أخبار الآن | سوريا – محمد الجنون (خاص)
في شمال سوريا وتحديداً جنوب مدينة الحسكة السورية، باتَ مخيّم الهول تجمعاً كبيراً للاجئين ومعتقلين من عناصر وعائلات تنظيم “داعش” الإرهابي المهزوم. وفعلياً، فإنّ هذا المخيّم الخاضع لسلطة قوات سوريا الديمقراطية، يعتبرُ قنبلة موقوتة، لا سيما أنّه يعدّ من أكبر تجمعات اللاجئين على الأراضي السورية.
وفي مطلع شهر حزيران/ يونيو الجاري، فقد تمّ إجلاء حوالى 800 من النساء والأطفال لإعادتهم إلى بلادهم ودمجهم في مجتمعاتهم. المبادرة باتجاه ذلك، تعدّ الأولى من نوعها في المخيم الذي يضمّ أكثر من 30 ألف سوري غالبيتهم من النساء والأطفال، ونحو 73280 لاجئ عراقي، فضلاً عن 11500 عائلة من داعش. ومنذ العام 1991، أي تاريخ تأسيسه، كان مخيم الهول ملاذاً للاجئين العراقيين. حينها، أنشأته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتنسيق مع الحكومة السورية آنذاك. وفي منتصف نيسان 2016، افتتحت الإدارة الذاتية الكردية مخيم الهول لاستقبال النازحين الفارين من مناطق خاضعة لتنظيم “داعش” المهزوم، واللاجئين من مناطق العراق الحدودية القريبة من بلدة الهول شرقي الحسكة.
بؤرة إرهاب..
وفي ظلّ واقع المخيم الذي يشهدُ ضغطاً وتوتراً كبيراً، فإنّ المبادرة الاولى التي قضت بإجلاء 800 من النساء والأطفال، تبعتها مبادرات أخرى. فقبل يومين، جرى إخلاء سبيل 8 أطفال من تنظيم “داعش” وتوجهوا إلى أستراليا. ما حصل جاء بناء لعملية سرية، في حين أن من بين هؤلاء 5 أطفال لخالد شروف، الإرهابي الأسترالي الذي قتل في سوريا. وحالياً، فإن التحضيرات جارية لإخراج دفعة من أهالي دير الزور بالمخيم، في حين أنه تم إجلاء طفلين دنماركيين أيضاً. وإزاء ما يحصل، فإنّ مخيم الهول بات يشكّل هاجساً دولياً وأممياً، ليس فقط لناحية الأعداد الهائلة من النازحين واللاجئين ضمنه، بل بسبب بؤرة الإرهاب التي يحويها، لناحية عائلات “داعش” الذين يحملون الفكر المتطرف.
واقع مخيم الهول.. معطيات وأرقام
ومع هذا، فإنّ المعطيات بشأن المخيم كثيرة، وهي التي تبرز واقعه الميداني. وفي هذا الإطار، يشير أحد المسوؤلين في مركز روجافا الكردي للدراسات لـ“أخبار الآن” إلى أنّ “مخيم الهول يضمّ نحو 73200 شخصاً، أي ما يقرب ضعف سعته القصوى البالغة 40 ألف شخص. ولذلك، فإنّ الجهود جارية لتوسيع المخيم من أجل أن يستوعب الأعداد الهائلة”. يكشف المسؤول الكردي أنّه “يجري عزل عائلات داعش الأجانب عن غيرهم من اللاجئين”، لافتاً إلى أنّ “الفرد في المخيم يحتاج إلى 10 دولارات يومياً لتلبية الإحتياجات الأساسية من رعاية صحية وغذاء، في حين أنّ كلفة التشغيل اليومية للمخيم تصل إلى 730 ألف دولار في الحد الأدنى، كما أن هناك حاجة ماسة إلى 3000 خيمة، وضرورة حتمية لتأهيل البنية التحتية”. وقال: “لقد جرى تخفيض رواتب القوات العسكرية هناك لدعم المخيم مالياً، وتكلفته هي عبء على كاهل أهل شمال شرق سوريا”.
إلى ذلك، يؤكد المسؤول في مركز الدراسات أنّ “الأمن ممسوك من قبل قوات الأمن المتمركزة هناك، في حين أن المخيم يعتبر منطقة مغلقة ولا يجوز لأي شخص داخله الخروج منه، إلا في حالات تستدعي الذهاب إلى المستشفى”.
مطبخ إيديولجية “داعش”
في الأشهر الـ3 الأولى من العام الحالي، كانت مدينة الباغوز هي “المقتل” الأخير لتنظيم “داعش” في سوريا، حيث استطاعت قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي كسر شوكة التنظيم وهزيمته. وإزاء العمليات العسكرية، خرج الآلاف من عائلات داعش نساء وأطفال وعناصر ومسلحين من منطقة الباغوز، وسلموا أنفسهم للقوات الكردية. حينها، اضطرت السلطات هناك إلى نقل عدد كبير من هؤلاء إلى مخيم الهول.
يقول المسؤول الكردي: “لقد كانت أعداد النازحين من الباغوز هائلة، الأمر الذي جعل مخيم الهول يرزح تحت عبء هائل في الموارد والسعة. ومع هذا، فإنّ هناك احتياجات كبيرة على كافة الأصعدة، والسعي قائم لتعزيز واقع المخيم”. ويضيف: “الوضعُ يزداد سوءاً بسبب عدم قدرة العديد من المنظمات غير الحكومية على العمل مباشرة مع الإدارة المستقلة لشمال شرق سوريا، بسبب افتقارها للمكانة السياسية، وهذا يعني أنهم غير قادرين على تقديم الدعم المباشر للمخيم من مستشفيات وتجهيزات على الأقل حينما تشتد الحاجة إليها”.
ومع كل ما يحصل داخل المخيم ووسط كل العقبات، يكشف المسؤول أنّ “الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا تتعرض لضغط هائل ، حيث يشكل عشرات الآلاف من أعضاء داعش وعائلاتهم عبئًا إنسانياً كبيراً وتهديداً إرهابياً في نفس الوقت، في ظل عدم وجود دعم من المجتمع الدولي”، وقال: “ما يحصل مؤخراً من مبادرات قد يساهم في التخفيف من وجود هؤلاء داخل المخيم، الذي سيصبح مطبخاً لإيديولجية داعش بسبب تمركزهم الكثيف”.
آليات للتثقيف.. والخطر كبير
ما فرضه الواقع “المأزوم” داخل المخيم، لم يجعل من السلطات الكردية بعيدة عن المساعي لتأهيل النازحين. يقول أحد المسؤولين الميدانيين الأكراد: “الإدارة الذاتية يمكنها تأهيل وتدريب اللاجئين، وهي نجحت في إدارة ورش عمل تثقيفية للعديد منهم”، ويضيف: “ومع ذلك ، فإن تحقيق التثقيف الفعلي يحتاج وقتاً طويلاً وفقاً للإمكانيات المتاحة. وفي وضعه الحالي، يشكل مخيم الهول تهديداً خطيراً، إذ يوجد الآلاف من الأطفال التحقوا بمدارس داعش ويتلقون تعليمهم لأيديولوجية داعش كل يوم من قبل أمهاتهم وجيرانهم. وإذا لم يتم مواجهة هذا الموقف من خلال استجابة مشتركة بين الإدارة الذاتية والمجتمع الدولي لتطوير عمليات التأهيل فعالة، فمن المؤكد أن داعش سوف يرتفع مرة أخرى من خارج المخيم، وسيصبح أقوى وأكثر انتشاراً من ذي قبل”.
عودة اللاجئين إلى بلادهم.. خطوة نحو الحل
في حقيقة الأمر، يكون الحل باتجاه مخيم الهول وأي مخيم آخر من خلال تخفيف الأعباء عليه أولاً، وثانياً من خلال التحضير الأرضية لتسوية أوضاع اللاجئين فيه، خصوصاً المنتمين لـ”داعش”، بحسب المسؤول في مركز “روجافا للدراسات”. ويقول: “الإدارة المستقلة الكردية عملت على إعادة اللاجئين إلى المناطق المحررة من داعش. أما فيما خصّ الأشخاص المنتمين للتنظيم، فإنّه يجب أن تكون هناك برامج خاصة بهم لتخليصهم من الفكر المتطرف”.
يعتبر المسؤول أنّ “أول خطوة على طريق الحل هو تحمل الدول مسؤولية مواطنيها المنتمين للتنظيم”، ويقول: “بدلاً من إلقاء العبء على شمال شرق سوريا، يجب على المجتمع الدولي السعي لإعادة عناصر داعش إلى الدول التي ينتمون عليها، وإخضاعهم لمحاكمات عادلة وإعادة التأهيل في أوطانهم”.
مصدر الصور: مركز روجافا للدراسات
للمزيد:
مسؤولة أممية: 55 ألف مقاتل من ”داعش“ متحجزون في سوريا والعراق