مقتل أحد أكبر المتطرفين الجهاديين في أفريقيا أبو بكر شيكاو، على يد جهاديين متنافسين، يسلّط الضوء على ما يحدث في مناطق غربِ أفريقيا والساحل الكبير بين الجهاديين. فلماذا يتقاتلون فيما بينهم؟ وما هو دور داعش في القتال؟
مع خسارة تنظيم داعش النفوذ في العراق، وتحديداً في الموصل التي سيطر عليها في العام 2014، سقط لديه حلم دولة الخلافة الإسلامية، إذ لم تكن المعركة في هذه المنطقة محطةً عابرة، بل كانت بداية تحوّل لمرحلة جديدة، يأكل فيها التنظيم نفسه، ويتصارع على النفوذ في مناطق أخرى لأسباب كثيرة.
فللموصل أهمية بالغة تكمن في الموقع الجغرافي، إذ أنّها تربط بين سوريا والعراق وتركيا، وهي تعتبر كانت حلقة وصل بين مناطق نفوذ التنظيم في العراق وسوريا آنذاك. وهنا بدأ التنظيم يبحث عن الوجهة التالية كي يعيد بناء نفسه، فكان الخيار على أفريقيا بحكم هشاشة الأنظمة الدفاعية الموجودة هناك.
حرب الأخوة في أفريقيا
الهزيمة إذاً حتمت على تنظيم داعش التموضع من جديد في مناطق أخرى، فراح يبحث عن البوابة للدخول إلى القارة السمراء. بدأ من جنوبها، خصوصاً في موزنبيق وأوغاندا وتنزانيا، ثم انتقل إلى وسطها لا سيما في الكاميرون وكذلك جمهورية تشاد، لينتقل منها إلى غرب أفريقيا، خصوصاً منطقة الساحل.
بعد الخسارة والإنتقال إلى أفريقيا، أعلن عدد من الجماعات الإرهابية الولاء لتنظيم داعش فرع الشرق الأوسط، ومنهم بوكو حرام في نيجيريا، الذي يقوم على فكرة تأسيس دولة الخلافة الإسلامية، فيما الفرع الأفريقي يتمحور حول محاربة الحركات الصليبية في جنوب أفريقيا، لا سيما في موزنبيق وشرق كونغو والكايرون وغيرهم.
ويقول إدريس آيات، وهو أكاديمي وباحث متخصص في الدراسات الإستراتيجية الأمنية الأفريقية لـ”أخبار الآن“، إنّ الفكر الايديولوجي بالنسبة لأفرع داعش في أفريقيا يختلف عن الفكر الإيديولوجي لفرع الشرق الوسط، المتمثل في تأسيس الخلافة الإسلامية… فداعش في القارة الأفريقية يتمحور حول محاربة الحركات الصليبية أولاً وفق اعتبارهم، في جنوب القارة الأفريقية في موزنبيق وغيرها، وكذلك في شرق الكونغو إضافةً إلى مناطق أخرى مثل الكاميرون”.
إذاً هنا سرعان ما نشبت الخلافات بين داعش نفسه، بسبب اختلاف الإيديولوجية بين فرع داعش الآتي من العرق أو من الشرق الوسط بشكل عام، وفرع داعش المتواجد في منطقة الساحل.
آيات: الخلاف الجوهري بين داعش في الصحراء الكبرى وداعش في منطقة الساحل، يكمن أوّلاً في القيادة ونوعية العمليات، ومن يقوم بها.
وهنا يقول آيات إنّ الخلاف الجوهري بين داعش في الصحراء الكبرى وداعش في منطقة الساحل، يكمن أوّلاً في القيادة ونوعية العمليات، ومن يقوم بها. إنّ داعش في منطقة الصحراء الكبرى أو الذي انتقل من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، منظمة إرهابية، مختلفة جداً وكذلك له ميزانية ضخمة، على خلاف داعش الموجود في منطقة الساحل المنبثق والمتعاون مع مجموعة من الحركات الارهابية الموجودة على الساحة، وله بعض التعاون والتواطؤ والارتباطات مع تنظم القاعدة في الساحل.
ويضيف: الإشكالية الكبرى أنّه في نهاية العام 2018 وحتى العام 2020، بدأ صراع داخلي في تنظيم داعش نفسه، خصوصاً الفرع الذي انتقل من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، وداعش الذي كثرت مشاكله في منطقة الساحل، وبدأ الصراع يحتدم حتى بدأ القتال في شهر مايو العام 2019، ما أدّى إلى مقتل 130 فرداً من الفرعين، وما يقدّر بـ 230 آخرين من داعش والقاعدة. وقد أثّر الصراع الداخلي ليس فقط على داعش نفسه، بل على كلّ الجماعات الإرهابية، ما أدى ذلك إلى تقلّص النشاطات الإرهابية والمسلّحة في جنوب الصحراء.
تموضع داعش يستنفر القاعدة
لم يقتصر الأمر على الخلاف في صفوف تنظيم داعش نفسه، بل كان تنظيم القاعدة في أفريقيا ممتعضاً من التموضع الجديد لداعش في تلك القارة، إذ كيف تسمح القاعدة تنظيم بالتموضع في مناطق نفوذها، خصوصاً في منطقة الحدود الثلاثية، بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فاحتدمت المعارك بين الأخوة، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى من الفريقين، الأمر الذي أثّر على النشاطات الإرهابية للتنظيمين معاً. وإلى الصراع على النفوذ، يضاف اختلاف الإيديولوجيات ونوعية العمليات، ما أجج الصراعات بينهما أكثر.
آيات: داعش أن يسيطر وأن يبسط نفوذه في مناطق كثيرة على الحدود الثلاثية، ما أدّى إلى حرب طاحنة جداً مع تنظيم القاعدة الذي يعمل على الحفاظ على نفوذه.
ويشير آيات إلى أنّ داعش أراد أن يسيطر وأن يبسط نفوذه في تلك المنطقة، ما أدى في منتصف العام 2020، خصوصاً في ظلّ انتشار كورونا وغياب قوات الدفاع في مناطق كثيرة في منطقة الحدود الثلاثية، إلى حرب طاحنة جداً بين داعش من جانب والقاعدة من جانب آخر.
ويشرح قائلاً إنّ تنظيم القاعدة أكثر براغماتياً في التعامل مع الأزمات ومع الصراعات، وحتى في حربه مع الحكومات وقتاله مع القواعد الأجنبية الموجودة في المنطقة. أحياناً يدخل في حوار من أجل التفاوض والحصول على التمويل، بخلاف داعش الذي يرفض التفاوض مع الحكومات، ويتمّ ذبح كل الرهائن علناً حتى يكونوا عبرة وفق منطقهم للحكومات، في إشارة منهم إلى أنّ الحرب ستكون أكثر دموية
بغض النظر عن تضعدع تلك الجماعات الإرهابية في أفريقيا، من أفرع داعش والقاعدة، وانهماكها بصراعاتها الداخلية، إلّا أنّ المشهد يبعث على القلق، وفق التعبير الدولي، خصوصاً أنّ التنظيم يحاول جاهداً إعادة بثّ الحياة في شرايينه من جديد، في قارة تعاني الهشاشة الدفاعية والأمنية.
شاهد أيضاً: يوهان غوستافسن.. 6 سنوات مع القاعدة