادياً بالنسبة لأفغانستان، فالإنفراج الأمني نسبياً قابله تعقيدات وإشكالات سياسية وإنسانية حادة نستعرضها في التالي:
- بعد مرور عام على استلام طالبان للسلطة في أفغانستان، بدأت الإنقسامات تظهر داخل الحركة خصوصاً حول الهامش المتاح أمام قادتها لإدخال الإصلاحات. البعض يدفع باتجاه إقرار ما يعتبره إصلاحات، والبعض يعتبر أن حتى تلك الإصلاحات الضئيلة مبالغ فيها.
- أدى انتصار الحركة على الحكومة السابقة التي كانت مدعومة من الخارج إلى إنهاء القتال، ما تسبب بالإرتياح للأفغان على نطاق واسع، خصوصاً سكان المناطق الريفيّة التي تحملت وطأة نزاع عنيف استمرّ لعقدين.
- رغم الإنفراج الأمني، تفاقمت الأزمات الماليّة والاقتصاديّة والإنسانيّة التي تواجهها البلاد، إذ وصل عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى الملايين وغرق عدد آخر بالديون، وثمة عائلات لجأت إلى بيع الرضّع أو بيع أعضاء جسديّة.
- يؤكد بعض قادة طالبان أنّ الحركة ستحكّم بطريقة مختلفة هذه المّرة، فيما يرى مراقبون كثر أنّ التغييرات ستبقى سطحيّة وينظرون إلى تلك التعهدات على أنّها رمزيّة الهدف منها تغيير موقف الدول الغربيّة في محاولة لفك العزلة المفروضة على أفغانستان في النظام المالي العالمي.
- من أبرز الخطوات الإصلاحية، تبنّى مسؤولون في كابول استخدام التكنولوجيا والعلاقات العامّة، فيما أقيمت مباريات الكريكيت في ملاعب ممتلئة بالمشجعين، وحتى الآن ما زال بإمكان الأفغان الوصول إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وبات يُسمح للفتيات بارتياد المدارس الابتدائيّة ولصحافيات بإجراء مقابلات مع مسؤولين حكوميين، وهو أمر لم يكن بالإمكان تصوّره خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات.
- رغم الخطوات التي تعتبرها طالبان إصلاحية، لا تزال الكثير من المدارس الثانوية الخاصة بالفتيات مغلقة، فيما استبعدت النساء من الوظائف العامّة. ويتم التحكّم في نشاطات بسيطة مثل الاستماع إلى الموسيقى وتدخين الشيشة ولعب الورق بشكل صارم في المناطق المحافظة، بالإضافة إلى قمع الإحتجاجات وتهديد الصحافيين أو توقيفهم بانتظام.
- في آذار فاجأ زعيم طالبان هبة الله أخوندزادة العالم، عندما تدخّل في اللحظة الأخيرة لإلغاء إعادة فتح وزارة التعليم للمدارس الثانويّة للبنات، وقد رأى بعض المحلّلين في تلك الخطوة أنّه لا يريد أن يبدو وكأنه يذعن لمطالب الغرب. وقد تسبّب تدخله هذا بالقضاء على الأمل باستعادة التدفقات الماليّة الدوليّة.
15 أغسطس.. الصدمة
بدت الصدمة واضحة على وجوه المواطنين في الشوارع يوم الـ15 من أغسطس الفائت، فالشعب الأفغاني لم يكن يتوقع تلك السيطرة المفاجئة لطالبان على السلطة، وأمام هول الصدمة ما كان في استطاعته غير الهروب. بذلك التوصيف، توثق الإعلامية زهرة جويا (Zahra Joya) مؤسسة شركة روكشانا الإعلامية تفاصيل ما شاهدته في الـ15 من شهر أغسطس 2021. وتقول: “لسوء الحظ عشنا سنة مؤلمة جداً، في الـ15 من أغسطس في السنة الماضية عندما أخذت طالبان كل أفغانستان صُدم الشعب الأفغاني لأن الأمر حدث فجأة ولم يصدّق أحد من المواطنين أن طالبان قد تسيطر على السلطة بهذه السرعة. كان الأمر مؤلماً جداً بالنسبة لنا وكان أشبه بصدمة ففي صباح ذلك اليوم كنت في مكتبي، وسمعت فجأة أن طالبان دخلت المدينة وقد حاول كل زملائي وعدد كبير من المواطنين الهروب والوصول الى منازلهم”.
