أخبار الآن | الرقة – سوريا – (ورد العلي)
تركت الجرائم التي ارتكبتها قوات النظام أثراً بالغاً في نفوس السوريين، وخاصة لدى الأطفال، في ظل غياب المرشدين والأطباء والأخصائيين النفسيين، الذين يساعدون في التخفيف من هول ما واجهه الأطفال جراء عمليات القصف المدفعي والجوي، ومساعدة الأهالي والأطفال في التأقلم مع واقع الحرب الذي تعيشه المدن والمناطق المحررة منذ ما يقارب الأربع سنوات.
الطفل "أيهم" أحد هؤلاء الأطفال الذين عايشوا القصف، وفقد يده جراء سقوط برميل متفجر على منزلهم في ريف ادلب.
"خسرنا كل شيء والحمد لله على كل حال"، بهذه الكلمات بدأت "خديجة" والدة الطفل حديثها لـ"أخبار الآن"، وأضافت: "قُصف منزلنا الذي كنا نحسبهُ آمناً من طائرات النظام، لكنّ البراميل لم تخطئ هدفها؛ فأسقطت المنزل على رؤوسنا، فاستشهد زوجي، وفقد أيهم كَفّ يده بعد أن اضطرَّ الأطباء لبتره".
تقول والدة الطفل: "نزحنا إلى ريف جسر الشغور علّنا نبتعد عن دائرة القصف قليلاً بعد أن تدمّر منزلنا بالكامل، وأصبحت منطقتنا ملعباً لطائرات الأسد، ولكن الوضع لم يتغير، فقررتُ البقاء مع ما تبّقى لي من أطفالي أيهم ومحمد وتغريد، أدخلت أيهم المدرسة لعلّه ينسى ما مررنا به، لكنّه كان يعود باكياً في كلّ يوم، يشتكي لي أنه لا يستطيع الكتابة بيدٍ واحدة، ولا يستطيع تناول الطعام بعيداً عني حتى أنه لا يستطيع قضاء حاجته بمفرده. لم أجد سبيلاً لمواساته إلاّ بتشجيعه ببعض الكلمات، وإخباره بأنّ يده ذهبت مع والده إلى الجنة وبأن الله سيعوضهُ بما هو خير".
وتضيف: "بقينا شهوراً على هذه الحال حتى بات طفلي انطوائياً على نفسه، لا يرغب باللعب مع أصدقائه، ولا حتّى إخوته، وأصبح قليل الحديث والحركة ولا يشاركنا بأيّ شيء، حاولت أن أخرجه من حالته تلك وتذكّرت أنّ أيهم كان يحب الرسم فحاولت تشجيعه من جديد على ممارسة هوايته، ذهبت للمكتبة وأتيتُ له بدفتر رسم كبير كان والده وعده أن يجلبَ له واحداً مثله عند دخوله المدرسة وعلبة ألوان حبر (فلوماستر) كان قد طلبها منيّ يوماً ففرح بهم كثيراً. منذ مدة طويلة لم أره فرحاً هكذا، ذهب للغرفة المجاورة ووضع دفتر الرسم والألوان بجانبه واحتضنهم بكل حنان".
تكملُ خديجة حديثها لـ"أخبار الآن": "أذكُر يومها أننّي انشغلتُ بأعمالِ المنزل قليلاً وبعد الانتهاء توجّهت لغرفة أيهم للاطمئنان عليه، فوجدتهُ قد باشر الرسم وبانت آثار الألوان على يده وثيابه، فرحت كثيراً لمّا رأيتُه وبدأتُ كعادتنا نحن النساء أهَلَّلُ له تعبيراً عن سعادتي وفرحي الشديد به،
اقتربتُ منهُ لأجدهُ قد رسم بيتاً ومزرعة ونهراً ككل الأطفال الذين من عمره، لكنّي استغربت رسمه ليدٍ على باب المنزل، فسألتهُ عن سبب ما رسم؟ ليجيبني أنّها يدهُ التي أضاعها في بيتنا الذي قصف في قريتنا فاحتضنتهُ ورحتُ أبكي".
وتضيف: "بعد مرور عام على حادثة أيهم، تميّزت رسوماته يوماً بعد يوم وصرت ُأجلس بشكل يومي معه وأساعده في تلوين رسوماته، وقد أصبح يختلطُ مع الأطفال ويلعبُ معهم كما أنّهُ شارك بفاعلية للرسم في مدرسته:.
تنهي أم أيهم حديثها، بالقول: "عندما خسر طفلي كفّ يده حسبت أني سأفقده لكن ولله الحمد أيهم الآن بات ككلِّ الأطفال يستطيعُ الاعتماد على نفسه شيئاً فشيئاً، ولن يمنعنا النظام بإجرامه وطائراته من إكمال حياتنا ما استطعنا إليها سبيلا".