سلطت دراسة حديثة الضوء على مخاطر التسرب من المدارس في تونس وكيفية انعكاس تلك المخاطر على المجتمع وأمنه وسلامته في الوقت الذي تعيش فيه تونس والمجتمعات العربية بمعظمها تغيرات دراماتيكية على جميع الصعد والمستويات ابتداءً من المتغيرات السياسية وليس انتهاء بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية منها.
- دراسة تظهر تفاقم ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس في تونس.
- الدراسة استندت إلى عدد من الأبحاث والاحصائيات المحلية والأقليمية والدولية.
- البحث كشف كيف تلعب عوامل عديدة أبرزها العامل الجغرافي والبيئة والتعليم العام في ازدياد خطر التسرب من المدارس.
- استخدمت الدراسة بيانات عالمية وجداول ومعادلات حسابية لإظهار أكثر المناطق خطرا في تونس.
- السنوات الأخيرة تشير إلى تفاقم ظاهرة التسرب من المدارس.
- المناهج الحكومية والعوامل الاقتصادية تلعب دورا بارزا في تفشي ظاهرة التسرب من المدارس في تونس.
الدراسة التي أعدها الباحث التونسي فؤاد بن سعيد ركزت على تحديد العوامل المكانية التي تفسر مخاطر التسرب من المدرسة وتحديد النقاط الساخنة لخطر ذلك التسرب، في الوقت الذي تنتشر فيه هذه الظاهرة كجائحة مع آثار غير مباشرة على إمكانية تسرب مجموعات المدارس الثانوية في شمال غرب وجنوب البلاد.
وتكشف الدراسة عن العامل الجغرافي كأساس محوري لانتشار هذه الظاهرة، فالمناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات الأمية والبناء الهامشي والأعمال التجارية والوظائف غير العامة تزيد من خطر التسرب من المدرسة. كما يقلل مستوى تعليم المرأة ومشاركتها في القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة والزراعة والخدمات العامة من احتمال التسرب في البيئة المجتمعي، ويساهم الوصول كذلك إلى المرافق التعليمية والثقافية والرياضية في تلك المجتمعات في الحد من مخاطر التسرب من المدرسة، ناهيك عن أن عدم قدرة سوق العمل الإقليمي على استيعاب خريجي الجامعات يساهم بشكل مباشر في التسرب المبكر من المدارس.
الباحث التونسي أورد مجموعة من الاحصائيات والأبحاث والتقارير التي نشرتها منظمات محلية وإقليمية ودولية حول التسرب من المدارس في تونس، حيث أظهرت دراسة نشرتها اليونيسف أن معدل التسرب لطلاب المرحلة الإعدادية في البلاد ارتفع من 30 في المائة في عام 2006 إلى 50 في المائة عام 2013، كما أن نحو 10 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 14 عامًا توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة الابتدائية أو الإعدادية ونحو 85 في المائة من هؤلاء المتسربين تركوا المدرسة بعد أن أمضوا بضع سنوات في المدرسة الثانوية والبقية توقفوا عن الدراسة دون حتى الوصول إلى فصل المدرسة الثانوية.
وتم تسجيل أعلى معدلات التسرب في المناطق الشمالية الغربية والوسطى الغربية من البلاد. كما أن التسرب الأكثر شيوعًا كان في المناطق الريفية، وبين الأسر الفقيرة وخاصة عندما يكون مستوى تعليم الأم منخفضًا للغاية.
ابتداءً من التسعينيات، حاولت السلطات التونسية إدخال إصلاحات على نظام التعليم للحد من معدلات التسرب المرتفعة بهدف تحسين جودة التعليم وتحديث أدوات التدريس، واستخدام معدات سمعية وبصرية، وتعزيز قدرات الإشراف على التدريس على المستوى الوطني وفي المناطق الريفية على وجه الخصوص.
وعلى الرغم من هذه الإصلاحات، استمر عدد المتسربين من الدراسة في الزيادة من عام إلى آخر، ووصل إلى رقم مقلق بلغ 100000 طالب كما هو موضح في تقرير نشرته اليونيسف عام 2018 وبلغ معدل التسرب من التعليم قبل عام من الثورة خلال 2010/2011 حوالي 9،9 في المائة مقارنة بـ 11.2 في المائة بين عامي 2011/2012، وهو ما يمثل بداية زيادة معدلات التسرب من سنة إلى أخرى نتيجة انتشار ظاهرة العنف في البيئة المدرسية. علاوة على ذلك، كان هناك انخفاض في موارد الدولة مما أدى إلى تراجع الاستثمار والنمو الاقتصادي وأصبحت غير قادرة على تمويل التعليم المجاني عالي الجودة في بنية تحتية مناسبة.
وفي تقرير نُشر عام 2015، ذكر المعهد الوطني للإحصاء أنه خلال العام الدراسي 2013/2014 تسرب أكثر من 112000 طالب من المدرسة، 40.4 في المائة منهم من الفتيات و 59.6 في المائة من الفتيان، وأن 9.5 في المائة من المتسربين هم في المدرسة الابتدائية، و 42.5 في المائة في المدرسة الإعدادية و 48 في المائة في المدرسة الثانوية. في حين أن 48.3 في المائة من المتسربين من البنين كانوا في المدرسة الإعدادية، بينما 41.9 في المائة من الفتيات المتسربات كن في المدرسة الثانوية.
تفاقم هذه الظاهرة دفع الباحثين لإيراد الأسباب الرئيسية لزيادة انتشارها، مثل الصعوبات في الانتقال بين الدورات التعليمية. وهذا صحيح بشكل خاص في الانتقال إلى الحلقة الثانية من التعليم الأساسي (المدرسة المتوسطة)، أي السنة السابعة (السنة الأولى من المدرسة الإعدادية)، والسنة الأولى من المدرسة الثانوية.
العامل الجغرافي
ومن خلال مسح عينة من 601 من المتسربين من المدارس وجدت عينة البحث تلك أن الأسباب الرئيسية للتسرب تشير إلى صعوبة البرامج المدرسية، وافتقار الخدمات للطلاب الفقراء، وكثير منهم يواجهون المشي لمسافات طويلة والبقاء في المدرسة لمدة يوم كامل، والوجبات الخفيفة الرديئة بالإضافة إلى البنية التحتية للمدارس المتداعية، وخاصة مرافق الصرف الصحي.
كما أن الشباب من الأسر الفقيرة، المقيمين في المناطق الريفية، والذين حصل آباؤهم على القليل من التعليم، هم أكثر عرضة للتسرب من المدرسة، حيث وجدت دراسة أجريت عام 2016، أن المناطق الشمالية الغربية والوسطى الغربية تقدم برامج تعليمية أكثر فاعلية، من حيث الجودة ومعدلات النجاح من المناطق الداخلية. وتظهر هذه النتائج أن التفاوتات الإقليمية في معدلات التوظيف ومعدلات الفقر لها تأثير كبير على معدلات التسرب.
ومن خلال فحص البيانات المأخوذة من مسح PISA لعام 2012، أشارت النتائج إلى عدم كفاءة نظام التعليم في خفض معدلات التسرب من المدرسة، إذ يتطلب حل تلك المشكلة إلى تخصيص أفضل الموارد النقدية وموارد الميزانية، حيث تمثل هذه الموارد 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
كما أظهرت الدراسة التي أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) في عام 2014، أن ضعف الوصول إلى المدارس في عدة مناطق أدى إلى ترك الطلاب للدراسة بسبب عدم وجود مقصف “مطعم” مدرسي، والمشي اليومي الطويل الذي يقوم به الطالب في الصباح وخاصة في فترة ما بعد الظهر، وإرهاق يوم طويل بعيدًا عن المنزل يمنع الطلاب من مراجعة دروسهم في المساء. وعلى نفس المنوال، كشف بحث أجري عام 2019 عن أهمية مكان الإقامة في فهم هذه الظاهرة.