وأضافت: “في العام 2020 أسست شركتي الاعلامية وأطلقت عليها اسم روكشانا ميديا لأنه كان لدينا الأمل ولأننا لم نتوقع أن تنتقل السلطة الى طالبان بتلك السرعة. لسوء الحظ نصف سكان أفغانستان اليوم خسروا حقوقهم وهم لا يمكنهم حتى اختيار ملابسهم، وبسبب ذلك أعلم أن الأمر فيه مخاطرة كبيرة وأن الوضع صعب جداً بالنسبة لنا خصوصاً إذا أردنا أن نكون وسيلة إعلامية مستقلة تعمل مع النساء الأفغانيات. لذلك إن الوضع صعب ومؤلم جداً، لكنني سعيدة جداً بزميلاتي اللواتي يعملن في الداخل لأنهنّ يتمتّعن بشجاعة كبيرة وهن يعملن بجهد ولكننا جميعنا نعمل في الخفاء”.
تحاول زهرة عبر منصة روكشانا مساعدة النساء الأفغانيات على رفع أصواتهن ونقل ما يتعرّضن له داخل البلاد. الوضع صعب جداً حالياً وفق ما أوضحت “وليس أمامنا سوى خيار واحد، علينا أن نعمل وأن نرفع صوتنا فتلك هي الوسيلة الوحيدة المتوفرة لدينا”. وأضافت “لا شك أن الوضع صعب جداً ولا شك أن عملنا سيكون شاقاً لكن عندما لا يكون أمامنا سوى حل واحد علينا أن نتدبر أمرنا لذلك أنا سعيدة جدا لأنني أقدّم قصصاً مهمّة جداً بالتعاون مع زميلاتي”.
وتعود زهرة إلى الفترة الأولى من حكم طالبان في العام 1996 “فقد عاشت النساء في تلك الفترة أسوأ عصر، كنت أبلغ من العمر خمس سنوات ولم يكن حينها مسموح للفتيات بالإلتحاق بالمدارس، لذلك قررت أن أغيّر مظهري وأن أذهب الى المدرسة وأنا أرتدي ثياب الصبيان. وهكذا تمكنت من الحصول على التعليم وأنا سعيدة الآن لأنني قمت بذلك حينها، لكن للأسف الوضع صعب جداً الآن بالنسبة للطالبات لأن التعليم غير مسموح بالنسبة لهن ولا أعلم عدد الفتيات اللواتي يفعلن مثلي، فهناك الملايين من الفتيات اللواتي يُمنعن من الذهاب الى المدرسة”.
وأكّدت أنّها تقف مع نساء أفغانستان عبر منصتها، وتدعم الفتيات اللواتي سلبت حقوقهن وقد توجهت لهن بالقول “أرجوكن لا تستسلمن، أرجوكن حافظن على قوّتكن وحاربن، فالتعلّم حق مكتسب ولا تستطيع طالبان أو غيرها منعكن عنه لأن هذا حقكن، وهذا حق من حقوق الانسان فبأي حق تمنعكن طالبان من الالتحاق بالمدارس؟ أقول لهن لا تستسلمن إقرأن الكتب في كل لحظة وكل يوم وفي كل ساعة”. رغم تلك المقاومة الإعلامية التي تشنها زهرة إلا أنها لا تتأمل بأي مستقبل “فالمستقبل قاتم وإذا ما استمرت طالبان في الحكم لفترة طويلة سيسوء الوضع أكثر، لكنني آمل أن ترحل طالبان مجدداً وأن تتحرر النساء مجدداً، لكن حاليا للأسف ما من مكان للأمل”.
هلع وسقوط غير متوقّع
حبيب صحافي أفغاني يمارس مهنته منذ العام 2017، بدأ كمراسل لصحيفة محليّة تكتب باللغة الانكليزية ثم عمل مع العديد من وسائل الإعلام العالمية وكان مراسلا لوول ستريت جورنال منذ العام 2010 وحتى العام 2018. في العام 2020 أسس مع مجموعة من الأفغان AFGHAN PEACE WATCH وهي منظمة غير ربحية تقوم بالبحوث وتضع التقارير. وعلى الرغم من المعلومات التي وصلت لحبيب عن سقوط أفغانستان بالكامل بيد طالبان غير أنه لم يصدّق “فعندما كنّا نقترب من 15 أغسطس كنّا نراقب الوضع في البلد، وقد لاحظنا أنّ الوضع يسوء لكن لم نتخيل أنّ كلّ شيء سينهار بتلك الوتيرة السريعة كما حصل، اعتقدنا أنّ المدن الكبرى لن تقع بيد طالبان بسهولة، وأنّ القوات الخاصة ستنجح في الدفاع عن تلك المدن كمدينة كابول مثلاً، لكنّنا شهدنا كيف سقطت تلك المدن الواحدة تلو الأخرى في غضون أيّام”.
ويعود حبيب إلى واقعة حدثت معه قبل أسبوع من الإنهيار “عندما طلب منّي مديري السابق في وول ستريت جورنال زيارته، فذهبت إليه وأخبرني أنّهم سيقومون بإجلاء الجميع لأنّ كابول ستسقط وطالبان ستستلم الحكم. تفاجأت بالخبر ولم أصدقه وقلت له إن ذلك ليس ممكناً لأنّه يوجد لدينا عدد كبير من القوّات العسكرية الخاصة والكوماندوس، ولا يمكن أن تسقط كابول. حصل ذلك اللقاء قبل نحو أسبوع من السقوط، وكانت مدينتي حيرات وقندهار لا تزالان مع الحكومة، ومديري السابق كان يقول لي إنّه خلال أسبوعين ستكون طالبان موجودة في ذلك المكان نفسه الذي أنا موجود فيه الآن، لذلك نحن نقوم بإجلاء الجميع. لم أصدق أنّ ذلك سيحدث فعلاً لكنّه حصل، حتّى أنّه حصل في وقت أقرب من المتوقع، فالسقوط حدث خلال أسبوع واحد أبكر ممّا توقع مديري”.
لحظة السقوط كان حبيب وصديقه في مكتب البريد لتجديد جوازات السفر وكان الجميع يحاول الهروب “كان آلاف الأشخاص يهربون ولم نكن نعلم لماذا. كان ثمة شخص في مكتب البريد يساعدنا في تجديد الجوازات وقد توافدت أعداد كبيرة من الناس لأخذ جوازات سفرها، فسألته ما الذي يحدث فقال لي إن طالبان هنا والحكومة انهارت. وسألته كيف عرفت ذلك؟ أجاب أنه تلقى اتصالا من زميل له يعمل في القصر الرئاسي وقد أخبره أن الرئيس غادر البلاد، وقد دبّت الفوضى وكان الجميع يركضون لأنهم تذكروا كيف كانت طالبان تقصف الأبرياء في كابول في الأعوام العشرين الماضية، وكانوا يرسلون السيارات المفخخة والشاحنات المفخخة ويقومون بعمليات الإغتيال، وقبل أسابيع من سقوط البلاد قتلوا صديقي الناطق باسم الرئيس وهو صحافي سابق، والكل كان خائفا من تلك الأخبار”.
الفيديو المرفق أدناه يظهر عناصر طالبان تحاول تطويق متظاهرات أفغانيات في شوارع كابول في 13 أغسطس، بينما كنّ يطالبن بحقوقهن، وقد تمّ إطلاق النار عليهن.
