ناجية من داعش: بعد اقتراب القوات العراقية من الموصل كان داعش يريد أن يتخلص منا
- دفعت والدتي المال لداعش حتى يفرجوا عني وعن شقيقي ..
- بعد اقتراب القوات العراقية من الموصل كان داعش يريد ان يتخلص منا
رغم مرور اكثر خمس سنوات على تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي، لكنه لا يزال يحتفظ بعدد من المختطفات والمختطفين منذ سنوات، ولا تزال هناك اسر في العراق وسوريا تبحث عن افراد من عائلتهم خطفهم التنظيم ولم يعلموا مصيرهم حتى الان، الناجية من معتقلات داعش “زينب ” والتي حصلت على حق اللجوء في كندا عن طريق الأمم المتحدة تروي قصتها لأخبار الآن ،، علما ان والدها قد اعتقله تنظيم داعش ولم تعلم زينب مصيره حتى اللحظة، لأنه كان ضابطا في الشرطة العراقية ولم نذكر اسمه حفاظا على حياة من تبقى من أسرتها لأن بعضهم لا يزالوا يعيشون في العراق..
إذا زينب، هل اطلق عليكِ الناجية ام الناجحة ” زينب ” وماذا تشعرين الان ؟
اعتبره وصفا قليلا لأنني لست ناجية فقط، بل اشعر وكأنني ولدت من جديد، فقد شاهدت الموت بأم عيني مرات عدة ولم أتوقع انني سأنجو من أيديهم. كانوا يدعوني إلى ساحات الاعدامات لا نشاهدهم وليقولوا لنا ان مصيركم مثلهم.
أما عن شعوري فسأتحدث عن شعوري يوم وصلت مطار تورنتو بكندا، شعرت بأن أبواب الفرح والفرج فُتحت أمامي، لأنني قاسيت كثيرا وعانيت من ظلم داعش الإرهابي، عندما أذكر اسم التنظيم الإرهابي يرتعش جسمي وأشعر بالخوف وحتى وإن كنت بعيدة عنهم الآلاف الكيلومترات. غادرت مدينتي الموصل التي ولدت وتربيت بها وصلت إلى كندا واحمل معي قصص محزنة وكئابة لا توصف ورعب، بالإضافة إلى الأمراض النفسية والجسدية بسبب التعذيب الذي تعرضت له، ورغم صغر سني لكنني بسبب التعذيب والخوف أصبحت أعاني من أمراض عدة.
بدأت رحلة العلاج الجسدي والنفسي وبعد اشهر بدأت اتعافى شيئا فشيئا ، واول شيء قررت عمله هو العودة إلى صفوف الدراسة التي حٌرمت منها بسبب احتلال داعش ومنعه للفتيات بالذهاب إلى المدارس، ومن يسمح لهن بالدراسة فقط من يرغبن تعلم المبادئ الأساسية لداعش وأيديولوجيته…بالنسبة لي حٌرمت من الدراسة لان والدي كان ضابطا في الشرطة، وآنذاك لم يسمح داعش لأولاد وبنات الضباط او من هم في سلك الشرطة او الجيش او من يعمل مع الحكومة حق الدراسة او العمل.
سنعود للحديث عن كندا زينب، لكن دعيني اسألكِ لماذا يعتقل داعش فتاة شابة بعمركِ؟
اعتقلني داعش لنفس السبب الذي حرمني من الدراسة. وهو أن والدي كان ضابطا لم اعتقل وحدي، بل تم اعتقال شقيقي وشقيقتي أيضا، كانوا يطلقون علينا “أولاد المرتد” طبعا شقيقتي نجت بأعجوبة لحسن الحظ أنها كانت حامل فتركوها طبعا بعد تعذبيها بأبشع الطرق حتى ان ابنها ولد ببنية ضعيفة وغير قادر على النطق حتى الان.. أما أنا وشقيقي فقد أبقى داعش على اعتقالنا لمدة ستة أشهر واسبوعين.
إذا،، كيف تم الاعتقال هل تذكرين ذلك اليوم، اعتذر انني اعيد فتح جروحك لكن على العالم ان يسمع قصص التنظيم البشعة وما فعله بالأبرياء؟
كنت أصلي صلاة الظهر في منزلنا في الموصل، طرق الباب وفتح شقيقي الباب وبعدها لم نسمع صوته، كانوا عناصر داعش قد كبلوه واغلقوا فمه…ثم ركلوا الباب ودخلوا اكثر من عشرة ارهابي من داعش قالوا أنهم من “الحسبة” ، حجزونا بغرفة وأحدة في منزلنا واخدوني واخذوا اخي وشقيقتي أيضا كانت في زيارة لنا، حينها لم تكن والدتي في المنزل ووالدي كان معتقلا لديهم أصلا وكان قد مر على اعتقاله نحو عامين ونصف العام، تم تعصيب اعيننا برباط حتى لا نرى إلى اين تم اقتيادنا، طبعا مع الضرب والاهانة وتلفيق التهم أمام الناس علينا، فجأة وجدنا أنفسنا في مقر الحسبة التابع للتنظيم.
هل تذكرين المكان كيف تصفينه؟
زينب: أول ما فتحوا العصبة من عيني شاهدت نفسي وشقيقتي في غرفة مليئة بالدماء وأدوات تعذيب، وأنهالوا علينا بالضرب بالسوط، وكنت اصرخ وابكي وشقيقتي كانت تقول لهم أنها حامل، كنا نسمع أصوات من غرفة أخرى كان شقيقي فيها أيضا مع عدد من الشباب، طبعا فصلونا عندما وصلنا إلى الحسبة، كنت اسمع صراخ شقيقي أيضا اثناء التعذيب، بعد ان وصلت حالة اختي إلى خطرة جدا أفرجوا عنها ولا نعلم لماذا افرجوا عنها لأنهم لم يشفقوا على أحد، بقيت انا وحدي ثم انضمت اليه امرأة أخرى وكان سبب اعتقالها ان زوجها شرطيا وابنها أيضا.
كم يوم قضيتي في الحسبة؟
زينب: بقيت ما يقارب ثمانية عشر يوما، في دار الحسبة كانوا يحاولون القاء تهم مختلفة حتى أنهم اتهموني بالسحر لكنهم لم يستطيعوا اثبات شيء لذلك واتهموا اخي بأنه يكتب اشعار ضدهم، تم نقلنا انا وشقيقي والمرأة الشرطية المعتقلة إلى دار “التوبة”.
لماذا دار التوبة وما هو؟
زينب: كان عبارة عن قاعات كبيرة، وهناك مئات النساء والأطفال بينهم ايزيديات، كان هناك نساء زوجات وشقيقات او بنات مسؤولين في الحكومة والشرطة والجيش، اما التعذيب فكانت هناك ساعات معينة لكل مجموعة من النساء قبل الإفطار الغذاء وأيضا قبل العشاء، أحد اونواع التعذيب كانوا يربطوننا على أطار السيارات ويتم دحرجة الاطار، أيضا الضرب بالعصا، كما كانوا يعملون على تصويرنا وكأنهم يعدموننا ويرسلون مقاطع الفيديو لعائلاتنا حتى لا يبحثوا عنا ويقول لهم أنه تم اعدامنا.
استدعوني للتحقيق أكثر من مرة، وكانوا يسألوني عن والدي وإذا لديه أي أوراق مهمة او ملفات او مبالغ مادية اوذهب غير الذي سرقوه من منزلنا، كنت دائما أقول لهم انني لا اعلم ولا اتدخل بأعمال والدي ولا افهم عن ماذا تتحدثون لكن بعد انتهاء التحقيق ولأنهم لم يستفيدوا من اجاباتي كنت اذهب إلى التعذيب.
أما بالنسبة للطعام، فكانوا يقدمون لنا أسوأ أنواع الطعام كانوا يضعون عليه مادة لا أعلم ماهي لكن كانت تجعلنا في خمول وكسل ولا نستطيع المقاومة، اما الماء فكانوا يقدمون لنا القليل حتى لا نستخدم دورات المياه.
اغتصبوا عددا من زوجات الضباط كانوا يختارون كل ليلة وأحدة منهن، كنت أشاهد ذلك.
دعيني اخبركِ عن قصة الشرطية ” قمر” التي كانت معي في نفس المعتقل لكن زوجها ينتمي لداعش قصتها هزت المجتمع الموصلي.
زينب لماذا تذكرين هذه القصة بالذات؟
لأنني حزنت عليها كثيرا، كانت معتقلة ، تزوجت “قمر” بأمير من داعش اسمه عبد الله من قضاء تلعفر ولم تكن تعلم أنه كان ينتمي إلى التنظيم، علمت أنه إرهابي عندما سافرت معه للسياحة إلى تركيا واكتشفت أنه يجتمع بعدد من الرجال في ذات الفندق الذي كانت تسكن فيه قمر وزوجها، وآنذاك تم تهديدها من أعضاء التنظيم المجتمعين وقالوا لها اذا تحدثت سيتم قتلها وزوجها.
“قمر” تزوجت بأمير من داعش اسمه عبد الله من قضاء تلعفر ولم تكن تعلم أنه كان ينتمي إلى التنظيم
ثم عادت إلى الموصل وظنت ان موضوع الاجتماعات وداعش انتهى بعد ان قال لها زوجها أنه تخلى عنهم وأنه يحبها، لكن عند سقوط الموصل عام ٢٠١٤ اكتشفت “قمر” ان تحت منزلها مخزن للأسلحة والمعدات، واختبآ في قبو منزلها عشرات الدواعش، هنا علمت ان زوجها أحد أبرز أمراء التنظيم، ولم يتخلى عنهم بل كان يدعمهم ويعد العدة معهم لاحتلال الموصل.
