سلسلة من الظلمات إلى النور
غدونا ذات صباح باكر جدا إلى بلدة سنوني في قضاء سجنار في العراق. الصمت يعم المكان، تقطعُه الموسيقى التي تنبعث من مذياع السيارة لتؤنس رحلتَنا، وصياحُ الديوك معنلة فجر يوم جديد في هذه المنطقة الأيزيدية التي دفعت ثمناً غالياً على يد مسلحي داعش حين احتلوها في آب/ أغسطس عام ٢٠١٤.
قُتل وسبي وأسر من قرية حردان القريبة من سنوني أكثرُ من ٥٥٠ شخصاً من رجال ونساء القرية حينها. بعض الضحايا وجدوا بمقابر جماعية وآخرون لا يزالون أسرى أو سبايا أو مجهولي المصير. من بين هؤلاء والد وفاء وأخوها. بعد هروبهم من داعش نحو جبل سنجار ثم كردستان العراق، عادت وفاء وعائلتها إلى سنوني حيث استقرت، إذ أن منزل العائلة في قرية حردان قد دمّر. نسير معها على درب رحلة الصيف والشتاء خاصتِها لنسمع منها كيف تحولت من صبية هانئة في كنف والدها إلى كادحة تشقى لتُعيلَ الناجين من العائلة.
وصلنا المخبز حيث تعمل وفاء وأختها. يختلف المشهد داخله عن الهدوء الذي يسكن صباح طرقات بلدة سنوني. هنا تهدر آلاتُ العجن والخبز، وتنهمك وفاء مع الباقين في العمل. عملها هذا هو شريان حياة عائلتها التي بقيت بلا معيل منذ أن عاث داعش في المنطقة. أصبحت وفاء أفضل صانعة خبز في البلدة.
يحدوها الأمل والتمسك بالوطن رفضت عائلة وفاء الهجرة خارج العراق. هجرة كانت ستخفف عن وفاء شقاء الأعباء التي تتكبدُها، لكنها تفضل الموت في العراق على غربة جميلة.
بالرغم من صغر سنها، فإن اجتهاد وفاء والتزامَها بعملها، جعلها تفوز بدعم ومحبة جميع العاملين في المخبز كما الزبائن. تركناها تواصل صنع الخبز وسألنا مدير المخبز عنها.
في رحلتها بين المخبز والبيت، هناك محطة يومية لوفاء وأختِها عند بائع الخضار حيث تشتري ما يحتاجون للطعام وتتسوق أي متطلبات عائلية أخرى. نرافقها في طريق العودة أيضا، إذ رغبنا بلقاء والدتها.