لم يتوقف قلب الصحفية الإيغورية غوليشيرا هوجا عن النبض تجاه قضية أبناء عرقها الإيغور منذ عشرين عاماً، حين اتخذت قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2001 لتتفرغ بشكل كامل لخدمة شعبها وإيصال صوتهم إلى العالم.
اليوم وبعد سيطرة طالبان على أفغانستان، قلب هوجا يتألم من ترك الإيغور في أفغانستان يواجهون مصيراً غامضاً، إذ غردت عبر تويتر “قلبي يتألم على الإيغور في أفغانستان.
قال أحد الإيغور “كازاخستان تنقذ الكازاخيين، وأوزبكستان أوزبكستان، وتركيا ودول أخرى تأخذ مواطنيها بعيداً، نحن الإيغور.. طالبان أمامنا، التهديد الصيني وراءنا”.
My heart aches for the Uyghurs in #Afghanistan. One of the #Uyghur said “ Kazakhstan is rescuing Kazakhs, Uzbekistan Uzbeks, and Turkey and other countries are taking their citizens away. We Uyghurs are left behind … Taliban in front of us, the Chinese threat behind us…”
— Gulchehra Hoja (@GulchehraHoja) August 24, 2021
كانت غوليشيرا هوجا أول مذيعة تقدم برنامج خاص لأطفال أقلية الإيغور المسلمة في تلفزيون شينجيانغ الحكومي، وذلك بعد تخرجها من جامعة شينجيانغ للمعلمين حيث حصلت على درجة البكالوريوس في لغة الإيغور وآدابها.
لم تستمر غوليشيرا هوجا، المدرجة ضمن قائمة أكثر 500 شخصية مسلمة مؤثرة في العالم عام 2020، في عملها مع وسائل الإعلام الحكومية الصينية إذ شعرت أنها أصبحت “أداة بروبغندا” لدى الحكومة الصينية في وقت كانت تقوم الأخيرة على نقل الآلاف من شعبها، من بينهم الأطفال، إلى معسكرات الاعتقال.
قالت هوجا في لقاء خاص مع “أخبار الآن”: “في ظل النظام الشيوعي الصيني، مهما كان دورك في وسائل الإعلام، فأنت تعمل كأداة بروبغندا، وأنا كنت كذلك.
وعلى الرغم من أنه كان برنامج للأطفال إلا أن الحكومة الصينية كانت تدفعنا من أجل الترويج لدعايتها في برنامجنا، إنتاج هكذا برنامج بمثابة غسيل دماغ الأطفال، وغسيل دماغ لأهاليهم من أجل الترويج للغة الصينية في المدارس”.
المرّة الأولى التي اتصلت فيها هوجا بالإنترنت كانت عام 2001 أثناء وجودها في العاصمة النمساويّة فيينا، حينها تعرفت على أنشطة نشطاء الإيغور خارج الصين، شعرت بالخجل والصّدمة من عملها في وسائل الإعلام الحكوميّة الصينيّة وأدركت كيف يكون عمل وسائل الإعلام العالمية الحرة مقارنة بعملها.
وقالت: “لقد صُدمت وهذه الأمور غيرت رأيي تماماً، وأدركت أن ما كنت فخورة به ليس كذلك، أنا كنت أعمل لدى الحكومة الصينية لغسل أدمغة أطفالنا، جيلنا القادم، لذلك قررت الاتصال بإذاعة آسيا الحرة لأنها كانت المنفذ الإخباري الوحيد للإيغور في الولايات المتحدة وفي العالم بأسره”.
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، هاجرت إلى الولايات المتحدة الأميركية وبدأت العمل في إذاعة “آسيا الحرة”، التي تقدم تقارير عن قمع الحكومة الصينية لإقلية الإيغور المسلمة في الصين، وعملت على الدفاع عن حقوق الإيغور.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تلقت هوجا جائزة “ماغنيتسكي لحقوق الإنسان” عن تقريرها عن أزمة حقوق الإنسان المستمرة في شينجيانغ وفي عام 2020، حصلت على جائزة الشجاعة في الصحافة من قبل المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة.
الحكومية الصينية اعتقلت 24 فرداً من أسرة هوجا على خلفية عملها الصحفي
عشرون عاماً مرّوا على هوجا دون لقاء والديها وأخيها، عملها ونشاطها في الدفاع عن حقوق الإيغور كلّفها الكثير على الصعيد الشخصي، إذ اعتقلت السلطات الصينية 24 فرداً من أسرتها من بينهم والديها وأخيها ووضعتهم في معسكرات الاعتقال الخاصة بأقلية الإيغور في الصين، ومنعتهم من التواصل معها.
تحتجز السلطات الصينية ما لا يقل عن مليوني نسمة من الإيغور في حوالي 380 معسكر، ووفقاً لتقارير منظمات دولية يعيش نحو 13 مليون شخص من الإيغور المعاناة، رغم نفي الصين المتكرر لوجود اضطهاد مباشر وقمع وظلم مستمر واحتجاز قسري.
قالت هوجا أن الحكومة الصينية حظرت كل تسجيلاتها القديمة وأفلامها وكل ما يتعلق بها حتى وصل الأمر إلى جمع صورها مع أشخاص كانت معهم، وأضافت “أصدروا الورقة الحمراء في عام 2001 من أجل حظر صوتي، وجميع تسجيلاتي، لذلك وعلى الفور تم استهداف والديّ من قبل الحكومة الصينية، كانوا يدفعونهم للتقاعد مبكراً بعشر سنوات، كان والدي يكتب كتباً عن تاريخ الإيغور، كما تم حظر كتابه وعدم السماح بنشره، كما تم منعه من حضور جميع المؤتمرات الدولية، ومنذ ذلك الحين لم يصدروا جوازات سفر لوالديّ”.
في عام 2017، اتهمت الحكومة الصينية هوجا بأنها إرهابية ووضعتها على قائمة المطلوبين، في سبتمبر/أيلول من نفس العام، اعتقلت السلطات الصينية شقيقها الوحيد، حاولت حينها إحداث ضجة إعلامية كوسيلة ضغط على بكين من أجل إطلاق سراحه إلا أن والدتها طلبت منها عدم فعل ذلك، وفي فبراير/شباط 2018 تم اعتقال 24 فرداً من أسرتها من ضمنهم والديها.
هذا الأمر شكل صدمة بالنسبة لها “لم أصدق ذلك، قلت هذا ليس حقيقيًا لأن والدي كان في العناية المركّزة في ذلك الوقت، كان يعاني من السكتة الدماغية، نصف جسده مشلول، لذلك فهو بحاجة إلى عناية مركزة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، لقد صدمت. لم أستطع فعل أي شيء”.
طلبت المساعدة من الحكومة الأميركية، وشاركت في جلسة في الكونغرس الأميركي للإدلاء بشهادتها حول أهالي صحفيي الإيغور الذين تمت معاقبتهم بسبب تقارير عن الإبادة الجماعية داخل منطقة الإيغور، ونتيجة لتلك المساعي وجّه عدد من المشرعين الأميركيين خطاباً إلى الحكومة الصينية للمطالبة بالإفراج عن أفراد عائلتها، تمّ الإفراج عن أمها وبعد عام أُطلق سراح عمّتها وهي تعاني من حالة صحية عقلية، حيث أصيبت بنوع من المرض العقلي في معسكر الاعتقال.
“عندما عادت أمي قالوا لها: يمكنك أن تأخذي زوجك إلى المنزل لم نراك ولم ترنا، ثم علمت أن والدتي تعاني أيضاً من مشكلة في القلب، هناك العديد من الحالات الصحية الأخرى، هم يعيشون كرهينة عند الحكومة الصينية في الإقامة الجبرية”.
وأضافت في حديثها الخاص لـ”أخبار الآن”: “في الوقت الحالي، تُعتبر الحكومة الصينية أكبر مزود للهاتف في العالم، لكن ملايين الإيغور مثلي لا يمكنهم حتى التحدث إلى والديهم وأقاربهم، لذلك يجب أن يكون هناك تضحية، فنحن نضحي كثيراً، كل الإيغور، لقد مضى وقت طويل جداً وربما نطلب المساعدة من العالم وقادتنا لاتخاذ إجراءات فعالة ضد الحكومة الصينية لإنهاء هذه الإبادة الجماعية”.
هوجا: أعيش في خطر دائم.. الحكومة الصينية تلاحقني
في أبريل/نيسان 2021، نشرت الإعلام الحكومي الصيني مقاطع فيديو لوالدة هوجا وشقيقها يزعمان أنهما يعيشان حياة طبيعية وينتقدان تقارير هوجا.
وحول هذا الأمر، علقت هوجا قائلة: “بالطبع، لقد تم إجبارهم في المقابلة على التحدث ضدي، أنا سعيد برؤية وجوههم بعد أربع سنوات، الشيء الوحيد الذي يجعلني سعيدة من هذا الفيديو، بغض النظر عما يقولونه، أعلم أنهم يجبرونهم على قول ذلك”.
وحول اتهام الحكومة الصينية هوجا بالانتماء إلى منظمة إرهابية، قالت: “إنها كذبة كاملة، لدي 20 عاماً من الخبرة كصحفية أميركية لدينا معايير، لا يمكننا المشاركة في أي منظمة، وهذا ينطبق علي، لذا فهم يتهمونني بارتكاب جريمة خطيرة، كانوا يحاولون الضغط علي، من خلال منحي فرصة للعودة “سنمنحك منزلاً، سنقدم لك وظيفة جيدة”، لم ينجح ذلك، ثم عملوا على مضايقة والدي ويقولون “عودي من فضلك”، هذا لم ينجح، حتى اعتقلوا أخي وهذا لم ينجح، واصلت ما أفعله لأنني أعرف أنه إذا لم أفعل، فهناك ملايين الأشخاص في خطر، لذا اليوم أعلنوا أنني إرهابية”.
وتشعر هوجا بالخطر إذ أن بكين أعلنت عن قائمة اتهام ضدها، وهي لا تعرف طبيعة هذه القائمة “لم يعطوا أي معلومات حول أين وضعوا القائمة هل هي في الإنتربول؟ هل هو داخلي في الصين؟ لا نعلم، أطلب المساعدة من حكومة الولايات المتحدة، إذا سافرت، هل أنا في خطر، قد أكون في خطر؟ ستفعل الحكومة الصينية شيئًا بي: هذا النوع من الأسئلة، بالطبع يجعلني أخاف لأنني أم، أنا لست فقط غولشيرا أنا أم لثلاثة أطفال، لذا فإن الضغط النفسي، والتحرش من الحكومة الصينية يؤثر على حياتي ويؤثر على عملي بشكل مباشر، لكنني سأستمر، لكنني خائفة.. أطلب المساعدة من العالم، من الإنسانية”.
هوجا: الصين سجن خمس نجوم
تنتقد هوجا كيفية عمل نظام الدعاية الصينية، معتبرة أن ما ينتجه هذا النظام هو “كذب ويعرض فقط ما يريدون أن تراه”، معتبرة أنّ تغير حياة الصينيين إلى الأفضل بسبب التطور الاقتصادي والصناعي في الصين ما هو إلا سجن كبير “لا يمكنهم التحدث بما يريدون، أو يعيشون ما يرغبون من حياة معينة، هذا سجن كبير، لذا فهو يشبه فندق الخمس نجوم ربما للشعب الصيني”.
وأضافت: “لكن بالنسبة للإيغور، الأقل مكانةً فيه، كلنا نعلم أن الحكومة الصينية تقوم بالتعقيم القسري، وحتى يقومون بالاعتداء الجنسي على الرجال والنساء وإنكار هويتهم في معسكرات الاعتقال”.
في مارس/آذار 2019، التقت هوجا بوزير الخارجية الأمريكي السابق مايكل بومبيو كممثلة عن أفراد من الإيغور عائلاتهم محتجزين في معسكرات الاعتقال في شينجيانغ.
اقتبست هوجا كلمة بومبيو عندما وصف الإبادة الجماعية تجاه أقلية الإيغور المسلمة بأنها “أكبر وصمة عار في القرن الحادي والعشرين”.
وأكدت في ختام مقابلتها الخاصة مع “أخبار الآن” أنها سوف تستمر في العمل من أجل فضح الممارسات القمعية للحكومة الصينية ضد الإيغور “أنا أؤمن بحرية الكلام والصحافة، لذلك سأستمر في القيام بعملي، وأظهر للعالم حقيقة منطقة الإيغور وما تفعله الحكومة الصينية في القرن الحادي والعشرين، الإبادة الجماعية”.
لمتابعة ما كشفته غولشيرا هوجا لبرنامج بالعين المجردة يمكنكم الضغط على الرابط التالي: