أخبار الآن | الريحانية – تركيا (وضحى العثمان)
لم يبق من آثار سوريا التي طالها الدمار سوى صور غادرت الواقع وأصبحت جزءا من عالم افتراضي، حيث أصبحت هذه المواقع في مرمى آلة الحرب تارة ونهب بعض الناس ممن امتهنوا الإتجار بآثار الوطن وتاريخه.
من أوغاريت الفينيقية ومدرج جبلة وقوس النصر في تدمر مرورا بالجامع الأموي وليس انتهاء بقلعة دمشق وأحيائها من الحقبة العثمانية؛ طالت آثار سوريا طائرات نظام الأسد وأيادي ضعاف النفوس ممن استغلوا اندلاع الحرب لتحقيق منافعهم الشخصية على حساب تاريخ الوطن وتراثه، لتصبح الآثار والإتجار بها مهنة هؤلاء الناس الذين لم تسلم من مطامعهم وجشعهم حتى القبور فقاموا بنبشها.
الآثار السورية في فترة حكم البعث
تعرضت الآثار السورية في فترة حكم البعث للكثير من العبث والسرقة والتدمير غير المقصود في بعض الأحيان والمقصود في أحيان كثيرة. حيث تمت عمليات سرقة ممنهجة للآثار السورية وبيعها بإشراف الأسرة الحاكمة في سوريا للدول الغربية، وهناك العديد من الدلائل التي تشير إلى قيام تجار الآثار برعاية من نظام الأسد إلى تهريب العديد من اللُقى والقطع الآثرية بمختلف الأحجام والأنواع وبيعها لأوروبا لتستقر في متاحف العالم الغربي الأوربي والأمريكي بالتحديد.
كما كانت عمليات هدم للمواقع الأثرية تتم بالخطاً ودون أدنى اهتمام لقيمة هذه المواقع وأكبر مثال على ذلك هي بحيرة الأسد التي طمرت آلاف المواقع الآثرية الغنية بالمقتنيات ولم تستطع البعثات الإنقاذية في المنطقة أن تعمل إلا في قلة من هذه المواقع والتي تعد بالآلاف، بالإضافة الى عمليات شق الطرق وبناء المنشآت الضخمة التي كانت تقوم دون دراسة لواقع التربة والأرض.
الآثار السورية في ظل الثورة
استمرت عملية تدمير ونهب الآثار السورية في ظل الثورة وتم استغلال عملية الفلتان الأمني، حيث استمر النظام من جهة في عملياته السابقة من نهب وتدمير بحجة وجود عصابات تقوم بالسرقة والتعدي على المتاحف والمواقع الآثرية، وظهور فئة تجار الحرب الذين باشروا بعمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار بغية الحصول على مبالغ خيالية من المال.
وفي إحصائيات جديدة تم الكشف عن مئات المواقع الأثرية المتضررة بشكل جزئي أو كامل والسبب هو القصف أو السرقة أو من الممكن أن تكون مناطق تمركز عسكرية وتم توثيق أغلب هذه الحالات بالصور والفيديو.
عنف النظام وجشع التجار
بالقرب من مدينة "كفرنبل" هناك العديد من البلدات والقرى والتي يوجد فيها مواقع أثرية هامة تعود إلى العصر الروماني وغيره، كآثار "البارة" وهنا تبدأ قصتنا مع "أحمد" الذي بدا مصدوما لدرجة كبيرة. هذه الصدمة كانت جرّاء ما شاهده ويشاهده من تجارة بإرث حضاري كان يتباهى به.
يقص "أحمد" لأخبار الآن ما جرى بينه وبين عمه الذي يعمل في تجارة الآثار. فقد رفض أحمد بيع تاريخه ووقف ضد أطماع عمه ما أدى لتفاقم المشكلة لتنتهي بأن يحمل السلاح في وجه عمه.
يقول لنا: "كنت موجودا حين سمعت عمي يجري اتصالاته مع تجار من دول عدة كلبنان وتركيا ليبيع تماثيل وقطع نقدية قديمة، لقد أصبت بالخيبة فعمي الذي كنت أعتبره مثلا أعلى يتاجر بتاريخنا وحضارتنا، هذه هي الجريمة الكبرى وعلينا جميعا أن نقف بوجه هكذا أعمال تهدف إلى طمس الحضارة والتاريخ".
أحمد هو نموذج عن الشباب الذين يحاولون الوقوف بوجه أولئك التجار ومنعهم من الاستمرار بهكذا عمل خطير.
أما "مصعب" وهو من "قلعة المضيق" فيقول: "لم يبق شيء يذكر من تلك الآثار فالنظام قام بالحفر والتنقيب وكذلك الأمر شبيحته حتى أن "أفاميا" لم يبق منها إلا الاسم. وبعد هؤلاء المجرمين جاء ضعاف النفوس من أبناء البلدة لينقبوا عن آثار عجز أولائك عن استخراجها ومن ثم بيعها مقابل المال، إنه استبدال للتاريخ بالعملة الصعبة".
الحفر والتنقيب عن الآثار لم يكن مقتصرا على مناطق محددة، فقد كان عاما وشاملا لكل الوطن. الميليشيات نهبت "تل عجاجة" في مدينة الحسكة الذي نقبت فيه بعثات علمية في ثمانينيات القرن العشرين. إن ما يحدث لتراث سوريا هو إزالة للماضي كي لا يكون لدينا تاريخ مسجل، وطالت الخطورة مسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد وضريحه في مدينة حمص. ولكن حلب "أشهر المدن التراثية في العالم" ستجد نفسها من غير تاريخها العريق المغرق في القدم والشاهد على أحداث العصور السابقة، وطال القصف مؤخرا فندق كارلتون الذي شيد في العام 1883 في مواجهة قلعة حلب الأثرية فتحول إلى ركام ليصبح في عداد المشاهد التاريخية المندثرة.
باتت الحرب عنصرا جاذبا لمهربي الآثار وتجارها عبر منفذين، الأول تركيا لتكون إسطنبول محطة أساسية لتهريب التراث السوري إلى دول العالم المختلفة، والثاني هو لبنان. ويذكر أن قيمة ما تم تهريبه من سوريا قد تجاوز الملياري دولار، ليبق الوطن ترابا هُجّر شعبه وهُرّبت آثاره.
صور لبعض الآثار التي استخرجها تجار الحروب لبيعها: