يواجه مشروع الحزام والطريق الذي تسعى الصين لتحقيقه حول العالم لتوسيع نفوذها، المزيد من الضغوط، لا سيّما مع بروز أزمات عديدة في بلدان مختلفة شكّلت تجاربها الفاشلة مع الصين محطة تدعو للتوقف عندها والتفكّر فيها، تجنّباً لخسارة السيادة على مرافق استراتيجية وحيوية.
- الديون استراتيجية الصين لإغراق الدول بها لا سيما في آسيا وأفريقيا لتنفيذ مشروع الحزام والطريق
- الديون الصينية تقع على نحو 42 دولة حول العالم وتمثّل ما يفوق 10 % من ناتجها المحلي
- المتوسط نقطة التقاء القارات العالم وهنا تبرز استماتة الصين للإستحواذ على الكثير من موانئه
- إنشاء تكتّل مالي دولي كبير لمواجهة الصين بالأسلوب نفسه أي إقراض الدول النامية
- الجزائر بصدد إنشاء ميناء في الحمدانية والحكومة قرّرت أن يكون المشروع بالشراكة مع الصين
- الصين تدخل على خط أكبر منجم للحديد في الجزائر وهو يحتوي على ما تقدر زنة الحديد فيه بـ 3 مليار طن
تعتبر الموانىء في حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يشكل نقطة التقاء قارات العالم، مرافق استراتيجية للغاية نظراً لاعتبارها بوابات إلى دول العالم، فتسعى الصين للسيطرة عليها من خلال عمليات استثمارية تؤدّي في المحصلة إلى الغرق بالديون الصينية تعجز الدول عن سدادها.
يقول الدكتور سليمان ناصر، وهو محلل اقتصادي وباحث أكاديمي من الجزائر، إنّ “الصين تتبع استراتيجية تهدف لإغراق الدول لا سيما النامية منها في آسيا وأفريقيا، بالديون أو القروض بشروط صارمة”، مشيراً إلى أنّ بكين تحاول أن توقع الدول في فخ الديون في إطار مشروع الحزام والطريق، لتدخل بذلك تلك الدول في إطار النفوذ الصيني”. وأضاف: “نحن نعلم أنّ القارة الأفريقية سوق اقتصادية واعدة جدّاً، وقد أصبحت منطقة صراع بين الصين من جهة، والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية”.
وأوضح في حديثه لـ”أخبار الآن“، أنّ “الديون الصينية تقع على نحو 42 دولة وتمثّل ما يفوق 10 % من ناتجها المحلي، وتقدّر إجمالاً بنحو 385 مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ ضخم، ما يجعل الصين أكبر دائن في العالم، وبالتالي يجعل الكثير من الدول عاجزاً عن سداد القروض، وذلك يشكّل فرصةً لسيطرة الصين على كلّ ما يساعدها في تنفيذ خطتها التجارية العالمية، التي تدخل في إطار ما يسمى بمشروع الحزام والطريق، من موانىء ومطارات ومرافق استراتيجية وغيرها”.
وعن نيّة الصين السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، قال ناصر إنّ “المتوسط يعتبر نقطة التقاء ما بين قارات العالم كلّها، حتى أنّ هناك استماتةً صينية للإستحواذ على الكثير من تلك الموانىء، وذلك ما دفع الدول الغربية، أي الدول السبعة الكبرى بقياد الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إنشاء تكتّل مالي لإقراض الدول النامية، لا سيما الدول الأفريقية لأنّها شعرت أنّ النفوذ الصيني الذي يحاول أن يتوسّع في القارة السمراء الواعدة، ويسعى للتغلغل في تلك السوق عن طريق الديون، إذاً هم يحاربون الصين بالطريق نفسها”.
الديون الصينية تهلك نحو 42 دولة حول العالم، وهي تقدّر بنحو 385 مليار دولار
وتابع: “في إطار التوسّع الصيني خصوصاً في منطة البحر الأبيض المتوسط، نلاحظ أنّ الصين تحاول حالياً السيطرة على ميناء بيرايوس في اليونان، على ميناء بورت أوف بار في الجبل الأسود (مونتينيغرو)، كذلك تحاول الدخول على خط إعادة إعمار ميناء بيروت في لبنان، الذي دُمّر بالكامل في انفجار الرابع من أغسطس العام 2020، إضافةً إلى أنّ هناك دولاً عديدة تحاول الدخول على خط إعادة الإعمار… وميناء بيروت هو من المرافىء الذي يتمتّع بموقع استراتيجي مهم على شرق البحر المتوسط، أيضاً تحاول الصين السيطرة على موانىء مصر خصوصاً الإسكندرية وموانىء إسرائيل في حيفا وأشدود. إضافةً إلى ميناء بنزرت في تونس”.
