الموصل.. تدمير أكثر من 56 ألف منزل
- 11 ألف مفقود خلال معارك تحرير الموصل
- 5 سنوات على تحرير الموصل من تنظيم داعش
خمسة أعوام مرت على إعلان تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش ولا تزال مشاهد الدمار التي خلفتها معارك طرد التنظيم من المدينة قائمة من دون أن تكون هناك “إرادة حقيقية” لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
وفي الذكرى الخامسة لتحريرها من داعش؛ لا تزالُ العديد من العوائل تسكن وسط الدمار والخراب في الموصل القديمة.
وزارة التخطيط العراقية، كانت أعلنت في وقت سابق أن كلفة الدمار الذي خلفه احتلال تنظيم داعش لأجزاء واسعة من العراق، بلغت أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها كبيرًا، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل أسماء 11 ألف مفقود.
يستذكر سكان مدينة الموصل، الأحد العاشر من يوليو/ تموز 2022، الذكرى السنوية الخامسة على تحرير مدينتهم من تنظيم داعش الإرهابي بعد معارك عنيفة.
وكان داعش قد بسط سيطرته على مدينة الموصل شمالي العراقي في العاشر من حزيران من عام 2014 واستمرت سيطرته على المدينة قرابة الثلاث سنوات.
عمليات تحرير المدينة التي استغرقت 9 أشهر خلفت بعدها كمية خراب ودمار يفوق ما كان يتوقعه سكان المدينة، ترّكز هذا الدمار في جانب المدينة الأيمن وبالتحديد في المنطقة القديمة على الشريط الممتد على نهر دجلة في هذه المنطقة التي تعتبر قلب الموصل وتراثها القديم.
فلا تزال المنطقة القديمة والتي تعتبر قلب الموصل وأكثر مكان تاريخي وقديم (منها انطلقت وتوسعت الموصل) في المدينة تعاني من الدمار والخراب بشكل كبير رغم مرور خمس سنوات على تحرير مدينة الموصل.
عمليات تحرير المدينة التي استغرقت 9 أشهر خلّفت كمية كبيرة من الخراب والدمار
من هذه المنطقة توسعت الموصل وكبرت، ففي المنطقة أقدم جامع في مدينة الموصل والذي يعود لعام 16 هجرية، والذي يقال كذلك إنه ثاني أقدم مسجد في العراق، وهو جامع الأموي أو كما يطلق عليه جامع المصفى، فببنائه بنيت الموصل وتوسعت وكبرت منذ ذلك الزمن.
هذه المنطقة تقع على ضفاف نهر دجلة من الجهة الغربية في مسافة تقارب 4 كيلومترات، وشهدت أقسى وأعنف المعارك خلال عمليات تحرير المدينة لكونها تحتوي على أزقة ضيقة وبيوت صغيرة تعمد التنظيم البقاء بها واستخدام الناس كدروع بشرية لذلك تأخرت المعارك فيها.
رغم هذا الدمار والخراب إلا أن العديد من عوائل المنطقة القديمة أصروا على العودة لبيوتهم تخلصًا من نفقات الإيجار، منذ بداية 2019 عادت أول عائلة لتقوم بإعادة بناء منزلها المدمر بجهود من منظمات إنسانية ليعودوا لمنطقة كانت تفتقر لأبسط مقومات العيش الا وهي الماء والكهرباء.
عائلة ليث هاشم أبو عبد الله هي واحدة من العوائل القليلة التي عادت لمنطقة الميدان في الموصل القديمة المحاذية لنهر دجلة، والتي لا تزال حتى الآن عبارة عن أنقاض وخراب.
تحدث ليث أبو عبد الله لمراسل “أخبار الآن” وقال: “والله نحن صار لنا أربع سنوات من وقت رجعنا، بعد التحرير أجرنا بالدركزلية (بالجانب الأيسر) كنا قيعدين شوي الإيجار صعب وشغل ماكو فجت منظمات (2-3 منظمات) عمرولنا البيت وطلبوا منا نرجع نسكن بينو فرجعنا عالبيت بفضل هذه المنظمات ما صرفنا كل شيء من جيبنا كل هالشغلة المنطمات عملتها”.
عائلة ليث متمسكة ببيتها ومنطقتها
يقول ليث: “من الصعب نترك بيتنا إلى ولدنا بينو والمنطقة إلى كبرنا بيها يعني أنا وأبوي وجدي وأولادي كلتنا ولدنا بهالمنطقة فشوية صعبة نعوفها لأن هذا مسقط رأسنا فنحن رجعنا عليها وتغشع حالتنا بحدنا قيعدين بس يعني مامستوحشين منها للشغلة لأن نخلقنا هوني ونعرف كل شيء بالمنطقة”.
الحكومة لم تقم بأي شيء يذكر
يصف أبو عبد الله دور الحكومة قائلًا: “الحكومة المحلية والمركزية لم تقدم أي شيء لنا، ولم تأتي الينا، كل ما ترونه، المنظمات قامت به، ماء، كهرباء، بناء، مساعدات حتى الملابس قاموا بتوزيعها لنا وحتى أثاث لبيوتنا قاموا بتوزيعها لنا”.
ومنذ عودة العوائل وهم يعانون في الكثير من الأمور، وبحسب أبو عبد الله يقول: “نعاني من شغلات كثيرة، أبسط شيء هذه القمامة لا أحد يقبل يجي يشيلو، يعني هاي أبسط معاناة، نحن لوحدنا قيعدين وبنص هالأنقاض، بالليل ما نقدر نطلع من البيت بسبب الكلاب السائبة”.
في منطقة القليعات المحاذية لمنطقة الميدان، عادت عائلة أخرى في وقت سابق، ففي منتصف عام 2018 قام يونس رجب بترميم منزل عائلته ليعلن عن أمل يُحيي المنطقة من جديد.
عادت هذه العائلة واستمرت بالعيش وحيدةً في منطقة لا يوجد فيها مياه ولا كهرباء، اعتمدت خلالها على منظمة الصليب الأحمر، التي وفرت لهم المياه لمدة أكثر من سنة، معاناتهم لم تقتصر على هذا فقط، بل كانت رائحة الجثث تملئ المكان والخراب والدمار شاخصًا فيها حتى هذا اليوم.
المنطقة في حاجة إلى الطرق المُمهدة
أما عائلة سمير عون فهي ثاني عائلة تعود لمنطقة “القليعات” في الموصل القديمة عام 2019، بعد بناء بيتها من قبل منظمات مدنية وبتبرعات من خيّري المدينة.
تحدث سمير لـ”أخبار الآن” وقال: “بعد ما تحررت المدينة تهجرنا وطلعنا إلى المناطق الآمنة وأجرنا بيوت تقريبًا سنتين قعدت إيجار فعانينا من الإيجار، بعدها اضطرينا نرجع لبيوتنا، منظمات وناس خيرين ساعدونا على إعادة إعمار بيوتنا وأنا ما أول بيت ولكن من الأوائل الذين عادوا من بعد الحاج يونس أبو ذنون، بالبداية كان عددنا على عدد أصابع اليد البيوت بعدين صرنا عشرات والمساعدات متواصلة ببناء بيوت الناس إلى ما عندهم إمكانية أن يبنون بيوتهم، إلى حد الآن البيوت القريبة مني أغلبها من بناء الناس الخيرين ومساعدات من الناس الخيرين”.
وأضاف: “بعد ما رجعنا على بيوتنا منظمة الصليب الأحمر ساعدتنا تقريبا بحدود سنة على إيصال الماء بعدها راجعنا الحكومة المحلية فوصلولنا الماء”.
واستطرد: “تفتقر منطقتنا إلى فتح الطرق يعني طريق واحد هو السالك، طريق واحد ووعر وضيق وهاي كل الناس يعني تسلكو فحبذا لو يعني يلتفتون الحكومة المحلية ويرفعون الأنقاض ويفتحون الطرق ويعوضون الناس المبالغ التعويضية”. مضيفا: “عدد البيوت العائدة تقريبا لا يتجاوز الـ 50 بيت في هذه الـ5 سنوات والتأخير إلى يصير هو واضح كل الناس تعرفو هو تأخير إطلاق المبالغ التعويضية، البعض تسلم والبعض الآخر لم يستلم”.
وقال سمير: “لو تتعوض الناس تجي تعمر لأن بيوت الناس ستين وسبعين ومية متر (يقصد بيوتهم صغيرة) هذاك من عندو أكثر من هذا المساحة، معاناتنا يفتحولنا الطرق يعني من وين ما نروح أنقاض يعني طريق واحد ما يكفي احنا أربعين خمسين بيت ومدارس وأطفال”.
ورغم مرور 5 سنوات على تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش، لم يعد سوى قرابة 40-50 عائلة إلى المناطق المحاذية لنهر دجلة، وهو رقم ضئيل جدًا مقارنة بعدد البيوت التي لاتزال مدمرة.
ويعيش سكان هذه المناطق في مساحة أشبه بمدينة أشباح فالدمار والخراب يملؤ المنطقة ولا تزال الأنقاض سائدة عليها.
المخلفات الحربية وبقايا الجثث لا تزال موجودة في المنطقة فبين الحين والآخر يُزيل موظفو الدفاع المدني المخلفات الحربية والهياكل العظمية، التي تعود لأيام عمليات تحرير المدينة من عصابات داعش الإرهابية.
معاناة السكان لم تقتصر على دمار المنطقة فحسب، بل إنه ليس هنالك طريق جيد يسلكوه لبيوتهم ومناطقهم.
وما يؤخر عودة الأهالي لبيوتهم هو تأخير صرف المبالغ المالية التعويضية عن الأضرار التي لحقت ببيوتهم وأملاكهم في عام 2017 خلال عمليات تحرير المدينة من تنظيم داعش.
ويأمل سكان هذه المناطق بالإسراع في توفير الخدمات التي تفتقر لها من إزالة الأنقاض، وتعبيد الطرق وتوفير التعويضات لسكانها لتمهد لعودة الناس لهذه المنطقة المدمرة بشكل كامل بعد مرور 5 سنوات على تحرير المدينة.