طبعا هذه القصة سمعتها منها مباشرة قبل ان يتم إعدامها، زوجها عبدالله الداعشي قرر حمايتها من داعش لأنها كانت من المطلوبين بسبب عملها كشرطية وحاول تهريبها وابنها لكن، أحد ما وشى بها، وتم اعتقالها من داعش واعتقل أيضا زوجها بتهمة الخيانة، ثم اعدمها داعش حيث قطع رأسها أمام ابنها البالغ من العمر عامين، واعدم زوجها أيضا.
كيف نجوت من داعش؟
عندما بدأ الجيش العراقي بالتقدم نحو الموصل لتحريرها ، كان عناصر التنظيم مرتبكين وبعضهم مشغول في المعارك فاصبحنا في الوسط ، هنا اصبحت العائلات الموصلية تبحث عن أبنائها في جميع المقرات التابعة لداعش لأنهم كانوا يعلمون ان بعضهم على قيد الحياة ،عندما شعر عناصر التنظيم ان نهايتهم اقتربت اصبحوا يسامون العائلات على أولادهم من خلال دفع مبلغ من المال ليفرجوا عنه لأنهم اصبحوا محاصرين وبحاجة ماسة إلى النقود للهرب، كانت والدتي في تلك الفترة تبحث عني وعن شقيقي في كل معتقلات التنظيم ومقراتهم طبعا تم قصف دار التوبة الذي كنا فيه وتم تهريبنا منه عن طريق الانفاق إلى مكان آخر، سرنا مشيئا على الاقدام لمدة ساعتين إلى ان وصلنا إلى مقر آخر ، حتى اللحظة لم اعرف اين كان ذلك المكان، كان يحتوي على الغنائم وما يصادره التنظيم، بقينا لمدة خمسة عشر يوما.
كانت والدتي في هذه الفترة تحاول البحث عنا في أماكن عدة، من بينها الحسبة ، استطاعت والدتي ومن خلال عدة اشخاص ان تتفق مع أحدهم لدفع مبلغ من المال مقابل الافراج عني وعن شقيقي وبالفعل تسلم أحد القياديين المال ويدعى “أبو عبد الرحمن” وهو مسؤول الحسبة، وابلغوا والدتي أنه سيتم الافراج عنا يوم الجمعة كان هذا بتاريخ ١٦/٠٩/٢٠١٦.
اقتادوني إلى القاضي كان يطلق عليه “قاضي الدماء” المكنى بــ “أبو بكر”، حقق معي ثم جلدني أربعين جلدة
وقبل الإفراج عني، أدخلوني إلى غرفة التعذيب ثم بعدها اقتادوني إلى القاضي كان يطلق عليه ” قاضي الدماء” المكنى ب “أبو بكر”، حقق معي ثم جلدني أربعين جلدة. وقال لي بعد الافراج سيتم اعتقالي مرة أخرى بعد عشرة أيام للاستجواب، ثم طلب من عناصره وكان يطلق عليهم “أبو مريم و أبو تبارك والثالث سعد ” قال لهم خدوها، عصبوا عيناي ووضعوني في مركبة، سارت بنا لنحو ساعة، كانت طائرات التحالف تحلق فوق سماء الموصل واسمعهم يقولون يجب إطفاء أضواء المركبة حتى لا ترصدهم الطائرات، وصلنا إلى إحدى النقاط التابعة لهم، حيث كان شقيقي محتجز في هذه النقطة، وهنا اصبحنا انا واخي في ذات المركبة وسارت بنا ثم تركونا في “حي المثنى” وكانت ليلا ثم جاءت مركبة أخرى تابعة أيضا للتنظيم نقلتنا إلى منزلنا.
لم تصدق أمي أننا وصلنا وأنه تم الافراج عنا، كان يوما لا يوصف، لكن كنت خائفة من كل شيء حولي و لا استطيع النوم وبعد عشرة أيام من الافراج عني هربنا انا وعائلتي إلى منطقة “سادة بعويزة” القريبة من سهل نينوى وأصبحنا نتنقل من منزل إلى أخرى لغاية ان تم تحرير الموصل ثم سرنا مشيا على الاقدام لمدة يوم كامل لغاية ان وصلنا “خرسيباط” حيث كان يتم جمع النازحين في المدارس، ونحن في طريقنا كنا نرى جثث القتلى من الدواعش والمدنيين أيضا.
سمعت القوات العراقية ان داعش يحاول شن هجوما، في الاثناء نقلتنا القوات العراقية بباصات إلى قضاء “برده رش” في كردستان وهناك كانت المخيمات النازحين وسكنا في مخيم “قيماوا” وهنا علمت الأمم المتحدة بقصتي من خلال جولاتهم التفقدية للمخيمات وأبلغوني بان كندا وافقت على استقبالنا كلاجئين..
ووصلت كندا وهنا كانت بداية حياتي الجديدة، حياتي أصبحت أجمل وأصبحت اقوى من السابق.