تتوالى فصول قطع الغاز الروسي عن أوروبا لأسباب مختلفة، يعتبرها الإتحاد الأوروبي محض سياسية غير مرتبطة بشؤون صيانة أنابيب الغاز المتجه من روسيا، التي لطالما كانت المَصدر الأول للطاقة في الأسواق الأوروبية. الأزمة تتفاقم على أبواب الشتاء ومفوضية الطاقة في الإتحاد الأوروبي تكشف لـ “أخبار الآن” خطة المواجهة بكافة مراحلها.
- خفض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا مستمر وسط مخاوف من تراجع دراماتيكي بقدرة القارة على توفير الطاقة
- قبل الحرب الروسية الأوكرانية استورد الإتحاد الأوروبي 90 % من مجموع استهلاكه للغاز عبر روسيا
- الإتحاد الأوروبي يُدين استخدام روسيا ملف الطاقة كورقة سياسية للضغط بها في حربها
- مفوضية الطاقة في الإتحاد الأوروبي تؤكد لأخبار الآن: رفع العقوبات المفروضة على روسيا ليس خياراً أبداً
- خطة مشتركة لوزراء الطاقة الأوروبيين قائمة على خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 % في كل دولة
- توقعات أن تصبح خطة الإتحاد الأوروبي المرتبطة بالطاقة قسرية لا طوعية مع تكرار سيناريوهات قطع الغاز
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان الإتحاد الأوروبي يستورد 90 % من استهلاكه للغاز عبر روسيا التي كانت تؤمن 45 % من إجمالي استهلاك الغاز في أوروبا. القارة العجوز كانت استشعرت في السنوات القليلة الماضية خطورة اتكالها الكبير على روسيا لتأمين حاجتها من الطاقة. لكن باعتراف مفوضية الطاقة في الإتحاد الأوروبي، فقد فشلت سابقاً في تنويع مصادر الطاقة لجملة من الأسباب، إلى أن وقعت الواقعة مع غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير الماضي، إذ بات واجباً على القارة الأوروبية تأمين مصادر أخرى للغاز والنفط والفحم، لئلا يُهدّد أمن الطاقة لديها بشكل جديّ.
الإتحاد الاوروبي بحسب مصادره، ظنّ أنّ روسيا لن تستخدم الطاقة سلاحاً بوجهه في إطار حربها في أوكرانبا، لكن سرعان ما بدأت موسكو تخفيض إمداداتها للطاقة باتجاه دول الإتحاد الأوروبي بشكل غير مباشر، من باب ما وضعته في إطار الصيانة الدورية لأنابيب الغاز، إذ أغلقت روسيا في وقت سابق من يوليو 2022، ولعشرة أيام، خط نورد ستريم واحد (Nord Stream One) للغاز الطبيعي، أحد أهم خطوط إمداد أوروبا بالغاز، والذي يمتلك نظام أنابيب مزدوج لديه القدرة على نقل ما يصل إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر بحر البلطيق. وهو يعمل 24 ساعة في اليوم على مدار السنة، مع الإشارة إلى أنّه يضخ إلى أوروبا نحو 40 % من مجمل استهلاكها للغاز.
أغلقت روسيا خط نورد ستريم 1 للغاز الطبيعي الذي يؤمن لأوروبا 40% من حاجتها للغاز لمدة 10 أيام بحجة صيانته
الإتحاد الأوروبي اعتبر الأمر سياسياً غير مرتبط بالصيانة، كذلك كان موقف عدد من الدول الأوروبية إذ قال وزير الإقتصاد الألماني روبرت هابيك، أنّه يتعيّن على ألمانيا مواجهة احتمال أن تغلق روسيا تدفقات الغاز عبر نورد ستريم 1 إلى ما بعد فترة الصيانة المقررة، في حين نفى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف مزاعم أنّ روسيا تستخدم النفط والغاز لممارسة ضغوط سياسية.
لكن سرعان ما أُبطل الشك باليقين إذ أعلنت شركة الغاز الروسية غازبروم مطلع الأسبوع الفائت أنّها ستقطع مرّة أخرى بشكل كبير إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر خط الأنابيب الرئيسي بسبب أعمال الصيانة.
في ذلك السياق، أجرت “أخبار الآن” لقاءً خاصاً مع ستيفان دي كيرسمايكير (Stefan De Keersmaecker) المتحدث باسم مفوضية الطاقة في الإتحاد الأوروبي الذي وصف قراءة الإتحاد الأوروبي للقطع المتكرر للغاز الروسي عن أوروبا، وتحدث بالتفصيل عن خطة المواجهة التي أقرها الإتحاد الأوروبي لتفادي الكارثة المرتقبة في قطاع الطاقة إنْ بقي الإتكال الأوروبي على إمدادات روسيا.