Afghan women assembled in Kabul today to protest for their rights: Education. Freedom. Work. Food. 1/2 pic.twitter.com/xYjd9F6xNq
— Sandra Petersmann (@PetersmannS) August 13, 2022
متغيرات تلقائية بعد سيطرة طالبان
بعد سيطرة طالبان على أفغانستان شهد حبيب خان (Habib Khan) بعض المتغيرات: “لقد رأيت تغيّرين واضحين في مدينة كابول، طبعاً كان هناك فوضى وأصوات رشقات نارية طوال الوقت والجميع كان يشعر باليأس والخوف، لكن كان هناك متغيّران واضحان شهدتهما، الأوّل هو أنّ كلّ مَنْ في كابول أصبح يرتدي فجأة الزي التقليدي الأفغاني بدل الزي الغربي. ففي كابول يرتدي الناس عادة ثياباً مشابهة لما يرتدونه الناس في العالم، لكن بما أنّ طالبان لا تحب الثياب الغربية كالقمصان والجينز والسراويل القصيرة، فالكل غيّر هندامه وارتدى الزي الأفغاني التقليدي المعروف بقميص بارتوك. كان ذلك تغييراً واضحاً جدّاً، والتغيير الآخر الواضح هو التوقف عن رؤية السيارات الفاخرة في الشوارع فجأة كالسيارات التي كان يقودها المسؤولون ورجال الأعمال، فكل تلك السيارات اختفت”.
إلى السيارات اختفت النساء أيضاً من الشوارع بحسب ما أوضح حبيب، قائلاً لـ”أخبار الآن“: “إذ فجأة لم نعد نرى النساء في الشوارع، كان الجميع يحاولون فهم ما حصل، والكل كان يحاول مغادرة البلاد إمّا عن طريق المطار أو عبر الحدود. كان الناس يتدفقون بالآلاف إلى مطار كابول وغيره من المطارات الموجودة في البلاد وإلى المناطق الحدودية مع ايران ودول آسيا الوسطى وباكستان للهروب”. وأضاف “رأيت طالبان لأول مرة وهم يقودون الهامفي ثم رأيتهم في المطار حيث كانوا يضربون امرأة، كان هناك زوجين رجل وامرأة يحاولان الوصول الى المطار ورأيت أحد مقاتلي طالبان يحمل عصا ويضرب الرجل والمرأة، كان هذا انطباعي الأول عند رؤيتهم، والجميع بمن فيهم أنا شعرنا بالخوف الشديد. حاولت الوصول الى المطار وقد أمضيت فيه يومين ولم أكن لوحدي بل كنت برفقة مجموعة من الصحافيين من وول ستريت جورنال ومن نيويورك تايمز وواشنطن بوست وبعض الرياضيين الاميركيين وكل الموظفين من سائقين وعمال تنظيف ومراسلين وعائلاتهم. كنا حوالي الـ200 شخص وقد بقينا ليومين في المطار”.
جوع وانتهاك للكرامة الإنسانيّة
بحرقة وألم تروي باروين شريفي (Parwin Farzam) معاناتها اليومية منذ أن استولت طالبان على السلطة “فمنذ ذلك اليوم وأنا لا أعرف معنى للسكينة والسلام وذلك لأننا لا نعيش في بلد آمن”. لكن الأمن ليس وحده ما يسبب المعاناة لشريفي وعائلتها وغيرها من العائلات، فالطموح والأمل معدومان في أفغانستان “وبدل أن أحقق أحلامي وطموحاتي في البحث عن عمل يسندني ويسند عائلتي ووالدي، أجدني لا أستطيع الحصول على لقمة خبز فالناس هنا يعملون طوال اليوم كي يتمكنوا من تأمين قطعة الخبز ليبقوا على قيد الحياة”.
إنّ الفقر والجوع يعتبران مشكلة أساسية الآن في أفغانستان، وبحسب شريفي توفي كثر لأنه لم يكن لديهم طعام ولأنهم لم يتمكنوا من تأمين لقمة خبز “هذه هي حال الناس هنا بعد قدوم طالبان وهذا هو الوضع في بلدنا. نحن نعيش في كابول والناس يواجهون هنا مشاكل عديدة، نحن نشعر أننا وحيدون لأن العالم بأسره ملتزم الصمت حيال وضعنا رغم أنهم على علم كم أن الوضع سيء بالنسبة للشعب الأفغاني، ومع ذلك فهم لا يحرّكون ساكناً”. وتؤكد شريفي أن المعاناة تضرب الجميع “فالشعب هنا يعمل ليل نهار لـتأمين لقمة عيشه لكن الجميع يعانون من الفقر ولا يمكننا التغلب عليه لأننا نواجه مصاعب كثيرة. كما لدينا مشاكل أخرى كالتعليم وغيره، وثمّة كلمات أخرى كثيرة في قلبي أرغب بالبوح بها لكنها مؤلمة للغاية”.
خاموش: سأحمل السلاح في وجه طالبان لو تطلب الأمر ذلك
من جهتها، هدى خاموش، وهي شاعرة وكاتبة أفغانية وناشطة في مجال حقوق المرأة، قالت لـ”أخبار الآن“: “لا يمكننا أن نقول إنّ طالبان استولت على أفغانستان لأنّه في الواقع أفغانستان سلّمت إلى طالبان. وهناك أمر مهم يجب أن أذكره وهو أنّ الجيش الأفغاني أحبر على خفض سلاحه وعلى عدم محاربة طالبان”.
وتابعت: “أنا كإمرأة أقف دائماً ضدّ طالبان لأنّهم سلبوني حقوقي وحقوق كلّ النساء في أفغانستان، وعندما ذهبت كي أتفاوض مع طالبان في أوائل ذلك العام وطبعاً لم أذهب بصفة مفاوضة، لكنّني ذهبت لإيصال صوت ملايين النساء الأفغانيات، ومنذ ذلك الوقت لم يتغيّر شيء لأنّ طالبان لم تقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات”.
وأضافت خاموش: “أفكارهم ومعتقداتهم ودينهم هو القتل والعمليات الإنتحارية وقمع الناس والنساء، والآن بعد مضي عام على حكم طالبان، أنا كإمرأة أحاول أن أجد وسيلة لاحتواء وقمع طالبان، وذلك الأمر قد بدأ فعلاً وسيستمر، إمّا من خلال أصوات النساء الأفغانيات المشاركات في التظاهرات التي تجوب شوارع كابول، وإمّا من خلال المقاومين الذين يحاربون طالبان في سفوح تلال جبل بنشير. وإذا كان عليّ أن أحمل السلاح وأحارب طالبان من أجل حقوقي، فسأحمل السلاح وأحارب”.
تسلّط طالبان انتهاك لقرار الأمم المتحدة
ويعتقد ممثل أفغانستان لدى الأمم المتحدة في جنيف نصير انديشه (Nasir Andisha)، في حديثه لـ”أخبار الآن“، أنّ “عودة طالبان عسكرياً واستيلائها على العاصمة كابول بقوّة السلاح، هو خرق لقرار الأمم المتحدة الذي يحمل الرقم 2513 والذي ينصّ على أنّ أيّ تسوية مستقبلية في أفغانستان يجب أن تتمّ بالطرق السلمية”.
كان ذلك الإنتهاك الأوّلي لقرار مجلس الأمن الدولي بحسب انديشه “لكن عندما وصلوا، كان بعض الناس متفائلين ظناً منهم أنّه لربّما سينتهي العنف بطريقة ما، وستكون هناك طريقة لتشكيل حكومة تمثيليّة شاملة بحيث يمكن للشعب الأفغاني أن يجتمع، لكن منذ اليوم الأوّل وعلى الرغم من العفو الذي أعلنوا عنه، استمرت عمليات القتل خارج نطاق القضاء، وهي مستمرة حتى الآن، وقد حصل هجوم عنيف جدّاً على مقاطعة بيشاور كان سبباً في تجديد حلقة العنف والإنتقام في البلاد في بلد لديه تنوع عرقي للأسف. ثمّ هناك مسألة حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، فقد تمّ منع معظم النساء من العمل وعدد كبير منهن الآن عاطلات عن العمل، كما تمّ منعهن من التعلّم بالرغم من كلّ الوعود التي قطعوها بشأن تعليم الفتيات. إلى ذلك حُرم نحو 50% من الشعب الأفغاني من حقوقه الأساسية، والمجموعات الأخرى كالمجموعات العرقية والأقليات ما زالوا يعيشون تحت الضغط، و120 شخصاً قتلوا خلال ذكرى عاشوراء في شهر محرّم في أفغانستان”.
على المستوى الاقتصادي يقول انديشه: “نحن نعلم أنّ الشعب الأفغاني بحاجة إلى مساعدات إنسانية خصوصاً وأن النظام الاقتصادي قد تداعى بأكمله”. ولفت إلى أن “دول المنطقة والمجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة أصرت على التعاون في مكافحة الإرهاب. كان الإتفاق ينصّ على وجود تعاون لمكافحة الإرهاب، لكن ما رأيناه هو أنّ طالبان كانت واضحة جدّاً في رفضها السماح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل مجموعات دولية إرهابية، لن يمنحوا الأراضي للمجموعات الدولية الإرهابية، ليس فقط القاعدة بل لكلّ المجموعات الدينية الإرهابية كالحركة الإسلامية الأوزبكية وحركة شرق تركستان وغيرها، والقاعدة في شبه القارة الهندية وحركة طهران – طالبان باكستان والمجموعات الأوزبكية. لكن ما شهدناه في بداية شهر أغسطس، أنّ زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي يعتبر أكثر الإرهابيين الدوليين المطلوبين قد حصل على ملاذ آمن في كابول، ومع تلك الخطوة، اكتملت مجموعة الخروقات والوعود الكاذبة. أعتقد أنّ ذلك الرهان الضائع جعل صفقة الدوحة عديمة الفائدة”.
وتوقف انديشه عند معاني وأبعاد كل ما حصل موضحاً أنه “أولاً، بالنسبة لي كمواطن أفغاني وبالنسبة لمجتمعنا وشعبنا، أعتقد أنّه أمر مخزٍ سنحمله في تاريخنا، وهو أنّ رجل القاعدة الثاني قد قتل في كابول. كنا طوال الحرب على الإرهاب نقول إنّ أفغانستان لم يكن لها أيّ دور في 9 سبتمبر وإن منفذي الجريمة الأساسيين لم يكونوا أفغان، حتى بن لادن لم يقتل في أفغانستان، لكن ما فعلته طالبان من خلال استضافتها للظواهري في العاصمة كابول التي تعتبر العاصمة الثقافية لجنوب وسط آسيا التي كانت مهد الحضارات، هو أمر مخزٍ سيحمله الشعب الأفغاني لسنوات طويلة”.
واعتبر انديشه ثانياً أنّ “أهم عامل بالنسبة للمجتمع الدولي وللمناطق المجاورة هو الأمن والإرهاب، فأنا أعتقد أن الجميع في منطقتنا من البلدان المجاورة إلى القوى الإقليمية مثل روسيا والصين والهند والمملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان، همّهم الأساسي كان عدم استخدام أفغانستان مرّة أخرى كمنطقة عمليات للإرهابيين الإقليميين والدوليين، وقد أثار ذلك الكثير من الشكوك لدى البلدان الإقليمية والولايات المتحدة، وقد حذرت الأمم المتحدة من ذلك في تقريرها الأخير الذي صدر منذ 3 أو 4 أشهر في شهر أبريل، وقد ذكر فيه أنّ للقاعدة وجود كبير وكذلك المجموعات الإقليمية الإرهابية موجودة بشكل كبير في أفغانستان، وإن مقتل الظواهري أثبت صحة تلك التقارير وأكّد أنّه يكاد يكون من المستحيل الآن على أيّ دولة أو منظمة دولية، أن تعترف بطالبان كحكومة شرعية”.