وبدراسة التفاوتات في الفرص التعليمية بين الشباب التونسي، يؤكد المؤلف أن فرص الحصول على التعليم تتضاءل في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية. ويرجع ذلك من جهة، إلى عدم وجود بنية تحتية مدرسية جيدة التجهيز، ومن جهة أخرى، إلى المسافة التي تفصل هذه المؤسسات عن أماكن إقامة الطلاب. وشجعت هذه النتائج على الشروع في تحليل أكثر تعمقًا يحاول إبراز الصلة بين خصائص الموقع والتسرب من المدرسة، إذ يتم التعبير عن هذه الخصائص من حيث إمكانية الوصول المكاني إلى المدارس والأنشطة الرياضية والثقافية الأخرى، وأن اختيار هذا البعد المكاني لدراسة التسرب من المدرسة يحمل بقوة على أهمية هذه العوامل السكنية في تطوير سياسة مناسبة لتقليل عدد المتسربين من خلال النظر في التنسيق مع مختلف أصحاب المصلحة في سياسات الإشراف على الشباب والإشراف على الطلاب.
المناهج التعليمية
في دراسة أجريت حول محددات اختيارات التحاق الطلاب الهولنديين بالمرحلة الثانوية، قدم بحث أجري عام 2008 عددًا كبيرًا من الدراسات التي درست مسألة التسرب من عدة مناهج. وأدى المسح لهذه الدراسات إلى استنتاج مفاده أن التسرب هو عملية معقدة ناتجة عن تفاعل عدة عوامل وليس نتيجة عامل واحد. ومع ذلك، تشير معظم هذه الدراسات إلى أن التسرب من المدرسة يفسر أساسًا من خلال عوامل المدرسة والأسرة والشخصية إذ يفترض خط بحث آخر أن التسرب من المدرسة هو عامل خطر أثناء البقاء في المدرسة هو عامل وقائي. ويمكن تفسير ظاهرة التسرب من المدرسة من خلال العوامل المعرفية وغير المعرفية للطلاب، علاوة على ذلك، يرتبط التسرب من المدرسة بخصائص الطالب مثل الأداء الأكاديمي. ويتم تحديد هذا الأخير من خلال الدافع للتعلم والمشاركة في أنشطة الفصل الدراسي.
وتشير أدبيات نظم التعليم العالمية، إلى أن السياسة التعليمية، والقواعد التي تحكم المناهج التعليمية، والمناخ في المدارس ترتبط بشكل مباشر بقرارات التسرب، مع عدم إغفال الخصائص الأسرية التي تشمل المستوى التعليمي للوالدين وحالتهم الاجتماعية والاقتصادية، وجودة علاقة الطالب بالوالدين والأشقاء لها دور حاسم إضافة إلى البيئة المدرسية.
وخلصت دراسات أخرى إلى أن هذه الظاهرة تتأثر بعوامل المجتمع. يعتبر التحضر عاملاً يزيد من احتمالية الانقطاع عن الدراسة، كما يعد البعد عن المدارس كما أشرنا سابقا، وضعف جودة التعليم، وعدم كفاية المرافق، واكتظاظ الفصول الدراسية، واللغة التعليمية غير الملائمة، وتغيب المعلمين، وسلامة الفتيات في المدارس من الأسباب الشائعة للتسرب.
كما أن المتغيرات الفضائية والجغرافية لها تأثير كبير على قرار الطالب الشاب لمتابعة التعليم الجامعي بعد إكمال المدرسة الثانوية. ووجد باحثون أن التحضر له تأثير إيجابي على قرار متابعة التعليم ما بعد الثانوي بينما حجم المدينة له تأثير سلبي، فيما أن البطالة (متوسط مدة البطالة) للشخص الحاصل على تعليم ثانوي لها تأثير إيجابي على قراره بالالتحاق بالجامعة، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة التي تقع فيها المؤسسة التعليمية وتأثيرها الكبير على قرار التسرب. وتشمل هذه الخصائص متوسط دخل الفرد ومعدل تطوير البنية التحتية المحلية، مقاربة للكثافة السكانية حيث تميل هذه الأخيرة إلى التأثير على اختيار السعي إلى تحصيل أعلى درجات التعليم أو الدراسات المهنية، وكذلك اختيار نوع الدراسات التي يجب متابعتها.