استمرار ارتباط الطاقة في أوروبا بالإمدادات الروسية يهدّد اقتصادات القارة
كيرسمايكير قال لـ”أخبار الآن”: “قبل الأزمة كان هناك اعتماد كبير على استيراد الوقود الأحفوري الروسي، فبالإضافة إلى الغاز، كان الفحم الروسي يمثل 56 % والنفط الروسي يمثل 27 % من إجمالي استيراد القارة الأوروبية لمصادر الطاقة تلك”، مضيفاً: “من الواضح أنّ روسيا والكرملين يستعملان الطاقة كآداة حرب، ونحن لا يمكننا أن نقبل بذلك، فمن خلال استعمال تلك الآداة، يبرز خطر يهدّد إمدادات الإتحاد الأوروبي على مستوى الطاقة، وتلك الحالة لا تعني فقط الدول الأكثر ضعفاً، أي الدول التي تعتمد بأعلى مستويات ممكنة على الوقود الاحفوري الروسي، بل تؤثر على كلّ دول الإتحاد الأوروبي. إنْ بدأت الدول التي تعتمد كثيراً على النفط الروسي تعاني من مشاكل إقتصادية، فسيكون ذلك نتيجة السوق الموحّد المتبع في الإتحاد الأوروبي، والذي يؤثّر على كلّ الإتحاد”.
وأعطى كيرسمايكير مثلاً على ذلك يبيّن حجم تأثير أزمة الطاقة على الإقتصادات الأوروبية، قائلاً: “لو أحجمنا عن أيّ ردّة فعل إزاء قطع الإمدادات المتكرر وبقينا مكتوفي الأيدي، وكان الشتاء المقبل عادياً، فسيُمنى إجمالي الناتج المحلي بكلفة تتراوح بين 0.6 وواحد بالمئة، لكن إنْ كان الشتاء المقبل قارساً ونحن لم نتحرك، فسيتأثر إجمالي الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 0.9 و1.5 %، وبالتالي نرى أنّ موضوع الطاقة وقيام روسيا بتعطيل نقل الطاقة سيؤثّر بشكل كبير على إجمالي الناتج المحلي، ما يسلّط الضوء على ضرورة أن نتحرك كاتحاد أوروبي بكلّ انسجام وتضامن”.
في ذلك السياق، تجهد أوروربا عبر مفوضية الطاقة في اتحادها لتأمين بدائل عن الإمدادات الروسية المهددة بالإنقطاع الكلي في أي لحظة. وذلك ما أكّده كيرسمايكير في حديثه، إذ أشار إلى أنّ الإتحاد الأوروبي يريد من جهة تنويع إمدادات الطاقة لتخفيض نسبة الإعتماد على استيراد النفط من روسيا، ومن جهة أخرى يريد زيادة الاستثمار في امدادات الطاقة المتجددة.
ويقول إنّ “استيراد الغاز أو إمداداته من مصادر أخرى غير روسيا قد ازدادت بشكل لافت منذ يناير من العام الحالي، وقد زدنا إمدادات الغاز من مصادر أخرى غير روسيا بمعدل 35 مليار متر مكعب، ما يشكّل زيادة بالغة الأهمية في إمدادات الغاز غير الروسية، وتعود تلك الزيادة إلى الإتفاقات التي أبرمناها مع الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، ومع قطر والنرويج والجزائر، ومؤخّراً زارت رئيسة الإتحاد الأوروبي فون دير لاين ومفوضة الطاقة كادري سمبسون أذربيجان للعمل على تأمين إمدادات غاز إضافية من هناك”.
أوروربا تحاول إتباع نظرة شمولية في الطاقة لتفادي الكارثة
في ذلك الإطار، ومع تفاقم الخوف الأوروبي من كارثة إقتصادية كبرى مع استمرار الإبتزاز الروسي للقارة العجوز من باب قطاع الطاقة، شرح المتحدث بإسم مفوضية الطاقة لدى الإتحاد الأوروربي ستيفان دير كيرسمايكير الخطط المختلفة التي أطلقتها المفوضية بالتوازي لحماية القارة وضمان توافر الطاقة.
فرغم التأكيد الروسي أنّ أوروربا لا تستطيع استبدال الطاقة الآتية إليها من روسيا عبر استيراد القارة الغاز الطبيعي المسال من خلال ربط أنابيب النفط التي تملكها مع شركاء مختلفين، إلّا أنّ الإتحاد الاوروربي يمضي بتلك المبادرة إلى جانب رفع الإستثمار بالطاقة المتجدّدة، بحيث يقول كيرسمايكير: “تشير التقديرات إلى أنّه لدينا مثلاً 20 غيغاواط إضافي من الطاقة المتجددة، ما يعادل نحو 4 مليار متر مكعب من الغاز، إذاً نحن نعمل على تلك الجبهة، كما نعمل على جبهة خفض الطلب. ما يساعدنا فعلاً هو خفض الطلب على الغاز، وفي ذلك المجال طرحنا اقتراحاً جديداً لقي ترحيب الدول الأعضاء ويطرح كيفية خفض استهلاك الغاز، ما يساعدنا على ضمان معالجة أفضل لاحتمال قيام روسيا بتعطيل استيراد الغاز بشكل كامل”.
خطة الإتحاد الأوروربي لخفض الطلب على الغاز باتت حيز التنفيذ
إبتداءً من مطلع أغسطس الآتي، تدخل خطة مفوضية الطاقة لدى الإتحاد الأوروبي حيز التنفيذ بعد إقرارها من قبل مجلس وزراء الطاقة الأوروبي يوم الثلاثاء الماضي. وقد تحدث كيرسمايكير بالتفصيل عن تلك الخطة المتوقع أن يبدأ تنفيذها طوعياً من قبل الدول الأعضاء ويتحول إلى قسري لاسيّما مع اقتراب الشتاء واستفحال الأزمة السياسية.
يقول كيرسمايكير: “لقد عملنا على مرحلتين. في المرحلة الأولى، نريد تخفيض الطلب على الغاز بنسبة 15 % على نحو تطوعي أي أنّنا سنقول للدول الأعضاء طوعاً إنّه من المهم أن نخفض استهلاكنا للغاز ونحقق نسبة 15 %، ولقد حددنا تلك النسبة على أساس حسابات معينة وبعض السيناريوهات آخذين بعين الاعتبار حالات مختلفة كتعطيل روسيا كل الإمدادات أو لا وكأن يكون الشتاء عادياً أو معتدلاً أو بارداً وهكذا توصلنا إلى تحديد هذه النسبة أي 15 %”.
ويُضيف: “تتضمن هذه الخطة أيضاً مرحلة ثانية، فإن رأينا أن هناك خطر حقيقي على الامدادات وإن لم تصلنا على الوقت فيمكننا أن ننتقل إلى فرض تخفيض قسري وعندها سيكون على الدول الأعضاء أن تحقق قسراً تخفيضاً بنسبة 15 %، مع الإشارة إلى أن هذه القاعدة تتضمن بعض الاستثناءات طبعاً فعلى سبيل المثال هناك 3 دول أعضاء هي جزر وستعفى من هذه المقاربة لسبب بسيط هو أنه حتى إن استعملت هذه الدول نسبة أقل من الغاز فهي تعجز عن نقل الغاز غير المستعمل إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي لأنها جزر، وبالتالي لهذا السبب هذه الجزر غير مشمولة بهذه الموجبات القسرية، كما هناك بعض الحالات الأخرى المماثلة حيث تعجز بعض الدول عن تحقيق تخفيض بنسبة 15 % ولكن هذا الأمر يتوقف على الظروف والوضع، ولكن هذا هو مبدأنا، بدأنا العمل معاً على تحقيق تخفيض بنسبة 15 % وإن دعت الحاجة سنحوّل ذلك إلى خطوة قسرية”.
وحدة الصف الأوروبي: لا لرفع العقوبات
تفتخر مفوضية الطاقة لدى الإتحاد الأوروربي بموافقة الدول الأعضاء على تلك الخطة في غضون أسبوع، على الرغم من وجود بعض الدول التي أبدت إمتعاضاً أولياً أو رفضاً قاطعاً، مثل هنغاريا التي تتسم حكومتها بعلاقة ودٍ مع موسكو.
ويقول كيرسمايكير في ذلك الإطار: “الأهم من الإتفاق الجماعي هو أنّ النظام يقدّم آلية حوكمة تسمح للدول الأعضاء بالعمل معاً بشكل واضح على تحقيق ذلك التخفيض ومراقبة الوضع وتحديد الخطوة الضرورية المقبلة”.
الإتحاد الأوروبي ماضٍ في المواجهة لتقليل من شأن ورقة الطاقة التي يلوح بها بوتين
ستيفان دي كيرسمايكير
كما يؤكّد لـ “أخبار الآن” في ذلك السياق، أنّ “الإتحاد الأوروبي ماضٍ في المواجهة لتقليل من شأن ورقة الطاقة التي يلوح بها بوتين من دون رفع العقوبات، إذ يقول: “لقد شنّت روسيا هجوماً شائناً على أوكرانيا وعلى الأوكرانيين وعلى مبادىء الاتحاد الأوروبي وعلى كل ما تمثله أوروبا، هذا أمر غير مقبول، وما يحصل في مفوضية الطاقة يظهر بكل وضوح أنّ ذلك الأمر غير مقبول، فالطاقة لا يمكن استعمالها كسلاح في ذلك الإعتداء المشين على أوكرانيا ومواطنيها، لذلك نحن نواصل التعبير بأن الاتحاد الأوروبي مستعد لمواجهة هذه الأزمة بكل انسجام وتضامن، وبرأيي لقد أرسلنا رسالة قوية جداً”.
ورداً عمّا إذا كان الإتحاد الأوروربي ينسّق مواقفه مع أوكرانيا التي ترزح تحت وطأة الحرب، قال كيرسمايكير: “نحن على تواصل وثيق مع السلطات الأوكرانية، فعلى سبيل المثال منذ يومين لما وافق وزراء الطاقة على خطة إدخار الطاقة، حصل اجتماع بين وزراء الطاقة الأوروبيين ووزير الطاقة الأوكراني بهدف النقاش ومواكبة الوضع، نحن نعمل معاً بشكل وثيق مع نظرائنا الأوكرانيين على مستوى المخاطر والتحديات الإنسانية ويجب ألا ننسى من بدأ الحرب”.