مقتل الظواهري مجرّد عيّنة عن وضع الإرهاب في أفغانستان
يعيد انديشه توضيح الترابط الذي يجمع ما بين مقتل الظواهري وفحوى التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، فبحسب قوله “كان هناك تقارير أصدرها فريق عمل مراقبة الإرهاب التابع للأمم المتحدة وغيرها من الفرق في وقت مبكر من ذلك العام 2022، تقول إنّ نشاطات القاعدة وغيرها من المجموعات الإرهابية كداعش والحركة الإسلامية الأوزبكية وحركة شرق تركستان وجند الله وحركة طهران – طالبان باكستان، والقاعدة في شبه القارة الهندية، قد زادت منذ تولّي حركة طالبان السلطة، وثمة تقارير أيضاً عن زيارة نجل بن لادن إلى مناطق شرق أفغانستان، وتقارير تقول إنّ سائق بن لادن قد عاد إلى أفغانستان. إلى ذلك ثمة مصادر ديبلوماسية صينية وكازاخستانية وطاجكستانية وغيرها، طلبت من طالبان مساعدتها في تسليم أو القضاء على تلك المجموعات الإرهابية الإقليمية التي كانت متحالفة مع طالبان في الماضي، غير أن طالبان كانت تنفي في كلّ مرّة وجود تلك المجموعات أو تقول إنّها تحت السيطرة”.
وأضاف موضحاً: “أعتقد أنّ ما حدث مع مقتل الظواهري وهو أحد أكبر الأهداف، يُظهر أنّ ما نعلمه عن وجود تلك المجموعات في أفغانستان هو غيض من فيض، فتلك مجرّد عيّنة عن وضع تلك المجموعات في أفغانستان، وما هو نوع مناطق العمليات التي يتمّ توفيرها لهم، لأنّ هناك تقارير عديدة تحدّثت عن نقل بعض عائلات تلك الجماعات الإرهابية الأجنبية من أجزاء مختلفة من العالم إلى مناطق آمنة في مدينة كابول، وهم الآن تحت حماية جزء من حكومة حركة طالبان، وذلك يمكن أن يدل على أنّه ربما هناك مجموعة في حركة طالبان تدعم وتؤمن ملاذاً لتلك المجموعات الإرهابية، وكل مجموعة لديها أهداف معينة حول العالم… إذاً في الواقع هي مساحة مفتوحة وبعض البلدان كالولايات المتحدة يمكن أن يكون لديها الإمكانات للقيام بهجوم للتخلّص من القادة، لكنّني غير متأكّد من أنّ أيّ بلد آخر بوسعه مراقبة تلك المجموعات الإرهابية التي تهدّد أمنها بشكل مباشر في أفغانستان، ولذلك السبب أعتقد أنّ أفغانستان ولسوء الحظ أصبحت السوق السوداء لتلك المجموعات الإرهابية”.
انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة
ويؤكّد أنّه “حتى الساعة هناك خمسة تقارير موثوقة، وكل تقرير يركّز على ناحية مختلفة من تلك الإنتهاكات لحقوق الإنسان، وثمة تقارير لهيومن رايتس واتش و UNAMA مهمّة تساعد الأمم المتحدة في أفغانستان، والتقرير الخاص الذي تحدّث عن حقوق الإنسان في أفغانستان والذي سيصدر خلال شهر في جنيف… كل تلك التقارير ستشير إلى أنّ مئات الأشخاص قد قتلوا واستهدفوا وتعرضوا لاعتقالات تعسفية وتمّ ترحيلهم وتهجيرهم، كما انتزعت منهم اعترافات بالقوّة والأدلّة موجودة في الإعلام وحصل ذلك بشكل خاص مع الفتيات والنساء اللواتي تمّ اختطافهن”.
وتحدث انديشه أيضاً عن عمليات القتل التي استهدفت أعضاء قوات الأمن السابقين “والتي مازالت مستمرة، وهناك تقارير بذلك الشأن تصلنا كلّ يوم تقريباً. لكن إذا ما نظرنا إلى الإحصاءات التي حصلت منذ البداية، فأنا أعتقد أنّ العدد هو بالمئات، ويبدأ بقتل مجموعة معيّنة كانت قريبة من القائد عبد الرازق قندهار، ثمّ قتل عدد كبير من قوّات الأمن والسلفي أولاما الذي قتل في ننغرهار، ثمّ الناس الذين قتلوا في بنشير وتمّ توثيق ذلك بوضوح، وقتل الناس في هانداراب والأقلية الهندوسية أيضاً قد تعرّضت للهجوم، وأخيراً إن العدد الأكبر من الذين قتلوا هو الشيعة الذين تم قتلهم مؤخراً. وإذا ما جمعنا كلّ تلك الأرقام فسنستنتج أنّ ذلك يتعارض مع ما تسوّق له طالبان، وهو أنّها أتت لتعزز السلام وتثبيت الإستقرار في البلد، فالقتل والعنف مستمران والفارق الوحيد برأيي أنّ القوّات الدولية غير موجودة، والقصف المدفعي غير موجود وانتحاريو طالبان غير موجودين أيضاً، وربّما ذلك هو ما يجعل الأرقام تتناقص، لكن من ناحية أخرى العنف موجود”.
ولفت إلى أنّ “معظم ذلك العنف وعمليات القتل، ومعظم تلك الإشكالات التي تحدث في أرجاء مختلفة من البلاد لا يتمّ تسليط الضوء عليها لأنّ الاعلام لم يعد حرّاً في أفغانستان. في الماضي كان لدينا إعلام حرّ عندما قامت طالبان بهجومها، فقد تمّ نقل ذلك مباشرة عبر أكثر من وسيلة إعلامية، لذلك العالم كلّه علم بما حصل، لكن اليوم فقد قتل أكثر من 120 شيعياً أفغانياً في شهر محرّم، ولم يكن هناك أيّ تغطية عالمية أو تغطية مباشرة من قبل وسائل إعلامنا. إذاً العنف موجود والإشكالات قائمة، لكن لا يتمّ الإبلاغ عنها”.
المؤلم في كلّ تلك الروايات والشهادات المريرة عن أفغانستان، أنّها تبدو وكأنّها تدور في حلقة مفرغة، وكأن نفق معاناة الشعب الأفغاني لا نهاية له، فالعتمة تزداد سواداً وبصيص الأمل بعيد المنال وما من ينتشل الإنسان المتألم في أفغانستان من جحيم البؤس ذاك، فهل تحلّ أعجوبة ما في تلك البلاد وترفع عنها لعنة الموت؟
في ذلك التقرير الخاص عن أفغانستان بعد عام على عودة طالبان، حاولنا الإحاطة بالمعاناة من جوانب عديدة، بدءاً من الأفغان أنفسهم الذيين يعيشون وضعاً مزرياً على الصعيد الإنساني، مروراً بالانتهاكات بحقهم وسلبهم أبسط حقوقِهم، وصولاً إلى المجموعات الإرهابية التي تجد من بلادهم مأوى. كل ما سبق مع عوامل أخرى، لا شك أنّه يساهم في إرساء التداعي الأكبر في المستقبل، لاسيّما وأنّ مقتل الظاهري في كابول يشكّل نقطة نحول جديدة ستقود البلاد إلى منحدرات غير حميدة.
شاهدوا أيضاً: طالبان.. رحلة الخوف من القتل أو الترحيل