نظرية التنشئة الاجتماعية الجماعية
من بين الأسس التي استند إليها الباحث في بحثه، ما يعرف بـ نظرية “منظور التنشئة الاجتماعية الجماعية”، حيث تركز هذه النظرية على الدور الذي تلعبه خصائص الحي في سلوك المراهقين وتأثيرها على التسرب من المدرسة، فقد أظهرت بعض النماذج التي استندت إليها أبحاث عديدة حول تلك النظرية، أن التسرب من المدرسة ظاهرة تنتشر مثل الجائحة في الأحياء الفقيرة بسبب التأثير الذي يتركه المتسربون على أقرانهم في هذه الأحياء.
وأدى استكشاف عوامل العدوى هذه إلى نتائج شديدة الوضوح، على سبيل المثال، وجد بحث أجري عام 2013 أن التسرب من المدرسة هو ظاهرة تؤثر على الطلاب المقيمين في المناطق الحضرية أكثر من أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية. وأن المتسربين موزعون مكانيًا في مجموعات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأنماط الاجتماعية السلبية. وقدمت تلك المراجعات نتائج ممتازة للأدبيات التي تحلل تأثير الحي على التحصيل التعليمي. تعد العدوى آلية اجتماعية لوصف الطريقة التي يتأثر بها الشباب بمواقف وسلوك جيرانهم. التنشئة الاجتماعية الجماعية هي آلية أخرى لوصف الموقف الجماعي للسكان للتغلب على المشاكل الاجتماعية.
كما أن وصول الشباب إلى المدارس والأحياء والتواصل مع الشباب من هذه المناطق المجاورة يصور التأثير غير المباشر للحي السكني. مع الأخذ في الاعتبار ما سبق، تحاول هذه الدراسة رسم خريطة لهذه النقاط الساخنة وتفحص كيفية ارتباط هذه النقاط الساخنة بالخصائص الاجتماعية والاقتصادية للحي باستخدام أداة الاقتصاد القياسي المكاني.
النظام التربوي التونسي
من المعروف أنه قبل دخول الطالب في تونس إلى المرحلة الجامعية، يجب أن يمر بدورتين رئيسيتين. في سن السادسة، يلتحق الطفل التونسي بالمدرسة ليقضي دورة أساسية مدتها 9 سنوات. تتكون هذه الدورة من دورة ابتدائية مدتها 6 سنوات في مدرسة ابتدائية ومن ثم دورة إعدادية مدتها 3 سنوات، وفي نهاية كل دورة، يمكن للطالب إما إجراء امتحان وطني “للسنة السادسة” طواعية للوصول إلى مدرسة متوسطة تجريبية أو امتحان وطني “للسنة التاسعة” للوصول إلى مدرسة ثانوية تجريبية. بعد اجتياز هذه الدورة بنجاح، يمر الطالب بدورة مدتها 4 سنوات في مدرسة ثانوية بحلول نهايتها يجلسون لامتحان البكالوريا الوطنية للوصول إلى التعليم الجامعي.
المنهجية والمتغيرات
ووفق الباحث، يتم جمع بيانات المتغيرات المدروسة استنادا إلى مصدرين، المصدر الأول بيانات عدد المتسربين من قبل التفويضات من أدلة وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، حيث تمثل البيانات المتعلقة بعدد المتسربين عن طريق التفويض لكل عام دراسي عدد الطلاب الذين لم يجددوا تسجيلهم خلال ذلك العام والذين تركوا المدرسة نهائيًا، في حين أن المصدر الثاني لتلك البيانات يتم جمعها من التعداد العام للسكان والمساكن، وهنا تم الاستناد إلى البيانات ذات الصلة والتي صدرت عام 2014 من قبل المعهد الوطني للإحصاء (INS).
