كان لافتاً مؤخراً رفض ماليزيا خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تسليم الصين أشخاصاً من أبناء أقلية الإيغور المسلمة، حتى لو جاء بطلب مباشر من الحكومة الصينية. فهذا الرفض أتى ليؤكّد سعي السلطات الصينية لملاحقة الإيغور ليس فقط في شينجيانغ، و إنّما خارجها أيضاً.
والسلطات الصينية لطالما كانت تحاول إخفاء قمعها لأقلية الإيغور من خلال حملات لتكذيب الحقائق والوقائع، التي تنشر وتُسرّب عن حقيقة ما يجري في تركستان الشرقية. إلا أنّ الوقائع و القصص الحاصلة حتى مع الإيغور الموجودين في الخارج، تثبت ممارسات السلطات الصينية القمعية وملاحقة هذه الأقلية خارج الحدود الصينية.
قصة عبدالرحيم غني الناشط الإيغوري الذي يعيش حالياً في هولندا، هي نموذج عن حقيقة تعاطي السلطات الصينية. أخبار الآن تابعت قصته منذ العام 2019 حيث كشف لنا أنّ السلطات الصينية تتعرض له بالضغوط عبر عملاء لها في هولندا، بهدف ثنيه عن رحلة البحث والإطمئنان على أقاربه.
قصة عبد الغني بدأت مع إنتقاله إلى خارج بلاده الأم وانقطاعه لفترة عن عائلته، حاول إعادة التواصل معهم ولكنه فشل مراراً وتكراراً فقرّر خوض معركة ديبلوماسية بمفرده علّه يعرف مصير أفراد عائلته، إذا ما كانوا على قيد الحياة أو تمّ إعتقالهم في معسكرات السلطات الصينية.
عبد الغني خاض معركة دبلوماسية بمفرده
بدأ عبد الغني وبمبادرة فردية بالتظاهر ابتداءً من يونيو/ حزيران 2018 في ساحة دام بأمستردام الهولندية، محتجّاً على سياسات بكين القمعية ضدّ الإيغور، داعياً الحكومة الصينية لتزويده بمعلومات عن مكان وجود 19 من أقاربه المفقودين، الذين رآهم آخر مرّة في العام 2014، من بين هؤلاء كان يبحث عن والده وزوجة أبيه وثلاثة أشقاء وعائلاتهم.
التقى غني عدة مرات بممثلين من وزارة الخارجية الهولندية، التي قامت بإستفسارات نيابة عنه إلى السفارة الصينية في العام 2018، كما كتب رسائل إلى ملك هولندا ورئيس الوزراء لطلب مساعدتهم في عرض قضيته على مشرّعين هولنديين، وقدم شهادة على موقع قاعدة بيانات يخزن معلومات عن أقارب الإيغور المفقودين في إقليم شينجيانغ.
عبد الغني الذي التقته أخبار الآن مجدّداً هذا العام شرح ردّة فعل المسؤولين في هولندا مؤكّداً أنّ السلطات سعت جاهدة إلى محاولة الوصول إلى معلومات بشأن عائلته، لكن لم تلقَ جواباً شافياً وإنّما مجرّد خطاب من مكتب تابع للحكومة الصينية جاء فيه أنّ عدداً من أفراد عائلته هم في عهدة الدولة.
حرقتُه على عائلته المفقودة قادته إلى التظاهر أمام السفارة الصينية، حيث تعرض للإعتقال بعدما دخل السفارة الصينية محاولاً السؤال عن عائلته.
بعد استلامه للرسالة من الخارجية الهولندية تلقى عبد الغني إتصالاً هاتفياً من أحد أشقائه في إقليم شينجيانغ، أكّد خلاله شقيق عبد الغني أنّ السلطات الصينية اعتقلت أحد أشقائه بتهمة أعمال غير قانونية بحسب ما قاله شقيقه الذي رفض إعطاءه أرقام هواتف باقي أقاربه وحرص على القول بأن الحكومة الصينية جيدة جداً وقد ساعدت عائلته ودفعت لهم ثمن منزلهم.
التعامل مع الإنفصاليين تهمة جاهزة لتهديد الإيغوريين
يقول عبد الغني أن أكثر ما أدهشه في الرسالة التي تلقاها من الخارجية الهولندية هو أنّ أخيه الصغير حكم عليه لمدة 16 سنة لأنه كان خطراً للأمن العام وكان يتعامل مع الإنفصاليين ولذلك حكم عليه 16 سنة مضيفاً: “أنا أعرف أخي لا يتعامل مع من يهدد أمن الصينيين” مشيراً إلى أنّه مؤخراً باتت هذه التهمة جاهزة لإعتقال وتهديد الإيغوريين.
وفي معرض حديثه لأخبار الآن يستعرض عبد الغني صور عائلته التي لا يستطيع التواصل معها ويؤكد أن إصراره على معرفة مصير أقاربه ومعركته الدبلوماسية التي قادها لوحده أثمرت ولاقت رد فعل ولو خجول.
ويؤكّد عبد الرحيم غني انّه تعرض لحملات شعواء ولتهديدات كثيرة بشكل مباشر وعبر الفيسبوك اتهمته بالكذب وبخلق الأكاذيب لتشويه صورة الحكومة الصينية. ووصل الأمر إلى حدود التهديد بالقتل يقول عبد الرحيم، من قبل صينيين يعيشون في هولندا، ما دفعه إلى رفع بلاغات للشرطة الهولندية.
قصة عبد الرحيم غني قد تكون نموذجاً لمعاناة مزدوجة يعيشها الإيغور داخل الصين وخارجها بين الإخفاء القسري والإعتقال القسري وبين حملات التهديد الذي يتعرض الإيغور لها والتي تجعل حياتهم بخطر دائم.