وثائقيات الآن 10-1-2018
كالأشباح يندسون بين الناس.. ينقلون مواد تفجير، ويقودون سيارات مفخخة لأماكن مكتظة بالنساء والأطفال والباعة والمارة ممن يكونون في سعي الحياة اليومي. كالأشباح.. يندسون في روح المدينة لاغتيال فرحها ونشر الرعب في شوارعها وأحيائها..
أشباح مسلحون حملوا رصاص داعش ومفخخاته متمنطقين بشتى أنواع الكذب والاحتيال خلال عملية نقل الموت من شارع لآخر.
في هذه الحلقة من برنامج نار الفتنة، حرب التطرف على الأجيال، تدخل قناة الآن المديرية العامة للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في الداخلية العراقية وتلتقي بعض هؤلاء ممن انضموا لداعش ونفذوا عمليات تفجير راح ضحيتها نساء وأطفال وآمنون لم يكن لهم ذنب سوى أن قتلهم يشفي غليل التطرف والإرهاب.
ثلاثة وعشرون قتيلا واكثر من اربعين جريحا، كانت حصيلة التفجير الانتحاري الذي ساهم في تنفيذه بكامل وعيه الداعشي خالد هاشم المعروف بين المسلحين بأبي فاطمة. الهدف كان سوق بيع المواشي على أطراف العاصمة بغداد. فجر الانتحاري السيارة في سوق المواشي.. اختلطت دماء الأضاحي بدماء الضحايا.. اعتبر خالد هاشم/ أبو فاطمة ذلك قربان زفاف “العريس” على حد وصفه، أي الانتحاري. كانت مهمة أبو فاطمة مرافقة السيارة المفخخة والتأكد من وصول الانتحاري إلى الهدف وتنفيذه العملية ليذهب بعدها الانتحاري إلى الحور العين، كما يعتقد الداعشيون أن تفجير الأبرياء والآمنين سيعطيهم مراتب الشهادة. بعد تنفيذ العملية، يخبر أبو فاطمة مسؤوليه بكل برود، وهو يتحدث هاتفيا من منزله وابنته قربه، عن تفاصيل تنفيذ العملية، كما نسمع في التسجيل الهاتفي الذي وثقته أجهزة الأمن العراقية. يضحك خالد هاشم أبو فاطمة خلال الاتصال الهاتفي وكأن دما بريئا لم يسل، وكأن أرواحا آمنة في سوق للماشية لم تزهق. وحين التقيناه داخل السجن وسألناه عن شعوره لحظة تنفيذ العملية وماذا كان سيشعر لو أن ابنته أو عائلته كانت من بين الضحايا كان صمته المتقطع جوابا إضافيا لما قال.
أسباب مختلفة وعديدة ساقها المنتمون لداعش عن أسباب انقيادهم وراء فكر التطرف. بعضهم قد صدق الرواية، وبعضهم حلم بمستقبل واعد في ظل الحكم المقبل على اعتبار أن داعش سيكون فعلا الدولة المستقبلية، وبعضهم وجد في ذلك عملا ولم يهتم للأرواح التي تقتل خلال عمله هذا. أرض التمكين ووعود بالثراء والمناصب وخوف من التخلف عن الركب وتلقي عقوبة رادعة، بعض أهمحلام… الندم هو ما يكرره هؤلاء الداعشيون بعد اعتقالهم وزجهم في السجن.
وئام عبد الكريم مدرس رياضيات كهل تجاوز أواسط عقده الخامس. تخلى في لحظة ما عن الفكر العلمي الذي تمنحه مادة الرياضيات للإنسان وانضم لداعش ليصبح شبحا قاتلا من أشباحه، مستخدما كهولته باب استعطاف ولكن لهدف القتل. يتحدث مدرس الرياضيات عن “سحر” قد أصابه ربما خلال تجنيده لدى داعش. يدعي أنه لا يعرف كيف اقتنع، لكن كاميرات المراقبة في منطقة الكرادة وسط بغداد، توثق تفيذه لتنفجير بسيارة مفخخة أوقع عشرون مدنيا بين قتيل وجريح. فهذا الرجل الذي خط الشيب مفرق رأسه ولحيته، كان ينتحل صفة مريض يسعى لزيارة طبيب أو للحصول على علاج من صيدلية في المنطقة، ليركن سيارته المفخخة والابتعاد عن دائرة تفجيرها ومن ثم إعلان القتل بزر التفجير.
بعض مسلحي داعش لم ينتموا للتنظيم إيمانا بالعقيدة. فعملية الترغيب والترهيب كانت سببا رئيسا لالتحاق كثيرين بعد عام 2014 . وهو ما حصل مع العامل محمد خضير وسائق سيارة الأجرة علي مهدي اللذين غرر بهما والتحقا على أمل أن يكون لهما منصبا ما أو كسبا أكبر مما كانا يحصلان عليه.
بعد تجنيدهم في داعش، يحصل المسلحون الجدد على تدريب، كل بحسب تخصصه، ثم يرسلون للعمل الميداني. يبدأ العمل باجتماع مع قادتهم المباشرين في داعش لتقرر خلال الاجتماع العمليات المطلوب تنفيذها ومكان التنفيذ.
تتبع فريق قناة الآن خط سير سيارة مفخخة من لحظة التخطيط وحتى لحظة تفجيرها وما يتبع ذلك من نتائج.
تجمعت الخيوط بيد مالك خميس/ أبو طه آمر كتيبة سلمان المحمدي التي كانت تنشط بين بغداد ومحافظة ديالى المحاذية لها.
واحد وثلاثون بين قتيل وجريح حصيلة التفجير الانتحاري في منطقة الزعفرانية عصر ذلك اليوم اللاهب من تموز/ يوليو ألفين وخمسة عشر.
قد لا يتذكر مسلحو هذه الكتيبة الداعشية أعداد من قتلوهم طوال فترة انضمامهم لداعش وقبيل اعتقالهم ووضعهم خلف قضبان السجن.
هنا في محاجر الاحتجاز يبدون الندم على تلك اللحظات التي وافقوا فيها أمراء ومفتي داعش وانصاعوا لأوامرهم.
كان مصير أفراد كتيبة سلمان المحمدي/ القتل خلال المواجهات المسلحة أو انتظار تنفيذ أحكام الإعدام التي قررت بعد محاكمتهم عقب اعتقالهم. آمر الكتيبة أبو طه يُقر بالندم. تنهمر دموع من عينيه وهو يتحدث عن اشتياقه لأطفاله وعائلته. خلف قضبان السجن وبانتظار أحكام الأعدام أقر هؤلاء الداعشيون بأن دولتهم المزعومة باطلة
هي رسالة لغيرهم، لعلهم يتعظون.