هذه البيانات تمثل مصدرا متنوعا وغنيا من المعلومات ذات الخصائص الاجتماعية والديموغرافية للسكان عن طريق التفويض.
الأنماط المكانية للتسرب من المدرسة
لتحديد التوزيع المكاني لظاهرة التسرب من المدرسة، تم استخدام أداة تحليل البيانات المكانية الاستكشافية (ESDA) التي طورها باحثون في مجال جمع البيانات. هذه التقنية تسمح برسم خريطة للوقوع النسبي أو خطر التسرب المحسوب بواسطة طريقة “Empirical Bayes Smoother”. وتتيح هذه التقنية إمكانية استخدام مبدأ بايز لحساب نسب المخاطر النسبية للتسرب على المستوى الإقليمي، حيث يضمن ذلك المبدأ تعديل معدلات المخاطر المحسوبة وفقًا للمعلومات الواردة في المناطق الأخرى، في حين ينظر إلى الخطر النسبي للتسرب على أنه النسبة بين عدد المتسربين المسجل في كل وفد وعدد السكان المحتمل، وهو عدد الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 عامًا.
وبالنظر إلى الخريطة أدناه نجد أن الخريطة على اليمين تظهر النسب المئوية للمخاطر النسبية للتسرب من المدارس في تونس، على سبيل المثال بعثة الزهراء الواقعة في جنوب العاصمة تونس لديها أقل نسبة مخاطرة في حين أن منطقة جار ديما في الشمال الغربي لديها أعلى معدل مخاطرة، كما أن الخريطة على اليسار تظهر كمية المخاطر النسبية للتسرب من المدارس في تونس
ولتوضيح ما يقصد به من النسب الواردة في الخريطة أعلاه، فإنه الخريطة على اليمين تظهر توزيع معدلات المخاطر النسبية حسب النسبة المئوية وتحدد كذلك المناطق ذات المخاطر الأعلى، في حين أن التوزيع المكاني لهذا الخطر النسبي حسب الكمية يشير إلى أن أن خطر التسرب مرتفع نسبيًا في الشمال الغربي والمناطق الجنوبية في تونس، هذا الخطر أقل في المجتمعات الوسطى الشرقية، في حين أنه منخفض للغاية في أقصى الشمال من معتمدية بنزرت ووفد قابس في الجنوب الشرقي.
كما توضح الخريطة أثر المجتمعات ذات المخاطر النسبية العالية أو المخاطر النسبية المنخفضة على وجود ارتباط تلقائي مكاني، بمعنى أن التسرب من المدرسة ظاهرة تعتمد على الخصائص الفردية وتعتمد أيضًا على خصائص منطقة الإقامة.
ويُظهر تحليل الخريطة المئوية كذلك، أن خطر التسرب مرتفع للغاية في ثلاثة مناطق في أقصى الشمال الغربي وهذا الخطر يشكل 8 أضعاف متوسط المخاطرة في مناطق أخرى في تونس.
وتوضح الخريطة على اليسار، نتائج اختبار متوسط الفرق للمتغيرات بين القيمة الأولى، والتي تمثل 25 في المائة من مجتمعات ذات أدنى مخاطر، والكمية الرابعة، والتي تمثل 25 في المائة من المجتمعات ذات أعلى نسبة مخاطرة.
ويبلغ متوسط عدد المتسربين في المجتمعات عالية المخاطر 374 لكل مجتمع ويمثل 6 أضعاف متوسط عدد المتسربين في التفويض منخفض المخاطر. وتشير هذه النتائج إلى أن معدل الأمية ونسبة الأفراد الحاصلين على تعليم ابتدائي ونسبة المتسربين من النساء غير المتعلمات أعلى في المناطق المعرضة للخطر.
كما أن خطر التسرب مرتفع في المناطق المعروفة بنسب عالية من خريجي الجامعات والأفراد العاطلين عن العمل الحاصلين على مستوى تعليمي ابتدائي. ويلعب النشاط الاقتصادي دورًا مهمًا في التفاوت الإقليمي لخطر التسرب، نظرًا لارتفاع نسبة الأفراد العاملين في القطاع الزراعي في المناطق ذات المخاطر العالية.