وكشف ناصر أنّ “الجزائر بصدد إنشاء ميناء في منطقة الحمدانية، غرب العاصمة الجزائر، وقد قرّرت الحكومة الجزائرية أن يكون ذلك المشروع بالشراكة مع الصين، ومن المتوقع أن يكون من أكبر الموانىء على البحر المتوسط إنْ لم نقل في العالم”. وقال: “تصل تكلفة مشروع الميناء الأولية إلى نحو 6 مليار دولار أمريكي، وهو يعالج أكثر من 6 مليون حاوية… إذاً نظراً لأهمية ذلك الميناء وحجمه، ونظراً لموقع الجزائر الإستراتيجي على المتوسط، نلاحظ أنّ هناك نيّة واضحة لدى الصين للسيطرة على موانىء البحر المتوسط من أجل منافسة القوى العظمى وتجسيد مشروع الحزام والطريق”.
وعن النفوذ الصيني في دولة الجزائر، قال ناصر إنّ “ذلك النفوذ قوي جدّاً لا سيما في المجال الإقتصادي، بحكم عمق العلاقات التاريخية بين الجزائر والصين”، مشيراً إلى أّنه “بعد الإستقلال وحتى اليوم، تفوز الصين بأكبر الحصص في المشاريع الجزائرية، خصوصاً مشاريع البنى التحيتية”.
الصين تدخل على خط أكبر منجم للحديد في الجزائر
كما كشف ناصر لـ”أخبار الآن“، أنّ “لدى الجزائر منجماً للحديد يعتبر من أكبر المناجم في العالم، يعرف اسم غار جبيلات، يقع في الصحراء الغربية بالقرب من الحديد مع المغرب”، موضحاً أنّ ذلك المنجم يحتوي على حديد خام قدرت زنته بـ 3 مليار طن.. وقد وقعّت الجزائر اتفاقاً مع شركات صينية للشروع باستغلال المنجم بعدما كانت الحكومة في الفترة السابقة تتردد في استغلاله، لأسباب عديدة لا سيّما لوجوده في عمق الصحراء وبُعده عن الساحل في الشمال”.
وختم ناصر قائلاً إنّ “النفوذ الصيني في الجزائر قوي جدّاً ويتزايد باستمرار، وتعتبر الصين أهم مورّد للجزائر، وهي تأتي بالمرتبة الأولى، إذ أنّ وارداتها إلى الجزائر تبلغ نحو 8 مليار دولار أمريكي سنوياً، لكن منذ سنتين على الأقل تراجعت تلك الواردات إلى نحو 6 مليار دولار أمريكي بفعل القيود التي فرضتها الجزائر على الواردات، نظراً لتقلّص احتياط النقد الأجنبي”، مضيفاً: “الغريب أنّ الصين بقيت في الصدارة والمقدمة على باقي الدول لا سيما فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة”.
تجربة أوغندا.. واحدة من التجارب الفاشلة مع الصين
وكانت معلومات تحدّثت مؤخرأً أنّ الصين تقترب من السيطرة على مطار أوغندا الدولي الوحيد فيها، بسبب عدم قدرة السلطات الأوغندية على دفع الديون للصين، وأنّها تسعى لتعديل اتفاق لقرض وقّعته مع بكين في العام 2015، لضمان ألّا تفقد الحكومة سيطرتها على المطار، وفق ما أوردت تقارير صحافية في أوغندا.
ويأتي ذلك بعد أيّام على جولة أفريقية أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أكّد خلالها أنّ بلاده تستثمر في القارة “من دون فرض مستويات لا يمكن تحمّلها من الديون”، في تلميح إلى الصين، التي تواجه اتهامات بأنّها تستخدم استثمارات مشروع الحزام والطريق للبنية التحتية، لإسقاط الدول في فخ الديون.
وكانت أوغندا الواقعة شرق أفريقيا، اقترضت 200 مليون دولار من بنك الصين للتصدير والإستيراد، المعروف باسم “إكسيم”، لتوسيع مطار عنتيبي الدولي. واعتبرت صحيفة “ديلي مونيتور” الأوغندية أنّ مسؤولين أوغنديين بارزين باتوا “في مأزق” بعدما رفض المقرضون في الصين طلبهم بإعادة التفاوض بشأن “بنود سامة” يتضمنّها القرض، المُبرم في 31 مارس 2015.