من ناحية أخرى، فإن نسبة الأفراد العاملين في قطاعي الخدمات الصناعية وغير الإدارية أعلى بكثير في المناطق ذات مخاطر التسرب المنخفضة. ويؤثر التركيب المكاني لنشاط المرأة بشكل كبير على التركيب المكاني لخطر التسرب ويزداد هذا الخطر حيث تكون نسبة النساء العاملات في القطاع الزراعي عالية وهي الأدنى في المجتمعات حيث تكون نسبة النساء العاملات في قطاعي الصناعة والأعمال منخفضة.
وتظهر نتائج اختبار متوسط المساواة كما في الخريطة على اليسار أن إمكانية الوصول إلى المرافق التعليمية والثقافية والرياضية تلعب دورًا مهمًا في تفاوت مخاطر التسرب بين المجتمعات المختلفة في تونس. وتُظهر 25 في المائة من المجتمعات ذات المعدلات الأدنى نسبًا أعلى من السكان مع إمكانية الوصول إلى البنية التحتية العامة ضمن دائرة نصف قطرها أقل من كيلومتر واحد.
وكما هو معروف في تونس، الوصول إلى البنى التحتية العامة مثل مراكز الشباب والأندية الرياضية مجاني ومتاح لجميع الطلاب. ويتم الإشراف على الشباب الذين يستخدمون هذه المرافق من قبل رسامي الرسوم المتحركة والمدربين الرياضيين الذين تدفع لهم الدولة. هذه المرافق العامة أكثر وفرة وتقدم خدمات ذات جودة أفضل في المدن الكبيرة والمناطق الحضرية، في حين أن المدن الداخلية والمناطق الريفية، تعاني هذه المرافق من نقص من فئة المدربين الشباب. وكلما زادت نسبة السكان الذين يسافرون أكثر من كيلومترين للوصول إلى مؤسسة تعليمية، زاد احتمال خطر التسرب من المدرسة.
الخلاصة
على مدى العقدين الماضيين، شغلت مشكلة التسرب من المدرسة جميع البلدان المتقدمة والنامية، وأثارت الأعداد المتسربة من المتسربين قلق صانعي القرار في المجالات التعليمية والاجتماعية. وتؤدي مراجعة الأدبيات المتعلقة بقضية التسرب إلى استنتاج مفاده أن هذه الظاهرة متعددة الأبعاد وأن دراسة هذه الظاهرة يجب أن تأخذ في الاعتبار التباين المكاني للبيئة الاجتماعية والاقتصادية للمتسربين، حيث أظهرت نتائج هذه الدراسة أن تركيز الوظائف الهامشية والمؤقتة في قطاعي الخدمات والبناء في محيط منازل الطلاب يزيد من احتمالية التسرب. وفي الوقت نفسه، فإن تعزيز مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية وتطوير الوظائف المؤهلة الموجهة نحو الصناعة في الوفود المجاورة يقلل من مخاطر التسرب، وقد تكون معدلات البطالة المرتفعة بين خريجي الجامعات عاملاً مؤثراً لدفع الشباب إلى مواصلة دراستهم من أجل الحصول على المزيد من الشهادات التي تمكنهم من الحصول على عمل بأجر أفضل وأكثر استقرارًا.
كما أن النتائج تؤكد أن توافر المرافق الثقافية والرياضية في الحي يقلل من مخاطر التسرب ويساعد على كسر الآثار غير المباشرة الناتجة عن ارتفاع مخاطر الانقطاع عن الدراسة في منطقة مجاورة. ويجب أن تشجع هذه النتيجة صانعي القرار السياسي على النظر في وضع إمكانية الوصول إلى هذه المرافق والمدارس في استراتيجية أكثر تماسكًا تشمل جميع أصحاب المصلحة في الإشراف على الشباب في منطقة محددة جيدًا.